top of page
تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أزمة الغذاء العالمي
عبدالله العنزي
جامعة اليرموك
قسم العلوم السياسية
أ. د. محمد كنوش 
جامعة اليرموك
قسم العلوم السياسية

الملخص

هدفت الدراسة التعرف إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أزمة الغذاء العالمي وإلى بيان أسباب ومنطلقات الحرب الروسية الأوكرانية وجذورها التاريخية، وتأثيراتها على الإنتاج العالمي للمحاصيل الغذائية الرئيسية، وآثارها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أظهرت نتائج الدراسة بأنّ الحرب الروسية الأوكرانية فاقمت من صعوبات قطاع الزراعة العالمية وقادت إلى تصدعات وتشققات في جانب الأمن الغذائي؛ وأنّ ارتفاع أسعار الطاقة كان سبباً في مضاعفة ارتفاع أسعار الأغذية في الفترة الممتدة من 2002 - 2008 وقد وصل نقص التغذية العالمي إلى أعلى مستوى له في 15 عامًا في عام 2020 بسبب استمرار آثار تغير المناخ والصراع الإقليمي، بالإضافة إلى الصدمات الاقتصادية وسلسلة التوريد لـ  Covid-1؛ وأنّ أوكرانيا وروسيا تعتبران من أهم منتجي ومصدري المحاصيل الصالحة للزراعة في العالم، وخاصة الحبوب والبذور الزيتية، حيث شكلت روسيا (10%) وأوكرانيا (3%) من إنتاج القمح العالمي خلال السنوات الخمس الماضية ، وتعدان أول وخامس أكبر مصدرين للقمح، حيث تمثلان (20%) و (10%) من الصادرات العالمية، على التوالي، وأنّ الحصار المفروض على الموانئ الأوكرانية أدى إلى تهديد الأمن الغذائي لنحو 400 مليون شخص في الشرق الأوسط وأفريقيا بسبب أزمة المناخ وجائحة كورونا والصراعات المستعرة في مناطقهم؛ وأنّ أوروبا الشرقية عانت جراء الحصار المفروض على الموانئ الأوكرانية من ركود بنسبة (4.1%) ومن المحتمل أن تتجه أوروبا الغربية إلى ذات الركود الذي تعاني منه أوروبا الشرقية.

الكلمات المفتاحية: الحرب الروسية الأوكرانية، أزمة الغذاء العالمي، المحاصيل الزراعية، سلاسل التوريد.

المقدمة:
    إنّ من بين أبرز التحديات التي يواجهها العصـر الحالي هو تحقيق الاستدامة البيئية والعمل على تعزيز الأمن الغذائي، ومما لا شكّ فيه أنّ جائحة كوفيد-19 التي عصفت بجميع مناطق ودول العالم كان لها تداعيات اقتصادية وسياسية ناهيك عن تداعياتها الاجتماعية والبيئية، والتي أثرت بشكل كبير على حياة الشعوب وسبل معيشتهم وأمنهم الغذائي، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنّ أزمة الغذاء العالمي ومشكلات تحقيق الأمن الغذائي باتت تأخذ منحنيات خطيرة بفعل العديد من الدوافع الأساسية كالتباطؤ والانكماش الاقتصادي؛ فمنذ منتصف عام 2020 ارتفعت أسعار الغذاء العالمية حيث وصل تضخم الغذاء في 36 دولة حول العالم إلى أكثر من (15%)، مما يسبب مشاكل كبيرة للأسر الفقيرة التي تنفق ما يزيد عن (50%) من دخلها على الغذاء (Welsh, Caitlin 2022).
    وفاقمت الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على موسكو في تعطيل إمدادات الأسمدة والقمح وسلع أخرى من كلا البلدين، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، خاصة في الدول النامية، وصحيح أنّ الحرب عبر التاريخ قد عطّلت الزراعة وسلاسل إمداد محاصيلها، إلاّ أنّ الحرب الروسية الأوكرانية هي حرب بين قوتين للإنتاج الزراعي في سياق الأسواق الزراعية المعولمة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار بأنّ الدول المتحاربة "روسيا أوكرانيا" تنتج معاً ما يزيد عن ثلث الإنتاج العالمي من القمح.
    ومع استمرار الحرب من المتوقع أن ترتفع المستويات القياسية لأسعار الغذاء والوقود بشكل حاد في أكثر من (81) دولة حول العالم، وأصبح على البلدان في أوروبا أو الشـرق الأوسط التي اعتمدت على واردات الغذاء الروسية أو الأوكرانية الآن أن تتحول فجأة إلى الحصول عليها من كندا أو أستراليا، والتي ستكون أكثر تكلفة بالنظر إلى المسافة الأكبر التي يتم قطعها.
    وقد أبرزت الحروب التي جرت عبر التاريخ وحديثاً كما في أوكرانيا أن تحديات انعدام الأمن الغذائي لا تتعلق دائماً بقضية توفر الغذاء، بل إنّها تتعلق بإمكانية الوصول والقدرة على تحمل التكاليف، ومما سبق يحاول الباحث في دراسته هذه التعرف على تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أزمة الغذاء العالمي.
أهمية الدراسة:
    تتضح أهمية الدراسة من خلال تسليطها الضوء على موضوع هام في العلاقات الدولية خاصة إذا ما أخذ هذا الموضوع تداعيات دولية وأخرى إقليمية على حالة الصـراع والحرب بين مختلف الفواعل الدولية، وتبرز أهمية الدراسة الحالية من كونها محاولة لرصد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أزمة الغذاء العالمي، ويمكن توضيح أهمية الدراسة من خلال الأهمية العلمية والأهمية العملية؛ وذلك على النحو التالي:
الأهمية العلمية:
    تأتي أهمية الدراسة من الناحية العلمية في أنّها تقدم توضيحاً لمتغير الدراسة المستقل (الحرب الروسية الأوكرانية) وتداعياتها على أزمة الغذاء العالمي (المتغير التابع)، إذ إنّ هذه الدراسة:

  1. تسلط الضوء على جذور الحرب وتداعياتهـــا على أزمة الغــذاء العالمي فــي مختلف الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بما يساهم في فهم مستويات هذا التأثير وتداعياته للقراء والباحثين والمهتمين.

  2. تتيح الدراسة الحالية تكوين إطار نظري يهتم بجمع المفردات التي تخص متغيري الدراسة مما سيوفر مرجعاً علمياً عنهما، بما يساعد على إثراء جانب مهم في مجال الدراسات المستقبلية في العلوم السياسية.

  3. قد تثري المكتبات العربية بشكل عام وتكون داعم ومنطلق لدراسات وأبحاث أخرى في ذات الموضوع الذي قلما تناوله الباحثين حسب حدود علم الباحث.

الأهمية العملية:
تأتي أهمية الدراسة من الناحية العملية من خلال مجموعة من النقاط:
1.    تساهم من خلال تحليلاتها ونتائجها على فهم تداعيات هذه الحرب وآثارها على أزمة الغذاء العالمي والاستفادة من دروسها بهدف الوصول إلى أفضل الممارسات في العلاقات الدولية.
2.    تسهم في إيجاد بعض الحلول المقترحة حول التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية على أزمة الغذاء العالمي.
أهداف الدراسة:
تسعى الدراسة الحالية التعرف إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أزمة الغذاء العالمي ويتفرع عن هذا الهدف العام مجموعة من الأهداف الفرعية تسعى للتعرف على:

  1. أسباب ومنطلقات الحرب الروسية الأوكرانية وجذورها التاريخية.

  2. تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على الإنتاج العالمي للمحاصيل الغذائية الرئيسية.

  3. الآثار السياسيــة والأمنيـة لأزمـة الغـذاء العالمـي التـي سببتها الحـرب الروسيـة الأوكرانية.

  4. الآثار الاقتصادية والاجتماعية لأزمة الغذاء العالمي التـي سببتها الحـرب الروسيـة الأوكرانية.

مشكلة الدراسة وتساؤلاتها:
      ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية في زيادة حدة أزمة الغذاء العالمية، وهذه الأزمة قد تستمر لسنوات قادمة، ولها آثار مدمرة تتمثل في نقص الحبوب والأسمدة الناجم عن الحرب وارتفاع درجات الحرارة، ومشاكل الإمداد الناجمة عن الأوبئة، وهذه كلها تهدد "بدفع عشـرات الملايين من الناس إلى حافة انعدام الأمن الغذائي" وعلى إثر ذلك شهدت الأسواق المالية انخفاضاً حاداً في أسعار الأسهم، وعزز هذا من مخاوف التضخم والركود العالمي.
    ومما سبق فإنّ مشكلة الدراسة الحالية تتمثل في الإجابة عن تساؤلها الرئيس: ما هي تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أزمة الغذاء العالمي؟ ويتفرع عن هذا التساؤل مجموعة من الأسئلة الفرعية التالية:

  1. ما  هي أسباب ومنطلقات الحرب الروسية الأوكرانية وجذورها التاريخية؟

  2. ما هي تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على الإنتاج العالمي للمحاصيل الغذائية الرئيسية؟

  3. هـل تـؤثـر أزمـة الغــذاء العالمي علـى العلاقات الدولية فـي المجالات السياسيـة والاقتصادية؟

فرضية الدراسة:
    تنطلق فرضية الدراسة من فرضية أساسية مفادها: أن هناك علاقة طردية بين الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على أزمة الغذاء العالمي، فكلما طالت أمد الحرب انعكست اثارها على الأمن الغذائي العالمي.
منهج الدراسة:
    تستند الدراسة على المناهج الآتية للوصول إلى النتائج المرادة منها ولتحقيق أهدافها ومنها منهج تحليل النظم: سيتم استخدامه من خلال المدخلات والمخرجات لهذه الحرب وتأثير البيئة الداخلية والخارجية على مجريات الحرب والمنهج الوصفي: سيتم استخدامه لوصف الواقع وتقديم الشـروحات والتفاصيل عن طريق تجميع المعلومات الإحصائية المختلفة والمتعلقة بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أزمة الغذاء العالمي في الجوانب: السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية؛ بما يسهّل التعامل معها بطريقة علمية.
الدراسات السابقة:
    قام الباحثان بالبحث في مصادر المعلومات المكتبية والإلكترونية عن الدراسات السابقة المتعلقة بموضوع الدراسة الحالية، وقد تتبع الباحثان في استعراض الدراسات السابقة التسلسل الزمني من الأحدث إلى الأقدم، وذلك على النحو التالي:
دراسة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة فاو (2022) FAO حول تأثير الصـراع بين أوكرانيا وروسيا على الأمن الغذائي العالمي والمسائل ذات الصلة.
    هدفت الدراسة إلى مناقشـى تأثير الصـراع بين أوكرانيا وروسيا على الأمن الغذائي العالمي والمسائل ذات الصلة بموجب ولاية منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) (CL169/3) وقد أظهرت الدراسة بأنّ الحرب تسببت بأضرار جسيمة وخسائر في الأرواح في المراكز السكانية الرئيسية، وانتشـرت في المناطق الريفية، كما وتسببت في نزوح جماعي، حيث أجبر أكثر من 3.6 مليون شخص على ترك منازلهم والفرار عبر الحدود بحثاً عن الأمان (منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة فاو،2022).
دراسة محمد (2022). حول أزمة الغذاء العالمية زمن جائحة كوفيد19.
    هدفت هذه الدراسة إلى بحث الآثار الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا والتدابير اللازم اتخاذها لمواجهة هذه الجائحة على المستوى الدولي، وتوصلت الدراسة الى النتائج التالية: وجود تأثيرات سلبية كبيرة من كوفيد 19 على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وحدوث إغلاق تام لقطاعات حيوية تسبب في خسائر كبيرة على المستوى العالمي والوطني، إضافة إلى التأثيرات السلبية على السلوكيات الاجتماعية وتزايد مشاعر الخوف والإحباط والقلق وتغيير العادات الاجتماعية بسبب التباعد الاجتماعي (مداحي، محمد 2022).
    دراسة جوزيف جلوبر و ديفيد لابورد (2022) Joseph Glauber and David Laborde بعنوان: كيف سيؤثر الغزو الروسي لأوكرانيا على الأمن الغذائي العالمي؟
    بحثت هذه الدراسة في تساؤلها الرئيس عن كيفية تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا على الأمن الغذائي العالمي، وقد أظهرت النتائج من أنّ هذه الحرب قد أدت إلى اضطراب أسواق السلع الأساسية وتهديد الأمن الغذائي العالمي، كما أدت التداعيات المستمرة لوباء COVID-19 وعوامل أخرى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالفعل، وإلى ضعف المحاصيل في أمريكا الجنوبية، والطلب العالمي القوي (Jglauber , Oseph And Laborde, David 2022).
دراسة جكتاب وآخرون Jagtap et.al (2022) بعنوان: الصراع بين روسيا وأوكرانيا: آثاره على سلاسل الإمداد الغذائي العالمية.
    هدفت الدراسة الى التعرف على آثار الصراع بين روسيا وأوكرانيا على فعالية واستجابة سلاسل الإمداد الغذائي العالمية؛ وخلصت الدراسة إلى عدد من النتائج منها: أنه ستكون هناك تأثيرات كبيرة على فعالية واستجابة سلاسل الإمداد الغذائي العالمية نتيجة للصـراع بين روسيا وأوكرانيا، تم تسليط الضوء على ستة مجالات رئيسية في سلسلة الإمدادات الغذائية التي ستتأثر بسبب الحرب المستمرة (Jagtap, S. Trollman, H. Trollman, F. Garcia, G. Parra-López, C. 2022).).
دراسة نصير وآخرون Nasir, et.al (2022) بعنوان: تأثير الصراع الروسي الأوكراني على المحاصيل الغذائية العالمية.
    هدفت الدراسة التعرف على تأثير الصـراع بين روسيا وأوكرانيا على الوضع الغذائي العالمي، وخلصت الدراسة على عدد من النتائج من أبرزها: تلعب روسيا وأوكرانيا دورًا أساسيًا في إنتاج الأغذية وتجارتها في العالم، ومع ذلك ، عطلت الحرب إنتاج الغذاء في أوكرانيا انخفاض الإنتاج التقديري للقمح وفول الصويا والذرة في أوكرانيا في 2022-2023 انخفاضًا حادًاNasir, M. Nugroho, D. Lakner, Z. 2022) ).
ذهيبة لطرش (2017). حول انعكاسات ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً على الأمن الغذائي في الجزائر: دراسة تحليلية لازمتي الغذاء العالمي 2007-2011.
    تهدف الدراسة على إبراز أهم تأثيرات ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً على الأمن الغذائي في الجزائر، لا سيما ازمتي الغذاء 2007 و 2011 التي تركت أثراً بالغاً على محددات الأمن الغذائي في الجزائر وأفرزت الدراسة مجموعة من النتائج تؤكد الارتباط القوي بين ارتفاع أسعار الغذاء العالمية ومستويات الأمن الغذائي في الجزائر لا سيما مع استمرار ضعف العرض الإنتاجي المحلي. وخلصت إلى تقديم مجموعة من الاقتراحات تؤكد على ضرورة تثمين الموارد الزراعية المتاحة وتكثيف جهود التعاون والشراكة على مختلف المستويات(لطرش، ذهبية 2017).
دراسة علية آدم (2017). حول أثر الأزمة المالية العالمية في كفاية الغذاء في الدول النامية بالتطبيق على السودان 2006 – 2015
  هدفت الدراسة الـى توضيـح  أثر الأزمـة الماليـة العالمية علــى كفاية الغذاء في الدول النامية بالتطبيق على السودان، وذلك بتحليل العوامل المؤثرة على الإنتاج الزراعي الغذائي السوداني خلال الفترة (2006 - 2015م) توصلت الدراسة إلى العديد من النتائج أهمها: أن التعامل الربوي أدى إلى حـدوث الأزمـة الماليـة العالميـة وأن الإنتـاج الزراعـي الغذائـي لا يزال قــاصـراً عـلـى تلبية الطلـب المحلـي المتزايـد علـى الغذاء وللأزمة المالـيـة العالميـة تأثير سلبـي على الإنتاج الزراعـي الغذائـي (آدم، علية ،2017).
دراسة عائشة بوثلجة (2016). حول أهمية الاستثمار الزراعي في الدول العربية في ظل أزمة الغذاء العالمية .
    هدفت الدراسة الى بيان مظاهر أزمة الغذاء العالمية وتشخيص أسبابها وآثارها، والتطرق إلى وضعية الأمن الغذائي للدول العربية من خلال تحليل الفجوة الغذائية من ناحية التركيبة ومن ناحية التوزيع الجغرافي بين الدول العربية لتتضح مواطن القوة والضعف لكل قطر عربي في التحدي لأزمة الغذاء، وأظهرت نتائج الدراسة بأنّ قضية الأمن الغذائي تعتبر من القضايا الهامة التي تشغل اهتمامات الدول العربية لا سيما وأن مشاكل توفير الغذاء أصبح يصعب يوماً بعد آخر بفعل التغيرات الدولية والمحلية، وأنّ الاستثمار في القطاع الزراعي يشهد عزوفاً في الدول العربية لا سيما من قبل القطاع الخاص وذلك بسبب التهميش والمشاكل التي يعاني منها القطاع(بوثلجة، عائشة، 2016).
دراسة بختة خليلي (2015). حول الحرب وأزمة الغذاء بالمغرب الأوسط الزياني.
    تهدف الدراسة الى توضيح علاقة الحروب بأزمة الغذاء بالمغرب كما تطرقت إلى أبعاد تلك الحروب من البعد البيولوجي والبعد الاقتصادي والسياسي وآراء أصحاب كل اتجاه من هذه الاتجاهات وقد أظهرت نتائج الدراسة أنّ الحروب والأزمات الاقتصادية تبادلت الأدوار لتعصف وتؤثر بإنسان المغرب الوسيطي، لما ألحقته من ضرر بالكائنة والساكنة، كالمجاعات والأوبئة والأمراض وغلاء الأسعار وتدني المستوى المعيشــي للفـرد الزيانــي، وعموماً فقد أضرت حروب وغارات العصـر الوسيط بالمجال الفلاحي، وقلصت من مردوديته بفعل نهب الأنعام وإحراق المحاربين للمحاصيل الزراعية وتخريبهم للحقول(خليلي، بختة ،2015).
دراسة كامل شديد (2008). حول أزمة الغذاء و تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية: نحو تقليل الفجوة الغذائية في الدول العربية.
    تهدف الدراسة الى توضيح ارتفاع أسعار الغذاء التدريجي للأعوام 2007 و 2008، بالنظر في تضاعف أسعار القمح والرز وارتفاع أسعار الذرة وفول الصويا وأسعار المحاصيل البقولية؛ وأظهرت نتائج الدراسة بأنّ هناك أسباب عديدة لتفسير هذه الزيادة في أسعار الغذاء، بضمنها الجفاف الحاد في البلدان المصدرة للحبوب، وارتفاع الطلب في الاقتصاديات الناشئة (الصين والهند والبرازيل)، على الغذاء لأغراض صناعة الوقود الحيوي، بالإضافة إلى الارتفاع المطرد في أسعار الوقود والمضاربات في الأسواق المستقبلية للحبوب( شديد، كامل،2008).
ما يميز هذه الدراسة عن الدراسات 
    تتميز هذه الدراسة عن الدراسات السابقة بأنها تناولت موضوع حديث وهو أسباب ومنطلقات الحرب الروسية الأوكرانية وجذورها التاريخية وتأثيراتها على الإنتاج العالمي للمحاصيل الغذائية الأساسية وعرضت هذه الدراسة اهم الآثار السياسية والأمنية الأزمة الغذاء العالمي التي سببتها الحرب موضحة أيضاً الآثار الاقتصادية والاجتماعية لأزمة الغذاء العالمي، بالإضافة إلى أنّ هذه الدراسة تناولت أهم التحديات التي يواجهها العصـر الحالي هو تحقيق الاستدامة البيئية والعمل على تعزيز الأمن الغذائي؛ ومما لا شكّ فيه أنّ جائحة كوفيد-19 التي طالت العالم أجمع كان لها تداعيات اقتصادية وسياسية بالإضافة إلى التداعيات الاجتماعية والبيئية.
المحور الأول: الجذور التا ريخية للحرب الرو سية الأو كرانية
    ترجع جذور الأزمة الأوكرانية الأولى إلى اشتعال الاحتجاجات في أوكرانيا ضد الرئيس فيكتور يانكوفيتش، وذلك بعد توقيعه على اتفاق مع موسكو ينص على أن تمنح أو كرانيا 15 مليار دو لار ويعمل على تخفيض أسعار الغاز الذي تسلمها إياه بمعدل الثلث وهو مستو ى مناسب لجمهوريات الإتحاد السوفياتي في السابق التي تعتبرها شريكتها، ففي 2004 انطلقت الثورة البرتغالية  نتيجة عملية تزوير انتخابي ذكر أن نظام الرئيس "ليونيد كوتشما" كان قد قام بها من أجل أن يوصل مرشحه "فيكتور يانكوفيتش" الموالي لروسيا الاتحادية إلى منصب الرئاسة في أوكرانيا ليعلن فوزه على مرشح المعا رضة "فيكتوريوشنكو" المد عوم من الغرب (نظير، أمين (2014).
وفي بداية عام 2005 تمكن مئات الآلاف من المتظاهرين سلميا في الثورة البرتغالية من تغيير نظام الحكم في أو كرانيا، إلا أن زعيم الثورة البرتغالية "فيكتوريوشكو" الذي تسلم البلاد عقب الثورة وبعد خمس سنوات من الو عود فشل فــي تحقيـق العديد من الوعود و ارتكـاب العد يـد مـن الأخطاء و التي من بينها عجز الحكومة البرتغالية عن مواجهة الفساد وانهيار ثقة الشعب فـي حكومته (نظير، أمين (2014)
    ومن المعر وف بأنّ الثورة البرتغالية اشتعلت حتى لا يتم الوصول لمقعد الرئيس يانكوفيتش المعروف في وسائل الإ علام الغربية على أنّه الابن البار لروسيا، إلاّ إنّ زعيم الثورة البرتغالية قُبل مرة اخرى لأن يكون رئيسا لوزراء البلاد نتيجة قوته وسطوته وهيمنته البرلمانية (السيد، محمد ،2022).
وبناءً على ذلك اندلعت الأزمة السيا سية في أوكرانيا بتاريخ 23 آذار 2007 عقب إعلان 11 نائبا من الكتلتين البرلمانيتين المعارضتين انتقالهم من الموالات للرئيس "يوشنكو" إلى صف "فيكتور يانوكوفيتش" وقد توافق مع الأزمة بين كتلتين متعارضتين في البرلمان هناك رأي يرى بأنّ الأزمة السياسية في البلاد هي نتائج تعارض وتقاطع مصالح رجال الأعمال المؤيدين "ليوليا تيموشكون" مع اتجاه الحكومة نحو الخصخصة وبين الفريق الآخر؛ ومع الانقسام الحاصل بين الكتل البرلمانية في أوكرانيا ما بين مؤيّدٍ لروسيا الاتحادية وما بين مؤيّد للغرب فازت الكتلة المؤيدة للغرب (تسنيم، وآخرون، 2023).
    وفـي بداية 2009  زادت الأزمـة سوءًعندما قامـت روسيا برفـع أسعار المشتقـات النفطية وعلى رأسها الغاز الطبيعي، وأوقفت الإمدادات عن أوكرانيا وهو ما تزامن مع الأزمة المالية العالمية والذي عزز من قوة التأثير الذي مارسته روسيا،  وفي 2010 دخلت أوكرانيا مرحلة جديدة من التحول بدأتها بالانتخابات الرئاسية، والتي لم يحصد فيها "فيكتور يوشنكو" قائد الثورة البرتغالية إلاّ على نسبة (5.4%) من الأصوات للجولة الأولى، بينما تفوقت "يوليا تيموشينكو" على زعيم المعارضة "فيكتور يانوفيتش" بفارق نسبي مقداره (11%) من الأصوات، إلاّ أنّها خسـرت فيما بعد في الجولة الأخيرة والتي فاز فيها "بانوكوفيتش" عام 2010 ومع ذلك الفوز عادت العلاقات الروسية الأوكرانية للتقارب وعادت اللغة الروسية كلغة رسمية في أوكرانيا (الشرقاوي، يسرى، 2009).
    وتمثلـت الأزمة فـي أوكرانيا فـي عام 2013 على شكـل اعتصامات واحتجاجـات علـى اثر رفض يا نوكوفيتش التوقيع على اتفاقية بموجبها يكون فيها تجارة حرة وشراك مع الاتحاد الأوروبي، وفي الظاهر فقد كانت العلاقة ما بين أوكرانيا بزعامة يانوكوفيتش مع الإتحاد الأوروبي هي من أطلق الانتفاضـة والثـورة الأوكرانية الثانية في أقل مـن عشــر سنوات، إلا أنّ هذه العلاقـة لـم تكـن سـوى تجسيـد رمـزيّ للكثيـر مـن الإشكاليات السياسيـة والاقتصـادية التـي عاشتهـا أوكرانيـا (أبو رشيد، أسامة 2012).
    قام الرئيس بوتين بتقديم عرضاً لأوكرانيا بعد أن تمّ رفض العرض المقدم من الاتحاد الأوروبي وهو عبارة عن مساعدات مالية بما قيمته 15 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى تسهيلات على بعض المشتقات النفطية وأسعار الغاز ، وهذا هو تصور بوتين الذي كان يرى فيه أنّه كافياً ليعمل على الحفاظ على أوكرانيا بأن تبقى خارج النفوذ الأوروبي، وما تصوره في المقابل بانوكوفيتش على أنّه كافياً ليتم وضع حداً للتظاهرات الاحتجاجية؛ إلاّ أنّ الاحتجاجات تفاقمت وقد وجد المتظاهرون والمعتصمون فرصة لتحقيق أهداف وغايات الثورة وإلى تحقيق المزيد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية (نافع، بشير(2014). 
    وبعد ذلك تطورت المظاهرات والاعتصامات ودخلت معه حالة الفوضى وتزايد أعداد المحتشدين، وبدأ الموقف تتصاعد وتيرته إلى أن استخدمت الشـرطة الرصاص الحي و سقطت أول ضحية في 21 يناير من العام 2014 ليبدأ فصل جديد من الفوضى حيث توالى سقوط القتلى بشكل عنيف عن طريق الضـرب والقتل المباشر، ثم بدأت الدعاية الروسية تبين للأوكرانيين من ذوي الأصول الروسية وداخل جزيرة القرم وشرق أوكرانيا بأنّ المتطرفين الأوكرانيون سوف يستولون على البلاد، ويقومون بعمل مجازر رهيبة في حق الناطقين بالروسية (نافع، بشير2014).
    واستناداً لما سبق فقد تم اسقاط قانون منع الاعتصامات والتظاهر وأصدر قانون خاص بالإفراج عن "يوليا يموشنكو" التي كانت قد وضعتها إحدى المحاكم الموالية للرئيس في السجن بتهمة قضايا فساد واستغلال المنصب، ثم قام البرلمان بالتصويت بأغلبية كبيرة على عزل الرئيس، إلاّ أنّه قد سبق ذلك العمل على توقيع اتفاق حصل عليه الرئيس الأوكراني "فيكتور يانوكوفيتش" مع زعماء المعا رضة و بوساطة من دول الاتحاد الأوروبي بهدف إنهاء الأزمة السياسية في البلاد، وقد نص هذا الاتفاق على اجراء الانتخابات بشكل مبكر والعمل على تشكيل حكومة تكون انتقالية إضافة إلى القيام  بتعديل الدستور (الخيري، نوار 2017).
الجهود الدولية لحل الأزمة
أولا: اتفاقية مينسك الأولى

     شهدت أوكرانيا العديد من الاشتباكات التي كانت على أشدها بين الأوكرانيين  والانفصاليين والذي دفع بممثلين من كييف وموسكو والانفصاليين الموالين لروسيا بعقد اجتماع منسك وذلك بهدف التوصل إلى خطة سلام لوقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا، وتتضمن اتفاقية منسك التي تم توقيعها في بيلاروسيا بين روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا 13 بندا، ويعتبر أساس هذا الاتفاق هو مبادرة تقدم بها الرئيس "فلاديمير بوتين" تتكون من شقين: أولهما عسكري ويتضمن وقف العمليات الهجومية أما الشق الثاني فهو إنساني ويتضمن تبادل الأسرى وفتح ممرات إنسانية  ، وبعد ذلك تم  توقيع اتفاقية مينسك يوم الجمعة الخامس من سبتمبر 2014 في مينسك عاصمة بيلاروسيا ومن بنودها (محمد، أحمد 2022). 

  1. ضمان وقف فوري  ومراقبة لإطلاق النار والتحقق منه من قبل منظمة الأمن والتعاون في الموجودة في أوروبا.

  2. اعتماد القانون الأوكراني بشأن أمر مؤقت للحكم الذاتي المحلي في مناطق معينة من دونيستيك ولوهاسك أبلاست  ومراقبة الحدود الأوكرانية الروسية. 

  3. قانون يمنع محاكمة ومعاقبة الأشخاص فيما يتعلق بالأحداث التي وقعت في بعض مناطق ولايات دونستيك ولوهانسك والافراج الفوري عن جميع الرهائن والأشخاص المحتجزين بشكل غير قانوني.

  4. مواصلة الحوار الوطني الشامل اتخاذ تدابير لتحسين الوضع الإنساني في دونباس وضمان اجراء انتخابات محلية مبكرة وفقا للقانون الأوكراني.

ثانيا: اتفا قية مينسك الثا نية
بعد أن تفجّرت الأوضاع في منطقة دونستيك التي قادت إلى فشل اتفا قية مينسك الأولى، كان لا بدّ من عقد اتفاق جديد يضمن عوة التصالح والسلام إلى أوكرانيا، وقد تمّ المصادقة على اتفاقية جديدة تسمى باتفاقية مينسك الثانية، وذلك في 12 فبراير من العام 2015، وقد بدأ العمل فيها بتفس السنة، وتمّ توقيعها في دولة بيلاروسيا ما بين كل من أوكرانيا وروسيا وكانت ألمانيا وفرنسا شاهدتين على هذه الاتفاقية، وتضمّنت على عددٍ من البنود تمثلت في وقف إطلاق النار بشكل كامل وفوري في بعض المناطق بـ أوبلست ولوهانك ودونستك بأوكرانيا، وتنفيذها بشكل حاسم ودون نقض، ومن هذه البنود، ما يلي (Aljazeera ,2022 ) : 

  1. العمل على سحب كل الأسلحة الثقيلة والعمل على وقف اطلاق النار من الجانبين على بعد مسافة متوازية ومتساوية لغايات إنشاء منطقة أمنية على بعد 50 كيلومتر.

  2. القيام بمنح العفو من خلال العمل على سن قانون يحظر معاتبة أو اضطهاد الأشخاص فيما يتعلق بالأحداث التي جرت بمناطق محددة من ولايات لوهانك ودنستك في أوكرانيا.

  3. العمل على الافراج عن كل الأشخاص الرهائن المحتجزين بطريقة غير قانونية وتبادلهم وفقاً لمبدأ الكل للجميع.

  4. العمل على توصيل المساعدات الإنسانية بشكل آمن وسليم وتوزيع هذه المساعدات على المحتاجين وفقاً على آليات دولية واضحة.

المحور الثاني: تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على الإنتاج العالمي للمحاصيل الغذائية
أزمة الغذاء العالمي
    إنّ طبيعة الحرب الروسية في أوكرانيا – هي حرب بين قوتين للإنتاج الزراعي في سياق الأسواق الزراعية المعولمة – وهي ذات عواقب لم يسبق لها مثيل على قطاع الزراعة العالمية والأمن الغذائي؛ بعد سبعة أسابيع من الحرب كانت ملامح هذه العواقب واضحة حيث توقفت الصادرات من أوكرانيا وارتفعت الأسعار العالمية للسلع الزراعية.
أسباب ومنطلقات أزمة الغذاء
    في الماضي عانت الأسواق الزراعية العالمية من صدمات في جانب العرض وارتفاعات في الأسعار، وحصل في عامي 2007 و 2008 حالات من الجفاف المتزامنة في العديد من البلدان المصدرة للأغذية، وكان هناك حظراً على تصدير الأغذية من قبل العديد من الدول الأخرى بالإضافة إلى الارتفاع أسعار الطاقة والتي هي سبباً في مضاعفة أسعار الأغذية في الفترة الممتدة من 2002 - 2008 ، وقد وصل نقص التغذية العالمي إلى أعلى مستوى له في 15 عامًا في عام 2020 بسبب استمرار آثار تغير المناخ والصراع الإقليمي  بالإضافة إلى الصدمات الاقتصادية وسلسلة التوريد لــــ Covid-19. 
   وسجّل مؤشر الفاو لأسعار الغذاء خلال شهر مارس من العام 2022 قفزة هائلة إلى أعلى مستوى جديد بزيادة (12.6%) منذ فبراير 2022 بزيادة أكثر من (17%) منذ فبراير، ومؤشر أسعار الزيوت النباتية (أكثر من 23 في المائة منذ فبراير ومؤشر أسعار اللحوم ارتفاع ما يقرب من 5 في المائة منذ فبراير وفي أوائل مارس ارتفعت العقود الآجلة للقمح في شيكاغو بنسبة (40%) في أسبوع واحد، ووصلت إلى مستويات عالية منذ عام   2008 (منظمة الأغذية والزراعة، 2022).
تأثير الحرب على الإنتاج والصادرات الروسية الأوكرانية
   أثرت الحرب الروسية الأوكرانية بشكل كبير على طاقة الإنتاج والتصدير لأوكرانيا وأثارت مخاوف بشأن ما إذا كان سيتم حصاد المحاصيل، وفي 2022 كانت آفاق الإنتاج للمحاصيل الشتوية 2022/23 مواتية ولكنها بقيت خاضعة لعدم اليقين؛ ومن المتوقع أن تكون المناطق التي تزرع فيها محاصيل الربيع الرئيسية (مثل بذور عباد الشمس والذرة والشعير الربيعي) أقل بنسبة 20٪ عن العام الماضي، بسبب الأضرار المباشرة التي لحقت بالمحاصيل الشتوية بسبب القتال النشط وبقايا الحرب التي تمنع زراعة محاصيل الربيع وارتفاع تكاليف المدخلات (وزارة الزراعة الأمريكية. 2022).
   ونظرًا لتصدير أكثر من نصف إنتاج المحاصيل في أوكرانيا  لعبت الخدمات اللوجستية دورًا جوهرياً في سلسلة توريد الصادرات، وتم توجيه أكثر من 90٪ من صادرات المحاصيل الأوكرانية عبر الموانئ في آزوف والبحر الأسود، وبسبب الحرب المستمرة تعذر الوصول إلى هذه الموانئ وأنها لا تملك قنوات تصدير أخرى مثل الطرق والسكك الحديدية والموانئ النهرية بالإضافة إلى القدرة على التعامل مع نفس الكميات مثل الموانئ البحرية، لذلك تشير تقديرات الصناعة إلى أنّ الصادرات الحالية لا تمثل سوى حوالي 20٪ من كميات الصادرات العادية وتُبذل جهود وطنية وعالمية لزيادة قدرات قنوات التصدير البديلة oecd,2022)).
التأثير على التجارة الزراعية الروسية
    في روسيا لا يتوقع حدوث اضطراب كبير في الإنتاج الزراعي وهناك شكوك حول القدرة على التصدير بالرغم من أنّ العقوبات الدولية تستثني كلاً من الأغذية والأسمدة، وتأثرت التجارة الزراعية سابقاً عندما ضمت روسيا عام 2014 شبه جزيرة القرم وشكلت العواقب الاقتصادية لاستجابات السياسات الأسواق الزراعية العالمية منذ ذلك الحين، حيث  توقفت الواردات الروسية من اللحوم ومنتجات الألبان وكذلك الفواكه والخضـروات من الاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية وعدة دول أخرى تعارض عدوان عام 2014 نتيجة حظر الاستيراد (منظمة الأغذية والزراعة،2022).  
    ويؤثر الغزو الروسي لأوكرانيا بشكل كبير على التجارة الزراعية الروسية وقامت بفرض قيودًا على تصدير القمح قبل بدء الحرب وتأثر محصول 2021 بالظروف الجوية السيئة، و أدت الحرب إلى تقليل الوصول إلى الموانئ خصوصاً في بحر آزوف، وزيادة قيود التصدير على المنتجات الزراعية الرئيسية، بما في ذلك الحبوب والسكر وبعض الأسمدة النيتروجينية، ومع ذلك استمرت بعض تدفقات الصادرات من روسيا، حيث  بلغت الفجوة في أسعار التصدير بين القمح الروسي والأمريكي والقمح الروسي والاتحاد الأوروبي ذروتها عند -30٪ و -12٪ على التوالي، وذلك في منتصف مايو 2022  لكنها استؤنفت منذ ذلك الحين إلى المستوى الطبيعي (oecd. 2022) كما يمكن للعقوبات الاقتصادية التي فرضت على روسيا أن تعطل الواردات من المدخلات الزراعية التي تعتمد عليها بشكل كبير وخاصة مبيدات الآفات والبذور والأدوية البيطرية والتكنولوجيا الزراعية (مثل الآلات والبرمجيات) وقد يؤثر انخفاض الوصول إلى هذه المدخلات على إمكانات الإنتاج المستقبلية للزراعة الروسية (UNCTAD,2022). 
تأثير الحرب على سوق الحبوب العالمية
فيما يتعلق بالحبوب فإن مساهمة روسيا وأوكرانيا في الإمداد العالمي كبيرة بشكل خاص للشعير والقمح والذرة بين عامي 2016/2017 و 2020/21 استحوذت الدولتان على 19٪ و 14٪ و 4٪ من الإنتاج العالمي لهذه المحاصيل على التوالي، في عام 2021  كانت روسيا وأوكرانيا من بين أكبر ثلاث دول مصدرة للقمح والذرة العالمية، وبسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن آفاق الصادرات الروسية في المستقبل، وتعتبر التوقعات المبكرة لإنتاج المحاصيل الشتوية 2022/23 مواتية في كلا البلدين ومع ذلك قد تضـر الحرب بالعمليات الزراعية في أوكرانيا وتمنع المزارعين من العناية بحقولهم  وحصاد وبيع منتجاتهم .(FAO. 2022)

     ويحتـل القمح مكانة جوهرية وهامــة فـي المجتمعات الإنسانية فهـو أساسـي لأكثر من 35٪ من سكان العالم ويوفر 20٪ من السعرات الحرارية اليومية للبروتين والغذاء في شمال إفريقيا وغرب آسيا ويوفر القمح حوالي 40-43٪ من السعرات الحرارية والبروتينات اليومية وتزيد الحرب الحالية من انخفاض حاد في صادرات القمح من روسيا وأوكرانيا، ومنطلق القلق الكبير يتعلق بالحملة القادمة التي تبدأ في يوليو 2022. إذا لم يتم إعادة الشحن بسـرعة فلن تكون الصوامع متاحة لجني المحاصيل الصيفية وسيكون الموقف الأكثر دراماتيكية هو عندما يؤدي استمرار الحرب إلى إعاقة الحصاد الأوكراني المقبل، فلن تسد الأسهم العالمية مثل هذه الاضطرابات في العرض لفترة طويلة (FAOSTAT ,2022) .
   وفي أبريل  انخفض مؤشر FFPI بمقدار 1.2 نقطة (0.8٪) من أعلى مستوى له على الإطلاق في مارس 2022 ولكنه لا يزال أعلى بنسبة 29.8٪ من قيمته في أبريل 2021. بينما انخفضت أسعار الحبوب إلى حد ما، وأخذت أسعار الزيوت النباتية الضـربة الأكبر في مؤشر أسعار الغذاء والأعلاف لشهر أبريل (نيسان). وقد شهدت منتجات السكر واللحوم والألبان ارتفاعات متواضعة في مؤشرات التسعير الفرعية.( FAO ,2022)  
آثار الحرب على سوق الزيوت النباتية العالمية
يمثل زيت النخيل (58٪) وزيت فول الصويا (14٪) وزيت عباد الشمس (13٪) وزيت بذور اللفت (الكانولا) (7٪) معًا 92٪ من الزيوت النباتية المباعة في الأسواق العالمية في المتوسط بين عامي 2019 و 2021  وبسبب عدة عوامل  مثل ضيق العرض العالمي المطول والطلب القوي، تقلصت إمدادات الزيوت النباتية العالمية خلال العامين الماضيين وبالتالي استمرت الأسعار في الارتفاع بشكل مطرد، وفي عام 2021  ارتفعت أسعار زيت بذور اللفت وزيت عباد الشمس بنسبة 65٪ و 63٪ على التوالي  بالإضافة إلى ذلك أدى الجفاف في أمريكا الجنوبية إلى انخفاض غلة فول الصويا لا سيما في البرازيل المنتج الرئيـسي، كما انخفض إنتاج زيت النخيل في ماليزيا في ديسمبر 2021 بسبب إعصار راي ونقص حاد في العمالة وتحديات أخرى تفاقمت بسبب الحروب (Glauber, J.; Laborde, D.; Mamun, A 2022).
تأثير الحرب على سوق الأسمدة العالمية
   على الرغم من الجهود المبذولة لتقليل خسائر المغذيات في البيئة لا تزال الأسمدة جزءًا مهمًا من الإنتاجية الزراعية بشكل عام ويجب على المزارعين استخدام ثلاثة أنواع رئيسية من الأسمدة المعدنية لضمان نمو المحاصيل: النيتروجين (N) والفوسفات (P) والبوتاس (K) ويتم تسويق جميع هذه الأسمدة المعدنية الثلاثة على نطاق عالمي ويتركز إمداداتها جغرافيًا ويتحكم فيها عدد صغير من عمال المناجم ومجموعة من الأعمال الكيميائية (Rabobank ,2022)  .
    وتعتبر روسيا وبيلاروسيا دولتين مهمتين في مجال تعدين وإنتاج البوتاسوروسيا مورد كبير للنيتروجين، ففي عام 2020 كانت أكبر مُصدر للأسمدة في العالم حيث قُدرت صادراتها بنحو 7.6 مليار دولار تُصدّر حوالي سدس الإمدادات العالمية من أسمدة البوتاس كما هو الحال مع أكثر من عُشـر صادرات الأسمدة النيتروجينية وحوالي سدس صادرات الأسمدة المختلطة (التي تحتوي على اثنين أو أكثر من النيتروجين والبوتاسيوم والفوسفات وتعد كل من روسيا وبيلاروسيا جزءًا من سوق البوتاس الذي يمثل ثلث الصادرات العالمية) (EXPORTS. 2022) وقبل الحرب كان سوق الأسمدة العالمي تحت ضغط شديد وأدى ارتفاع تكاليف الطاقة، وتقليص المعروض، والسياسات التجارية إلى ارتفاع أسعار الأسمدة بنسبة 80٪ خلال عام 2021 ، لتصل إلى مستويات غير مسبوقة منذ الأزمة المالية العالمية 2008- 2009   Baffes,) J.; Chian Koh, W,2022 ).
المحور الثالث: الآثار الاقتصادية  لأزمة الغذاء العالمي
    صعدَّت الدول في العالم لهجتها التحذيرية من مجاعة عالمية بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية، وذلك من خلال "قطع الإمدادات عن موانئ أوكرانيا"؛ علمًا أنّ روسيا كانت قبل الحرب، تصدّر كميات ضخمة من الحبوب والقمح والذرة والزيوت النباتية لكن بعد الحرب انهارت الصادرات الأوكرانية، ما أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار ويقدّر الإنتاج الروسي والأكراني بـ 30% من إمدادات القمح العالمي إذ كانت أوكرانيا قبل الحرب تصدّر شهريًا نحو 4.5 مليون طن منتجات زراعية ويهدد الصـراع الروسي الأوكراني عشـرات الملايين بانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية والمجاعة (Hans ,Midttun 2022) .
الاعتماد على الواردات الروسية
    قامت روسيا برفض كل الاتهامات التي وجهت لها وحملت الغرب مسؤولية الوضع الغذائي بسبب العقوبات التي فرضت على موسكو، وأيضاً الألغام التي تم زرعها من قبل النظام السياسي الأوكراني، وأنّها هي التي تمنع تصدير الحبوب من أوكرانيا غير أن ناقلات الحبوب الروسية وشركات التأمين التي تؤّمن على السفن الروسية تقع ضمن إطار الحظر الذي يفرضه الغرب على روسيا  (عمارة، 2022). 
    وضع البنك وصندوق النقد الدوليين شروطاً لتقديم القروض للدول النامية وهي بأن يتم تغيّر أنماط الانتاج الزراعي بهدف خدمة التوجه التجاري عن طريق برامج التصحيح الهيكلي  وبالتالي يتم إجبار الدول النامية على التحول من إنتاج غذائها الرئيسـي الضـروري لتوفير أمنها الغذائي الحقيقي، إلى إنتاج المحاصيل الكمالية لتلبية متطلبات الدول الغربية، كما وتعمل المؤسستان على إرغام نفس الدول بأن يتم إلغاء الدعم الحكومي للاحتياجات الغذائية الأساسية وإبطال دعم الأسعار للمزارعين، وتسهيل قوانين الأراضي، لإتاحة المجال أمام الشـركات الكبيرة بأن تستثمر في الزراعة وبالتالي ترك المزارعين غير الفعالين تحت ضغط قوى السوق بل والعمل على  استبدالهم بالشركات الصناعية علمًا بأنّ الزراعة تشكّل مصدر عيش 70% من فقراء العالم (كرزم، جورج، 2010). 
   إنّ الحرب الروسية على أوكرانيا شُنت ضد دولة واحدة لكن تبعاتها أضرت بالكثير من البلدان خصوصاً بلدان العالم الثالث، ومع عدم وجود نهاية واضحة يمكن للخسائر الاقتصادية لهذه الحرب أنّ تكون مدمرة في بعض أجزاء العالم بحلول منتصف ونهاية عام 2022، وإنّ الصدمة الاقتصادية من الحرب الروسية على أوكرانيا ستنتشـر على نطاق أوسع وأعمق مع تذبذب الاقتصاد الأوكراني والعقوبات التي تخنق الصادرات الروسية والبيلاروسية، وقد ينخفض إنتاج أوكرانيا بنسبة 45% هذا العام، وفقا للبنك الدولي حيث تعاني أوروبا الشرقية من ركود بنسبة 4.1%، ومن المحتمل أن تتجه أوروبا الغربية إلى الركود أيضا وتوقفت روسيا عن نشـر بعض البيانات الاقتصادية، لكنها تواجه أيضا ركودا عميقا لكن النمو يتباطأ والمستهلكون متشائمون ومن الواضح أنّ البلدان الأفقر في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا قد تعاني أكثر من أوروبا أو الولايات المتحدة (المنشاوي، محمد ،2022).   
   وإنّ توافر الغذاء سيكون مصدر القلق الأكبر في عام 2023 وإنّ أهمية زيادة الإنتاج وفتح موانئ أوكرانيا وإفراغ صوامعها ستكون أيضاً طريقاً لتحقيق الاستقرار داخل الأسواق ومعالجة أزمة الغذاء العالمية، وإنّ الحرب في أوكرانيا الآن تضيف بعدًا جديدًا ومخيفاً إلى حالة الجوع العالمية الحالية، حيث أدت إلى انخفاض هائل في صادرات المواد الغذائية، وزيادة أسعارها الأساسية بنسبة تصل إلى 30%، مما يهدد الناس في بلدان أفريقيا والشـرق الأوسط (كريستالينا، غورغييفا، سيباستيان، 2022).
وجهت الحرب ضربة كبيرة لأسواق السلع  وخاصة الغذاء والطاقة مما أثر على الأنماط العالمية للتجارة والإنتاج والاستهلاك (BBC, 2022) بطرق من شأنها أن تحافظ على الأسعار عند مستويات عالية تاريخيًا حتى نهاية عام 2024 ، مما يهدد الأمن الغذائي العالمي  (OECD  2022). وفي الواقع بعد أربعة أشهر من الحرب كانت العواقب واضحة توقفت الصادرات الأوكرانية وأصبحت المحاصيل المستقبلية موضع شك وارتفعت أسعار السلع الزراعية العالمية بشكل كبير  مما يهدد بدفع الملايين إلى الجوع والفقر .(Rice, Hernández ,2022) 
الآثار الفورية للحرب على الأمن الغذائي
   إن للحرب الروسية الأوكرانية العديد من العواقب المباشرة والفورية على الأمن الغذائي مما يزعج الحصاد والشحن ويؤثر بشدة على الإمدادات الرئيسية والتسعير ومنها ما يلي:  (UNEP, WFP ,2022 : ESCWA, FAO,). 
أولاً: قد يكون للأعمال العسكرية عواقب قصيرة وطويلة المدى على قدرة أوكرانيا على نقل المنتجات الزراعية داخل حدودها وخارجها خاصةً إذا تم تدمير مرافق الموانئ والسكك الحديدية في الواقع ، وأثرت الحرب على الفور على شحنات الحبوب من أوكرانيا  خاصة الذرة عادةً في الربيع وأوائل الصيف في الواقع  يتم إرسال 95 ٪ من صادرات الحبوب الأوكرانية عن طريق البحر عبر موانئ أوديسا وماريوبول وخيرسون والتي تعرضت لأضرار كبيرة. بالإضافة إلى ذلك تم إغلاق جميع موانئ البحر الأسود مما أدى إلى إغلاق معظم الصادرات الأوكرانية.
ثانيًا: منعت الحرب المزارعين من العمل في حقولهم وأدى التجنيد وتهجير السكان إلى نقص في اليد العاملة، ومن المتوقع أيضًا أن تؤثر الاضطرابات في الخدمات العامة الأساسية بشكل سلبي على الأنشطة الزراعية، ويتفاقم هذا الوضع بسبب انخفاض فرص الحصول على المدخلات الزراعية الأساسية وتوافرها  مثل الأسمدة وعليه، فإن الحرب قد تعطل حملة الزراعة الربيعية الجارية وحصاد المحاصيل الشتوية. 
ثالثًا: هناك قدر كبير من عدم اليقين بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا بشأن آفاق الصادرات الروسية في المستقبل لا تزال موانئ البحر الأسود الروسية مفتوحة في الوقت الحالي  ولا يُتوقع حدوث انقطاع كبير في الإنتاج الزراعي في المستقبل القريب، ومع ذلك فقد أدت العقوبات المالية المفروضة على روسيا إلى انخفاض كبير في قيمة العملة ، والذي  إذا استمر  قد يعيق الإنتاجية والتنمية مع زيادة تكاليف الإنتاج الزراعي في نهاية المطاف علاوة على ذلك، في أبريل 2022 تعهدت روسيا بالحد من الصادرات الزراعية والغذائية للدول "الصديقة" فقط ردًا على العقوبات الغربية ويؤدي التقييد إلى تفاقم النقص في الإمدادات الغذائية العالمية من المحتمل أن تؤدي الحرب المستمرة والعقوبات إلى رفع الأسعار وإضعاف الأمن الغذائي لمئات الملايين من البشرية.
الآثار غير المباشرة للحرب على الأمن الغذائي
كما أن للحرب بعض العواقب غير المباشرة والمتتالية زمنها ما يلي (Glauber, J.; Laborde 2022).
• وصلت أسعار المدخلات الرئيسية  مثل الأسمدة إلى مستويات  تقترب من الارتفاع  وبالتالي فإنّ العديد من المزارعين في جميع أنحاء العالم كما هو الحال في الولايات المتحدة يستبدلون المحاصيل عالية التكلفة التي تتطلب الأسمدة مثل القمح والذرة  بمحاصيل تتطلب القليل من الأسمدة مثل فول الصويا نظرًا لاستخدام فول الصويا بشكل أساسي في علف الحيوانات والوقود الحيوي  فقد يؤدي ذلك إلى تفاقم النقص الحالي في الإمدادات ورفع أسعار الخبز والحبوب والمواد الغذائية الهامة الأخرى وبالمثل قد يكون لنقص الأسمدة وارتفاع التكاليف آثار سلبية لا سيما في البلدان النامية حيث قد تؤدي انعكاسات الأسعار إلى الحد بشدة من الاستخدام وتؤدي إلى انخفاض الغلة أثناء انخفاض العرض العالمي وتسجيل الأسعار العالمية.  
• الشـراء بدافع الذعر على مستوى الدولة والأفراد هو تأثير متتالي آخر للحرب ويعتبر التخزين والشـراء بدافع الذعر من المكونات المهمة لسلوك المستهلك المرتبط بالأزمات والكوارث التي جذبت اهتمامًا كبيرًا من وسائل الإعلام  ويصبح الطعام أكثر أهمية في حياة الناس أثناء الأزمة والشـراء بدافع الذعر هو رد فعل بشـري طبيعي لسيناريو مرهق وفي مارس 2022 شهدت العديد من الدول الأوروبية ارتفاعًا في عمليات الشـراء بدافع الذعر بسبب الحرب (The Economic Times ,2022).
• ومن خلال إبطاء الانتعاش الاقتصادي بعد COVID-19 قد تؤثر الحرب على القوة الشرائية على مستوى الدولة والأفراد مما يؤثر على الوصول الاقتصادي إلى الغذاء، في الواقع اندلعت الحرب في أوكرانيا في أسوأ وقت ممكن للاقتصاد العالمي الذي كان لا يزال يعاني من آثار جائحة COVID-19 وفاقمت الحرب الظروف الاقتصادية والاجتماعية العالمية الأليمة  (Radouai, N, 2022). 
اضطرابات في عمليات الزراعة والحصاد والنقل
    تحمل سلسلة القيمة الزراعية تعقيدا ت أكبر بالمقارنة مع سلا سل التوريد الأخرى نظرًا لو جود محددات زمنية لإعداد الحقول والزراعة والحصاد، ويتم الأخذ بهذه الأطر بعين الاعتبار عند اجراء التحليلات الهادفة إلى فهم تداعيات الصـر اع على قطاع الزراعة، وفي حال استمر الصـراع ما بعد الصيف، يمكننا توقع ظهور مشاكل في حصاد المحا صيل حتى وإن تمكن المزارعون من زراعتها في الوقت الحا لي، ولا تقتصـر تداعيات النزاع على عمليات الزراعة والحصاد فالمنطقة تنتج أحجامًا كبيرة من السلع الزراعية تصل إلى 105 أطنان، والتي عادة ما تُنقل على ظهر السفن عبر موانئ على البحر الأسود وقد تعرّض عدد من هذه الموانئ للضـرر أو لم يعد قادرًا على العمل لذا يمكننا توقع حدوث اضطرابات في العمليات اللوجستية التي لا يمكن تعويضها عن طريق البدائل الأخرى مثل القطارات أو الطرق البرية (JOHN BAFFES, PETER NAGLE (2022)).
    تأثــرت بصـورة كبيـرة كـل مــن تركيـا ومصــر وإريتريا والصومـال ومدغشقــر وتنزانيا والكونغو وناميبيا، ودول أخرى تعتمد على أوكرانيا وروسيا في إنتاج القمح، وأنّ هذه الدول تحتاج إلى تحديد موردين جدد، مما قد يشكل تحديا كبيراً  في قادم الأيام بالإضافة إلى ذلك تعتمد البرازيل والأرجنتين وبنغلاديش ودول أخرى على الأسمدة الروسيـة بمستويات تتراوح من 20 إلى أكثر من 70 في المائة، بينما تمثل أفريقيا ثلاثة إلى أربعة في المائة فقط من الاستهلاك العالمي لهذه للأسمدة، وتعد الكاميرون وغانا وساحل العاج من بين أكثر البلدان ضعفا، حيث تعتمد بشكل كبير على الإمدادات الروسية.(united nations. 2022)   
    وأصبح الأمن الغذائي العالمي مهددًا  بفقدان الأراضي الصالحة للزراعة بسبب عوامل التعرية، والتلوث، وتغير المناخ وزيادة نقص المياه على مدى العقود القليلة الماضية، وتم تعويض هذه القضايا بشكل جزئي من خلال زيادة الكفاءة في إنتاج الغذاء والعولمة مما سمح للبلدان ببيع المنتجات الغذائية الزائدة في سوق تنافسية. لكن الحرب في أوكرانيا أدت إلى تفاقم هذه المشاكل، فإضافة إلى خنق قدرة أوكرانيا على التصدير، خفضت روسيا بشكل كبير صادراتها الغذائية والزراعية إلى البلدان غير الصديقة في أعقاب العقوبات التي فُرضت عليها، وقطعت إمدادات معظم المنتجات الغذائية التي تصدرها إلى العالم الغربي وكذلك إلى اليابان وكوريا الجنوبية .(John , Ruehl ,2022).  
    وبنفس الصدد كان هناك قفزة كبيرة في أسعار القمح التي ارتفعت بأكثر من 40 في المائة في أعقاب إعلان الهند أنها ستحظر صادراتها منه في أعقاب موجة الحر التي دمرت المحاصيل في البلاد، حيث تعتبر ثاني أكبر منتج للقمح في العالم  بالإضافة إلى أنّ قرار الهند أضاف ضربة أخرى إلى انعدام الأمن المحيط بأسواق الغذاء العالمية، وهناك العديد من آثار أكثر خطورة يمكن الشعور بها في سريلانكا في العام 2021، أصدر رئيس البلاد، غوتابايا راجاباكسا، حظراً على استيراد الأسمدة الاصطناعية والمبيدات الحشـرية ومبيدات الأعشاب من أجل تحويل القطاع الزراعي في البلاد إلى قطاع عضوي بالكامل بحلول سنة 2030 ، وفي وسط مزاعم بأن هذا الحظر كان مجرد محاولة لتقليل من الواردات والحفاظ على احتياطيات سريلانكا من العملات الأجنبية، أهلكت هذه الخطوة في نهاية المطاف إنتاج الغذاء المحلي مع ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة نتيجة للحرب في أوكرانيا، تخلفت سريلانكا عن سداد ديونها لأول مرة في التاريخ في أيار (مايو) وهناك دول أخرى غير مستقرة اقتصاديًا أصبحت تحت خطر مواجهة مصير مشابهه حيث تشهد سريلانكا أيضًا احتجاجات عنيفة (العربي الجديد، 2022).  
المحور الثالث: الاثار الاجتماعية للأزمة الغذائية العالمية
العالم الثالث المجاعة أو الفقر الغذائي
   حــرب روسيا واوكرانيا بينت مـدى الاضطهاد الاجتمـاعـي والقهـر الطبقـي وانعــدام المساواة على مستوى العالم وكشفت تداعيات "الأمن الغذائي" التي دأبت الأنظمة الإمبريالية ومؤسساتها واحتكاراتها على مستوى العالم تسويقها للمجتمعات الفقيرة في  دول العالم النامي، بعد أن جُمّلت بمساحيق فكرية- تنموية من قبيل "التنمية المستدامة" التي تحت مظلتها يُغلّف التفنن في أشكال نهب الموارد المالية والأرباح والفوائض (من الجنوب) وفي المحصلة، تخلّت دول "الجنوب" (وبطبيعة الحال العربية أيضًا) عن أسواقها القومية، وفتحتها تمامًا للرأسمال الغربي المتمثل بشركاته العملاقة ليرتع فيها كما يشاء، ويدمر بنيتها الإنتاجية والبيئية، تحت عنوان "السوق العالمية الموحدة" التي تشكّل المجال الطبيعي والحيوي لحركة الرأسمال الغربي الذي يُعد الحاكم بأمره في هذه السوق .(DOUGLAS ,MACGREGOR ,2022). 
    وكانت النتيجة واضحة المعالم على البنى الاقتصادية الإنتاجية التقليدية التي كانت قائمة قبل الوجود الاستعماري المباشر في هذه البلدان، والتي اعتمدت على الموارد والسوق المحلية كالزراعة بالدرجة الأولى وبالتالي حطّم الغرب أسس اعتماد غالبية دول "العالم الثالث" على ذاتها اقتصاديًا، وضمنَ بالتالي تبعيتها الاستهلاكية والغذائية له، وبالنتيجة جرّدها حتى من وهم "أمنها الغذائي" ودمر بيئتها الغنية وقذف بها إلى مستنقع المجاعة، وتعمّق الفقر والمجاعة في بلدان الجنوب خصوصاً بل وأيضًا في الدول الصناعية الغربية ذاتها، حيث حددت البنية الطبقية الرأسمالية من يحصل على الطعام ومن لا يحصل عليه؛ فطغت طغياناً صارخًا الانقسامات الطبقية على المستوى الكوني، حيث يتمتع الأغنياء بثرواتهم الخيالية المتضخمة، بينما مئات ملايين العمال في سوق البطالة، لا يملكون المال لإطعام أسرهم، أزمة الجوع إبان عام 2020 غير مسبوقة، حيث قدّر الخبراء عدد الوفيات العالمية بسبب الجوع، حتى نهاية تلك السنة، بأكثر من 132 مليون شخص، بمقدار ثلاثة أضعاف الزيادة السنوية منذ بداية القرن الحادي والعشرين (وكالة بلومبرج) (جورج، كرزم ,2022).     
    والملفـت فـي الموضـوع  أنّ الجـوع يهلـك ويبيـد النـاس فــي الوقــت الذي تــزداد بـه الفوائض الغذائية في العالم بنسب كبيرة؛ تلك الفوائض التي يفترض أن توزع على الجوعـى وفقاً لمفهـوم "الأمن الغذائي"، ، وبالتالـي يتـم القضاء علـى ظاهـرة الجـوع  وبالرغم من تأكيد منظمة "الفاو" أن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعًا كبيرًا في الإنتاج العالمي لمحاصيل الحبوب الاستراتيجية، إلا أن المعروض العالمي من الحبوب قد انخفض وارتفعت الأسعار بعشرات في المائة، مما يشير هذا إلى أن أزمات القمح العالمية الدورية ليست سوى أزمات مفتعلة يكمن سببها الأساسي في التنافس على سوق القمح العالمي بين أميركا (أكبر مصدر عالمي للقمح) وأوروبا، وبالتالي التلاعب بفائض القمح المعروض عالميًا والتحكم بغذاء "العالم الثالث" (albankaldawli,2022).   
المخاطر المتنامية لأزمة الغذاء العالمية
    من المؤكد أنّ الوصول إلى الغذاء يعد مطلباً ملحًّا ورئيسياً بالنسبة لملايين الأوكرانيين الواقعين في خضم هذا الغزو المؤسف، فإنّها الأولوية الحيوية والحرجة وتهدد الحرب في أوكرانيا بإحداث اضطراب في نظام الأغذية العالمي تتجاوز تداعياته حدود منطقة النزاع وينصب الاهتمام بشكل رئيسي على النزاع القائم في أوكرانيا، بما يشمل أزمة الغذاء، ويمكن النظر إلى سلسلة توريد الأغذية العالمية الكبيرة في زعزعة الركائز الرئيسية لنظام الأغذية العالمي، والذي يشهد حالة من التزعزع حتى قبل بدء الحرب،  وتم الاعتماد على اليات العرض والطلب في نظام الأغذية العالمي سابقًا على عوامل المناخ وغيرها من الأحداث المرتبطة بالطلب، وأثبت هذا النظام مدى مقاومته للتحديات التي تواجه العالم، إلا أننا نعيش حاليًا في وضع غير مسبوق، حيث نشهد خلاله حربًا واسعة النطاق في منطقة البحر الأسود، التي تعتبر مركزًا رئيسيًا للإمدادات الغذائية، وبخاصة القمح والأسمدة (vpress.un.org ,2022).
مخاطر محدقة بإمدادات الغذاء العالمية
    تقود حالة عدم الاستقرار هذه إلى تقلبات متزايدة في سلسلة توريد الأغذية العالمية ورغم أنه ما يزال من الصعب توقع التداعيات الكاملة للصراع، إلا أنّ هذه الأزمة ستسبب في تأثيرات ثانوية واضحة على مناطق السلال الغذائية الأخرى مثل البرازيل، كما تلعب روسيا وبيلاروسيا دورًا محوريًا في عمليات تصدير الأسمدة والتي تُعد المادة الأهم بالنسبة للمحاصيل في مختلف أنحاء العالم (Sandeep, Jagtap,  others ,2022) وفي الواقع تزامنت الحرب مع التحديات المستمرة الناتجة عن تواصل ارتفاع أسعار السلع الزراعية والأسمدة منذ أواخر عام 2020. فعلى سبيل المثال، تجاوزت أسعار الذرة منذ مطلع عام 2021، أي منذ أكثر من عام حاجز الـــ 5 دولار أمريكي للبوشل الواحد (أداة تستعمل لقياس السلع الأساسية الجافة وغالبًا في الزراعة ( الغد، نت، 2022) .
   إنّ حالة عدم الاستقرار الناتجة عن النزاع الروسي الأوكراني وتقود إلى تقلبات متزايدة في سلسلة توريد الأغذية العالمية ورغم صعوبة توقع التداعيات الكاملة للنزاع إلا أنّ هذه الأزمة ستتسبب في حدوث تأثيرات ثانوية واضحة على مناطق السلال الغذائية الأخر  ثمة ست مناطق سلال غذائية في العالم توفر مجتمعة ما يقارب 60 إلى 70% من السلع الزراعية العالمية، وتقدم منطقة روسيا وأوكرانيا حوالي 30% من صادرات القمح العالمية و64% من صادرات محصول دوّار الشمس، وتوازيًا مع تنامي حالة الارتباط والتكامل بين الأسواق من الطبيعي أن يؤثر أي اضطراب طفيف في العرض على الأسعار (دانييل، امينيتزا، نيكولاس، 2022). 
النتائج المحتملة
    يفرض سيناريو الاضطرابات المحدودة استمرار تأثيرات الوضع الحالي حتى عام 2024، ويعني على أرض الواقع إمكانية تفويت جزء من موسم الزراعة واستئنافه خلال الموسم التالي، بالإضافة إلى فرض عقوبات محدودة على السلع الزراعية والأسمدة على أقل تقدير وإمكانية الاستخدام المفتوح نسبيًا للسلع الزراعية بفعل استمرار تصدير هذه السلع وعدم قيام الدول بإغلاق حدودها، يفترض هذا السيناريو تفويت العديد من المراحل الهامة من عملية الزراعة، مثل مواسم الزراعة والحصاد، بالإضافة إلى احتمالية تفاقم حركة اللجوء التي تؤدي إلى انخفاض توافر القوى العاملة في الأماكن اللازمة للإنتاج الزراعي. ويمكن أن نشهد زيادة حدة العقوبات لتشمل في مرحلة ما السلع التجارية، فضلًا عن اتخاذ بعض الحكومات القرار بإيقاف تصدير عدد من هذه السلع إلى الدول التي تحتاجها وقد يؤدي هذا السيناريو إلى تراجع حاد في تجارة الأغذية العالمية، الأمر الذي سيدفع بعض الدول إلى زيادة اعتمادها على مخزونها الخاص في ظل الإمدادات العالمية الشحيحة mckinsey.com ,2022)).
الحلول المحتملة لمعالجة هذه الأزمة
    يمكن محاولة  تفادي الأخطاء التي ارتُكبت منذ سنوات خلال أزمة الغذاء السابقة من خلال توفير بعض الحلو ل على المد ى القصير والتي قامت خلا لها مجموعة من الد ول بحظر الصادرات، مما قاد لتفاقم أو ضاعها الداخلية  إذ لم يتمكن المزارعون من الوصول إلى الإيرادات الدولية فضلًا عن عدم قدرة الدول على الاستيراد، بالتالي من الممكن تحقيق التآزر من خلال الحد من مثل هذه القيود التجارية، وتتمثل الخطوة الأخرى في دراسة التوازن القائم بين الأغذية والوقود، إذ تُستخدم نسبة (18%) من إجمالي إنتاج الذرة العالمي في مجالي الوقود أو المواد الكيميائية الحيوية، وبالتالي يمكن إعادة النظر بهذا التوازن لفترة زمنية محدودة على الأقل وبصورة مشابهة أيضًا، يمكننا إعادة النظر بكيفية استخدام احتياطـي الغذاء الاستراتيجي (World Bank, 2022) وبجانب ذلك يمكن التوسع في الافاق نحو استخدام الأراضي غير المزروعة خصوصاً في أوروبا، حيث تم ترك (10-15%) من هذه الأراضي دون زراعة لحماية التنوع البيئي، وبالتالي يمكن الاستفادة منها بشكل مؤقت، ويُضاف إلى هذه الخطوات عملية تتبع هدر الأطعمة والتقليل من مستوياتها، فضلًا عن استكشاف مصادر جديدة للبروتين ومن المعروف أن اللحوم الحمراء والبيضاء والبروتينات البديلة توفر خصائص متنوعة من حيث استهلاك السلع الزراعية وتقدم هذه الخطوات حلولًا متاحة يمكن استغلالها على المدى البعيد (World Bank ,2022) .
    وفـي ضــوء الوضـع الحالـي للأمـن الغذائي وارتباطه بالتغير المناخي، من المتوقع أن يؤدي هذا الواقع إلى زيادة تحفيز الاستثمارات والتغيرات السلوكية في العديد من المجالات، فمن ناحية الابتكار من المرجح أن يتم التركيز من قبل المستثمرين وغيرهم من الجهات المعنية على مجال التكنولوجيا الزراعية والغذائية، بما في ذلك تقنيات الحلول الحيوية، والبروتينات البديلة، والزراعة العمودية وغيرها (اليونسيف ،2021). 
   ومن المتوقع حدوث تغيير ملحوظ لدى مختلف الأطراف المعنية في المنظومة الزراعية حيث سيتجه المزارعون نحو تعزيز كفاءة استخدام الأسمدة والمواد الأولية، وبالتالي الحد من الهدر فضلًا عن ميل المستهلكين نحو تغيير أنظمتهم الغذائية والاعتماد على بدائل اللحوم ونأمل أن نشهد على مستوى الدول تركيزًا أكبر على تسريع جهود التحول، وبخاصة في الأسواق الناشئة، إذ تمثّل هذه الأزمة الغذائية المرتبطة بالتغير المناخي فرصة لإحداث تسارع كبير في انتقال أنظمة الغذاء العالمية نحو نموذج أكثر استدامة في السنوات القادمة، ومن الضـروري أن يتزامن هذا التسارع مع إيلاء اهتمام خاص بالاحتياجات المباشرة والأمن الغذائي، وهو توجه يمكن ملاحظته بشكل واضح في أوكرانيا وروسيا، وبدأت بوادره بالظهور في غيرها من الأسواق الناشئة يتعين  على المجتمعات تركيز الاهتمام على الشـرائح السكانية الأكثر ضعفًا، والتي تلقي الأزمة بتأثيراتها على قدرتهم من الوصول إلى الغذاءipcc.ch ,2020)). 
الخاتمة
    هدفت هذه الدراسة التعرف إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أزمة الغذاء العالمي، وإلى بيان أسبابها ومنطلقاتها وجذورها التاريخية، وتأثيراتها على الإنتاج العالمي للمحاصيل الغذائية الرئيسية، وآثارها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن منطلق مشكلة الدراسة الحالية وما تقوم عليه من أهدافٍ وتساؤلات، فقد أجابت الدراسة عن تساؤلاتها وحققت أهدافها، من خلال جمع المعلومات المرتبطة بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أزمة الغذاء العالمية، وقد قامت الدراسة على فرضية رئيسية مفادها: أنّ هناك علاقة طردية بين الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على أزمة الغذاء العالمي، فكلما طالت أمد الحرب انعكست اثارها على الأمن الغذائي العالمي.
    وقد أثبتت الدراسة الحالية صحة هذه الفرضية حيث أدت الحرب إلى مضاعفة ومفاقمة أزمة الغذاء العالمي خاصة في سلاسل امدادات المحاصيل الزراعية جراء الحصار المفروض على هذه السلاسل، وعليه يمكن الخروج بهذه النتائج والتوصيات على ضوئها، وعلى النّحو التالي:
نتائج الدراسة

  1. زادت الحرب الروسية الأوكرانية وفاقمت من صعوبات قطاع الزراعة العالمية وقادت إلى تصدعات وتشققات في جانب الأمن الغذائي.

  2. كان لارتفاع أسعار الطاقة سبباً في مضاعفة ارتفاع أسعار الأغذية في الفترة الممتدة من 2002 - 2008 وقد وصل نقص التغذية العالمي إلى أعلى مستوى له في 15 عامًا في عام 2020 بسبب استمرار آثار تغير المناخ والصـراع الإقليمي ، بالإضافة إلى الصدمات الاقتصادية وسلسلة التوريد لـ Covid-19.

  3. تعتبر أوكرانيا وروسيا من أهم منتجي ومصدري المحاصيل الصالحة للزراعة في العالم، وخاصة الحبوب والبذور الزيتية، حيث شكلت روسيا (10%) وأوكرانيا (3%) من إنتاج القمح العالمي خلال السنوات الخمس الماضية ، وتعدان أول وخامس أكبر مصدرين للقمح، حيث تمثلان (20%) و (10%) من الصادرات العالمية،   على التوالي.

  4. تلعب روسيا دورًا مهمًا في أسواق الطاقة والأسمدة العالمية فهي أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، وثاني أكبر مصدر للنفط، وثالث أكبر مصدر للفحم، وتمثل (20%) و (11%) و (15%) من الصادرات العالمية على التوالي في عام 2019. 

  5. تعتمد أكثر من 26 دولة من واردات القمح على أوكرانيا وروسيا بما لا يقل عن (50%) من وارداتها وتشمل هذه البلدان في منطقة الساحل بأفريقيا، حيث يعاني 6 ملايين طفل من سوء التغذية و 16 مليون شخص معرضون لخطر انعدام الأمن الغذائي.

  6. أدى الحصار المفروض على الموانئ الأوكرانية إلى تهديد الأمن الغذائي لنحو 400 مليون شخص في الشـرق الأوسط وأفريقيا بسبب أزمة المناخ وجائحة كورونا والصراعات المستعرة في مناطقهم.

  7. تعاني أوروبا الشـرقية جراء الحصار المفروض على الموانئ الأوكرانية من ركود بنسبة (4.1%) ومن المحتمل أن تتجه أوروبا الغربية إلى ذات الركود الذي تعاني منه أوروبا الشرقية.

  8. أدى انخفاض قيمة العملة سلباً على الضغوط التضخمية على المواد الغذائية والسلع والخدمات الأخرى مما قلل من القوة الشـرائية لأرباح المستهلكين وزاد من العبء على الميزانيات الحكومية وهو ما قاد إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في بلدان مختلفة ومنها مصـر على سبيل المثال.

  9. تستورد دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) أكثر من (50%) من احتياجاتها من الحبوب وجزءاً كبيرًا من القمح والذرة والشعير من أوكرانيا وروسيا، حيث تحصل لبنان على (80%) من قمحها من أوكرانيا  وقد يؤدي ذلك إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي والفقر.

توصيات الدراسة

  1. العمل على مساعدة أوكرانيا لدعم وصول المزارعين إلى المحاصيل والثروة الحيوانية على المدى القريب والمتوسط، من خلال القيام بخطة استراتيجية سريعة الاستجابة.

  2. ضرورة الحفاظ على إنتاج الغذاء من خلال توفير النقد والمدخلات لمحاصيل وإنتاج الخضـروات والبطاطس ودعم الحصاد في المحاصيل الزراعية للمحاصيل الشتوية. 

  3. تعزيز سلاسل توريد الأغذية الزراعية وسلاسل القيمة والأسواق من خلال الشـراكات بين القطاعين العام والخاص التي توفر الدعم الفني للمستوى الأسري والمنتجين الصغار. 

  4. ضرورة الحفاظ على استمرار التدفقات العالمية للمواد الغذائية خصوصاً في وقت تزايد الضغوط الاقتصادية والجيوسياسية، والعمل  على توفير المساعدات الغذائية بلا انقطاع بما يعود بالفائدة على مواطني جميع البلدان.

  5. العمل على تقديم البرامج الدولية التي تهدف إلى جمع التبرعات بشكل شبه دائم ومن شأنها مساعدة شعوب الدول المتضررة.

  6. العمل على توسيع  الافاق نحو استخدام الأراضي غير المزروعة وبخاصة في أوروبا، حيث إنّ هناك ما يقرب من 10 إلى 15% من هذه الأراضي دون زراعة لحماية التنوع البيئي، وبالتالي يمكن الاستفادة منها بشكل مؤقت.

  7. العمل على تحفيز الاستثمارات والتغيرات السلوكية في مختلف المجالات خاصة في مجال الابتكار الزراعي الذي يعتمد على     التقنيات الحديثة.

  8. إزالة السياسات التي تعوق عمليات التصدير والاستيراد، أو تحويل المحاصيل الغذائية نحو إنتاج الوقود الحيوي، أو العمل على تشجع التخزين.

المصادر والمراجع

  • مداحي، محمد (2022). أزمة الغذاء العالمية زمن جائحة كوفيد 1. مجلة الدراسات التجارية والاقتصادية المعاصرة، مج5، ع1، ص298 - 274.

  • لطرش، ذهبية (2017). انعكاسات ارتفاع أسعار الغذاء عالميا على الأمن الغذائي فـي الجزائر: دراسـة تحليلية لازمتـي الغـذاء العالمـي 2007 و2011. مجلـة رمــاح للبحوث والدراسات، ع24، ص19 - 1.

  • آدم، علية (2017). أثر الأزمة المالية العالمية في كفاية الغذاء في الدول النامية بالتطبيق على السودان 2006-2015. رسالة دكتورة غير منشورة، ص1-214.

  • بوثلجـة، عائشـة (2016). أهميـة الاستثمـار الزراعـي فـي الـدول العربية فــي ظــل أزمـة الغـذاء العالمية. مجلـة الأكاديمية للدراسـات الاجتماعيـة والإنسانية، ع15، ص106 - 96.

  • خليلي، بختة (2015). الحرب وأزمة الغذاء بالمغرب الأوسط الزياني. مجلة دراسات وأبحاث، ع21، ص253-236.

  • شديد، كامل (2008). أزمة الغذاء و تأثيراتها الاقتصادية و الاجتماعية : نحو تقليل الفجوة الغذائية في الدول العربية. مجلة الاستثمار الزراعي، ع6، ص35 - 31.

  • نظير، أمين (2014). التداعيات الإقليمية والدولية لأزمة القرم بين شواهد التاريخ، وجدال النزاع الروسي- الأمريكي علي مناطق النفوذ، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، ص20.

  • السيد، محمد (2022). تداعيات الأزمة الأوكرانية على العلاقات الروسية الغربية (فبراير-2014 إبريل2022 م). المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية.

  • الشـرقاوي، يسرى (2009). الشراكة الشرقية: تكفير الاتحاد الأوروبي عن أخطائه، مجلة السياسة الدولية. العدد 178 .  مصر: مركز الأهرام،  ص .100

  • أبو رشيد، أسامة (2012). الأزمة الأوكرانية أمريكا. إعادة بعث الحرب الباردة، قطر: المركز العربي للأبحاث والد راسات السياسية. مارس 201 . ص1.

  • نافع، بشير(2014). الأزمـة الأوكرانيـة  تفجر الصــراع على أوروبا من جديـد، قطــر: مركز الجزيرة للدراسات، ص4.

  • سلامة، تسنيم، عبد الحميد، وآخرون (2023).  تداعيات الأزمة الأوكرانية – الروسية على الدول العربية : دراسة حالة السعودية 2014-2022 ، المركز الديمقراطي للدراسات الاستراتيجية، الاقتصادية والسياسية، جامعة بني سويف - مصر.

  • عمارة، غادة (2022). تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصري" محصول القمح نموذجاً"، المجلة الاجتماعية القومية، م59، ع3.

  • الخيري، نوار (2017). الأزمة السياسية في أوكرانيا وتجاذب الشـرق والغرب،  مجلة العلوم السياسية، الجامعة المستنصرية .

  • محمد، أحمد (2022). ما هي اتفاقية «مينسك» الموقعة بين روسيا وأوكرانيا؟، منشور على الرابط: https://cutt.us/1ZB7t.

  • منظمــة الأغذيــة والزراعــة. (2022). مؤشــر الفـاو لأسعــار الغـذاء. متـاح: https://2u.pw/ljHHo1.

  • وزارة الزراعة الأمريكية. (2022). تقديرات العرض والطلب الزراعي العالمي. متاح: https://2u.pw/78Vroi.

  • منظمة الأغذية والزراعة. (2022). أهمية أوكرانيا والاتحاد الروسي بالنسبة للزراعة العالمية. متاح: https://2u.pw/jhztRa

  • كرزم، جورج (2010). العولمة:  تدمير السيادة على غذاء دول "الجنوب" وإغراقها في مستنقع المجاعة. مجلة العمل التنموي، ع32.

  • المنشاوي، محمد (2022). ما مدى تأثير حرب روسيا وأوكرانيا على الاقتصاد العالمي؟. منشور على الرابط: https://cutt.us/lN0xa.

  • العربي الجديد (2022). ارتفاع أسعار القمح عالميا بعد قرار الهند حظر التصدير. منشور على الرابط: https://cutt.us/27eWq.

  • albankaldawli (2022). الأمن اللغذائي. منشور على الرابط: https://cutt.us/ncUgW.

  • الغد، نت (2022).  صدمات ارتفاع الأسعار قد تدوم لسنوات. منشور على الرابط: https://cutt.us/DJN0L.

  • دانييل، امينيتزا، نيكولاس (2022). المخاطر المتنامية لأزمة الغذاء العالمية. منشور على الرابط: https://cutt.us/3TueW.

  • اليونسيف (2021). حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2021. منشور على الرابط: https://cutt.us/Ygjfu.

  • Impact of the Ukraine-Russia conflict on global food security and related matters under the mandate of the Food and Agriculture Organization of the United Nations (FAO) (CL 169/3). Available: https://2u.pw/MqVZR.

  • Jglauber , Oseph And Laborde, David (2022). How will Russia’s invasion of Ukraine affect global food security? international food policy research institute.

  • Jagtap, S. Trollman, H. Trollman, F. Garcia, G. Parra-López, C. (2022). The Russia-Ukraine Conflict: Its Implications for the Global Food Supply Chains. Foods, 11, 2098.

  • Nasir, M. Nugroho, D. Lakner, Z. (2022). Impact of the Russian–Ukrainian Conflict on Global Food Crops. . Foods, 11, 2098

  • Aljazeera, (2022), Ukraine-Russia crisis: What is the Minsk agreement?, https://cutt.us/HS8k6.

  • oecd. (2022). The impacts and policy implications of Russia’s aggression against Ukraine on agricultural markets. Policy Responses on the Impacts of the War in Ukraine, Available: https://2u.pw/jhztRa.

  • UNCTAD (2022). The Impact on Trade and Development of the War in Ukraine. Available online: https://cutt.us/6XYLI.

  • FAOSTAT (2022). Wheat. Available online: https://cutt.us/G5XLR.

  • FAO (2022). FAO Food Price Index Retreated Slightly in April from the All-Time High Registered in March. Available online: https://cutt.us/5Tpdm.

  • Glauber, J.; Laborde, D.; Mamun, A (2022) . The Impact of the Ukraine Crisis on the Global Vegetable Oil Market. Available online: https://cutt.us/CV9K4.

  • Rabobank (2022). The Russia-Ukraine War’s Impact on Global Fertilizer Markets. Available online: https://cutt.us/F1jaB.

  • Baffes, J.; Chian Koh, W(2022). Soaring Fertilizer Prices Add to Inflationary Pressures and Food Security Concerns. Available online: https://cutt.us/IuAfp.

  • Hans ,Midttun (2022). Russo-Ukrainian War. Day 175: Another explosion in Crimea. https://cutt.us/Ds761.

  • Rice, Hernández (2022). The Russia-Ukraine War is Exacerbating International Food Price Volatility. Available online. https://cutt.us/hHCU1.

  • ESCWA, FAO, UNEP, WFP (2022). Impacts of the War in Ukraine on the Arab Region. Available online: https://cutt.us/PtZnM .

  • Reuters (2022). Exclusive: About 300,000 T of Wheat Bought by Egypt Stranded in Ukraine. Available online: https://cutt.us/EmBNm.

  • FAO (2022). Impact of the Ukraine-Russia Conflict on Global Food Security and Related Matters under the Mandate of the Food and Agriculture Organization of the United Nations (FAO). Available online: https://cutt.us/DrVl7.

  • Center for Strategic and International Studies (CSIS) (2022). Agriculture and Food Security: Casualties of the War in Ukraine. Available online: https://cutt.us/aSBPn.

  • FAO. The Importance of Ukraine and the Russian Federation for Global Agricultural Markets and the Risks Associated with the Current Conflict. Available online: https://cutt.us/KxQ8i.

  • Politico Russia (2022). Threatens to Limit Agri-Food Supplies Only to ‘Friendly’ Countries. Available online: https://cutt.us/vjaJD.

  • Rice, Hernández (2022)

  • Glauber, J.; Laborde (2022). How Will Russia’s Invasion of Ukraine Affect Global Food Security? Available online: https://cutt.us/dm42o.

  • The Economic Times (2022). Europeans Hoard Food in Panic Amid Conflict in Ukraine. Available online: https://cutt.us/wuCFe.

  • Radouai, N (2022). The War in the Ukraine and Food Security in Africa. Available online: https://cutt.us/9lwTW.

  • JOHN BAFFES, PETER NAGLE (2022). Commodity prices surge due to the war in Ukraine. https://cutt.us/2dFUb.

  • John , Ruehl (2022). Global food Insecurity is being exacerbated by the war in Ukraine. https://cutt.us/w8YgS.

  • DOUGLAS ,MACGREGOR (2022). Defeatism and Revolutionary Strategy. https://cutt.us/siWsj.

  • vpress.un.org (2022). Conflict, Humanitarian Crisis in Ukraine Threatening Future Global Food Security as Prices Rise, Production Capacity Shrinks, Speakers Warn Security Council. https://cutt.us/RS58h.

  • Sandeep, Jagtap,  others (2022). The Russia-Ukraine Conflict: Its Implications for the Global Food Supply Chains. https://cutt.us/Scjms.

  • mckinsey.com (2022). A reflection on global food security challenges amid the war in Ukraine and the early impact of climate change. https://cutt.us/oSVdZ.

  • World Bank (2022). Commodity Markets Outlook. https://cutt.us/rDkZA.

  • ipcc.ch (2020). Special Report: Special Report On Climate Change And Landch Food Security. https://cutt.us/tJ8Kh.

Pdf
تاريخ التسليم: 15/5/2023

تاريــــخ النشــر: 26/08/2023

مج2، ع1، ص5-17

(ISSN-L): 2958-0749

Untitled-1-01.png
whatsApp.Icon-01.png
bottom of page