top of page
أثر وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا على علاقاتهم مع دول الاتحاد الأوروبي 2002-2022
أ.د محمد تركي بني سلامة

جامعة اليرموك

قسم العلوم السياسية

محمد رسول الزعبي

جامعة اليرموك

قسم العلوم السياسية

الملخص

هدفت الدراسة التعرف إلى أثر وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا، وكيفية إدارة الحزب لتجربة التحول الديمقراطي السلمي، إضافة إلى التحولات السياسية والاقتصادية بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم داخل تركيا وأثر ذلك على العلاقات مع  دول الاتحاد الاوروبي سياسيا واقتصادياً؛ استخدمت الدراسة المنهج الوصفي التحليلي من خلال وصف وتحليل كل المتغيرات والظروف التي ساعدت وأثرت على وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا على أوروبا في الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية.

وتوصلت الدراسة إلى وجود عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تعترض من الأساس على انضمام تركيا ولن تقبل به حتى وإن حققت تركيا جميع المعايير الاوروبية، كفرنسا، وألمانيا، وقبرص؛ لقد عززت اتفاقية الاتحاد الجمركي من العلاقات الاقتصادية وحجم الاستثمار المشترك، ورفعت من جودة المخرجات التركية نتيجة فرض معايير الجودة الأوروبية؛ هنالك رغبة كبيرة من الاتحاد الأوروبي بالمحافظة على علاقاته الاقتصادية مع تركيا نظراً لحجم الاستثمارات والتبادل التجاري الضخم بين الطرفين، في الوقت ذاته يضع الاتحاد العقبات أمام انضمام  تركيا كعضوا كامل في الاتحاد الأوروبي، وأنه بالرغم من التهديدات التركية المتكررة بفتح الحدود مع أوروبا أمام المهاجرين إلا أنها ما زالت متمسكة باتفاقية اللاجئين وذلك يعزى إلى أن الاتفاقية تخدم مصالح تركيا من ذلك المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي للدولة التي تحتضن أكبر عدد من اللاجئين؛ إضافة إلى المصلحة الأوروبية بالتخفيف من أحمالها والضغط على مواردها؛ ويكمن أن نفسر حجم الاستثمارات الكبير للاتحاد الأوروبي في تركيا رغم الحساسية العالية بين الطرفين، أنه قد يكون بسبب التخوف من تطور العلاقات الروسية التركية الذي يعتبر مصدر قلق للاتحاد الأوروبي.

الكلمات المفتاحية: حزب العدالة والتنمية، العلاقات التركية الأوروبية، الاتحاد الأوروبي.

تاريخ التسليم: 30/08/2023

تاريــــخ النشــر: 26/12/2023

مج2، ع2، ص153-168.

المقدمة:
    تعتبـر التعددية والمشاركـة من الظواهـر الجديـرة بالدراسـة، لما لها مـن أثر بالغ علـى الحياة السياسية وسلوك الدولة الداخلي والخارجي على حدٍّ سواء؛ ولعل أهم ما يثير دارسي ومتتبعي حركة المجتمع والحياة السياسية في تركيا هو صعود حزب العدالة والتنمية إلـى سـدة الحكـم بوصـول حــزب العدالة والتنمية فيهـا برئاســة عبد الله قـول عـام 2002.
   إنّ تحولات السياسة التركية مرّت بثلاث مراحل، امتدت الأولى من سقوط الاتحاد السوفييتي وحتى احتلال العراق، وكانت الثانية بأن استفاقت تركيا على علمانيتها الغربية على حساب توجهها الديني والعرقي، في حين أنّ الثالثة التي تعيشها تركيا الآن تتسم بسعي الدولة التركية لتحقيق غاياتٍ سياسية يسعى من خلالها حزب العدالة والتنمية إلى بلوغها.
     وقد عرفت التوجهات التركية الجديدة تحولات مهمة تأتي في إطار عملية إعادة البناء في مختلف المجالات: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي إطار القيام بأدوار فاعلة تجاه القضايا الإقليمية والدولية، وهناك من يرى أنّ هذه التوجهات الجيوسياسية الجديدة، نابعة من خلفية حضارية دينية، ما يعني وجود صراع بين التوجهات العلمانية والتوجهات الإسلامية.
    إن تغيير تركيا لمحورها السياسي أساسه رغبتها  في اكتساب المكانة التي تطمح إليها وأن يكون لها كلمتها في المسائل الإقليمية وأن تعبر من خلالها نحو العالمية، وتركيا التي كانت تقوم بأداء الأدوار بالنيابة أصبح طموحها أكبر فلم تعد تكتفي بدور المنفذ للسياسات الغربية بل تعمل على صياغة سياساتها ومبادراتها، وبخاصة إزاء الأوضاع الإقليمية والدولية المشتركة.
     وقد مثّل خيار التوجه الغربي والرغبة في ولوج الإقليم الأوروبي منذ عام 1923 خياراً لا بديل منه لدى النخبة التركية، إلاّ أنّ الاتحاد الأوروبي لايزال حتى هذه اللحظة يماطل ويبدي تحفظات ويضع الشـروط بخصوص العضوية التركية، ولعل بوابة الولوج التركي إلى الاتحاد الأوروبي تأتي من المكانة الخاصة بينها وبين ألمانيا، حيث تحتل الصداقة التركية الألمانية مكانة متقدمة بالرغم من التجارب السلبية بين البلدين.
    والتقارب التركي الألماني يعود إلى وقت طويل، فقد أثرت مستويات العلاقات بين البلدين بشكل مماثل في مسار العلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي؛ وهناك عناصر رئيسية تربط في السياسات الداخلية وعلى رأسها وجود أكثر من 3 ملايين من السكان الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا، والعلاقات الاقتصادية وما أضيف إليها في السنوات الأخيرة من سياسة الهجرة، والآن، الحرب الروسية الأوكرانية؛ وتنطبق هذه العناصر بشكل أو بآخر بالنسبة للعلاقة مع الدول الأوروبية الأخرى أيضاً.
    ومما سبــق فإنّ الدراسـة الحالية تحاول التعرف إلــى أثر وصول حزب العدالة والتنمية في تركيا على دول الاتحاد الأوروبي 2002-2022.
أهمية الدراسة:
     تنقسم أهمية الدراسة إلى أهمية علمية، تتمثل في محاولتها التعرف إلى أثر وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا على دول الاتحاد الأوروبي 2002-2022، حيث تعتبر هذه الدراسة من الدراسات القلائل - حسب حدود علم الباحث - التي ستبحث في مختلف القضايا والمسائل التي من شأنها أن يكون لها تأثير مباشر من قبل النظام السياسي والاقتصادي في تركيا بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم على دول الاتحاد الأوروبي، وانعكاسات ذلك على سياسة تركيا الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى مسائل فرعية أخرى حول مسألة رفض أو قبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي وما يترتب على هذا الموقف من انعكاسات على سياسة تركيا وسياسة الاتحاد الأوروبي تجاه بعضهما البعض. 
   فـي حيــن أنّ الأهميـة العملية تشير إلـى أنّ هـذه الدراسـة ستقــدم نتائج "عملية/ تطبيقية" لصناع القرار والمشتغلين بالسياسية الدولية والمراكز البحثية وأصحاب الاختصاص، حول تأثير الفواعل الدولية من غير الدول، كالأحزاب السياسية وخاصة أحزاب الإسلام السياسي على العلاقات الدولية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الوزن السياسي للدول المدروسة ضمن المحدد المكاني: تركيا ودول الاتحاد الأوروبي. 
مشكلة الدراسة وتساؤلاتها:
   مثلما كان للعوامل الجغرافية والحضارية والجيواستراتيجية تأثير كبير في تشكيل الدولة الوطنية في أوروبا ونهضتها عقب الحرب العالمية الأولى، فقد أدت هذه العوامل دوراً كبيراً في وصول حزب العدالة والتنمية  إلى السلطة في تركيا 2002، وكان لهذا الوصول انعكاساته على التوجهات السياسية الخارجية للدولة التركية.
    وتبرز مشكلة الدراسة من خلال أهمية وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا الاستراتيجية والجيوستراتيجية، وما تمتاز بها  في المحورين الجيوبولتيكي والديموغرافي في داخل إطارها الإقليمي وفي إطارها الدولي، فضلاً عن كونها دولة ذات الانتماءات الثلاث، فهي: دولة إسلامية ذات توجه علماني، ودولة آسيوية بحكم الموقع الجغرافي الفلكلي، ودولة أوروبية لوجود جزء منها في القارة الأوروبية فضلاً عن حجم المصالح المشتركة بينهما، أي بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
    ولذلك فالدراسة الحالية تحاول استكشاف أثر هذه العوامل بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا، من خلال الإجابة عن تساؤل الدراسة الرئيس: ما أثر وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا على دول الاتحاد الأوروبي 2002-2022؟ 
ويتفرع عن هذا التساؤل مجموعة من الأسئلة الفرعية وذلك على النحو التالي:

  1. كيف استطاع حزب العدالة والتنمية أن يقود تجربة التحول الديموقراطي السلمي في تركيا؟

  2. ما طبيعة التحولات السياسية والاقتصادية التركية بعد وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا 2002؟

  3. ما الاستراتيجية التي انتهجها حزب العدالة والتنمية لتحييد المؤسسة العسكرية عن الحكم في تركيا؟

  4. ما تأثير وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا على دول الاتحاد الأوروبي في الجوانب: السياسية الاقتصادية ؟

فرضية الدراسة:
    هناك علاقة ارتباطية بين وصول حزب العدالة والتنمية إلى سلطة الحكم في تركيا وأثر هذا الوصول على دول الاتحاد الأوروبي، وعليه فإنّه يمكن صياغة الفرضية بالآتي: كلما بقي حزب العدالة والتنمية في السلطة في تركيا أثر ذلك بشكل مباشر على العلاقات التركية الأوروبية في مختلف المجالات وعزز من دور تركيا الدولي والإقليمي.
أهداف الدراسة:
    تهدف الدراسة الحالية التعرف إلى تأثير وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا على أوروبا 2002-2022، ويتفرع عن هذا الهدف الرئيس مجموعة من الأهداف الفرعية تتمثل بالتعرف إلى:

  1. الإمكانات التي أهّلت حزب العدالة والتنمية على قيادة تجربة التحول الديموقراطي السلمي في تركيا.

  2. طبيعة التحولات السياسية والاقتصادية التركية بعد وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا.

  3. الاستراتيجية التي انتهجها حزب العدالة والتنمية لتحييد المؤسسة العسكرية عن الحكم في تركيا.

  4. تأثير وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا على أوروبا في الجوانب: السياسية الاقتصادية ؟

منهجية الدراسة:    
   تقوم الدراسة الحالية على المنهج الوصفي التحليلي، من خلال وصف وتحليل كل المتغيرات والظروف التي ساعدت وأثرت على وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا على أوروبا في الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية.
الدراسات السابقة:
    قام الباحثان بالبحـث فـي مصــادر المعلومــات المكتبيـة والإلكترونية عــن الدراســات السابقة المتعلقة بموضوع الدراسة الحالية، وقد تتبع في استعراض الدراسات السابقة التسلسل الزمني من الأحدث إلى الأقدم، بحيث تكون الدراسات شاملة وتخدم الموضوع الذي تدرسه، وقد تم اختيار دراسات عربية وأخرى أجنبية، وذلك على النحو التالي:
   سعــت دراسة برد (2022) (1) إلـى تقديـم قراءة  للوضـع التركـي الذي يعيـش حالة من الغموض والحيرة في تحديد أولويات توجهاته بين النزعة الأوروبية والعثمانية الجديدة، والتفاعلية التركية الداعمة لمسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والإصلاحات المطلوبة على المستويين السياسي والاقتصادي، وقد أظهرت نتائج الدراسة أنّ تركيا تنتهج استراتيجية العمل الإقليمي، بمعنى إعطاء الاهتمام الكبير لهذا البعد العربي الإسلامي والأوروبي، الذي يعد بوابتها نحو تحقيق طموح العالمية، معززة توجهاتها بكل أساليب تحقيق مفهوم البدائل الاستراتيجية الممكنة.
   وأجرى إلكه وآخرونIlke, et.al (2) (2022) دراسـة هدفت التعـرف الأطـر المختلفة لعلاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي ، وبالتحديد تركيا على أنها: (1) مرشح للانضمام؛ (2) شريك رئيسـي في الاقتصاد والتجارة؛ وكذلك (3) شريك استراتيجي؛ وتركز الدراسة بعد ذلك على الديناميكيات العامة لصنع السياسة الخارجية التركية، وعلاقاتها مع الحلفاء التاريخيين، ونهجها في التعامل مع مسارح القوة في جوارها لفهم عواقب السياسات التركية على الأمن الأوروبي بشكل أفضل، أظهرت نتائج الدراسة أنّ الأوروبيين يمرون بمأزق في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وإلى التراجع الديمقراطي لتركيا وسياستها الخارجية الأحادية على نحو متزايد. ومع ذلك، لا يمكن النظر إلى ذلك بشكل منفصل عن الوضع الحالي للشؤون المؤسسية وطمس الأطر التي تعرقل التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في السياسة الخارجية والأمنية.
    وهدفت دراسة مسلط (2021)(3) التعرف إلى الإسلام السياسي ودوره في إدارة الدولة من خلال قراءة تجربة العدالة والتنمية في تركيا، خاصة في ظل التطورات التي اتسمت بتصاعد حدة الاحتقان والتوتر بين الإسلاميين والعلمانيين بزعامة العسكر والتي اتهمت الإسلاميين بالسعي لتغيير طبيعة النظام وأسلمة مؤسساته؛ وقد أظهرت نتائج الدراسة أنّ الإسلام السياسي جاء لتوصيف حركات التغيير السياسية التي تؤمن بالإسلام على اعتباره نظاماً للحكم، وأنّ الإسلام ليس عبارة عن ديانة فحسب وإنّما عن نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي وقانوني يصلح لبناء مؤسسات الدولة، وأنّ حركة الإسلام السياسي التركي قد تغيرت منذ مجيء حزب العدالة الذي لا يعتبر الإسلام مبدأ الفعل السياسي وقاعدته، وإنّما يعتبره جزءاً من هوية ثقافية ممتدة. 
    وأجـرى أوزتورك Ozturk (2018) (4) دراسة هدفت التعرف إلى التقييمات التاريخية لرئاسة الشؤون الدينية التركية (ديانت) منذ تأسيسها وتحاول شرح أهمية بعض نقاط التحول الجوهرية في تاريخ تركيا في "أوبرا ديانت" في الداخل والخارج، كما تبحث الدراسة عن إجابات لأسئلتها البحثية الأساسية حول أهمية ديانت في العلاقات بين الدين والدولة والسياسة في تركيا، والفروق بين تأثير ووظائف ديانت مقارنة بفترة تأسيسها والآليات التي تستخدم فيها تركيا ديانت كأداة للسياسة الخارجية، وقد أظهرت نتائج الدراسة تأثرت ديانت بصفتها مؤسسة حكومية مهمة لكنها تابعة، بشدة بأي تغيير سياسي رئيسي في تركيا، وقد تم استخدام " لايكليك " التركي بنظرته الغربية والمعتدلة، وديانت بقدراتها المؤسسية الثابتة لأغراض سياسية في الداخل والخارج؛ وأظهرت أيضاً أنّ مؤسسة ديانت مرت بثلاث مراحل مختلفة من حيث أنشطتها المحلية والدولية. تحول الفهم التركي لمؤسسة "لايكليك" على وجه الخصوص بنجاح صعود حزب العدالة والتنمية في دمج الخطاب الديني في مختلف مجالات صنع السياسات ووسع مجالات نفوذ ديانت أكثر من أي من سابقاتها.
   وكانت دراسة القحطاني (2018)(5) هدفت التعرف إلى أهم المداخل النظرية لدراسة الحركات الاجتماعية كمدخل الهوية الجمعية ومدخل العملية السياسية ومدخل تعبئة المصادر، والتركيب فيما بينهما لفهم ظاهرة تكون الحركات الإسلامية التركية وصعودها وتفاعلاتها داخل الدولة وخارجها؛ وقد أظهرت نتائج الدراسة أنّ أحد أهم المتغيرات النظرية المهمة التي تقدم تفسيراً لتنامي نفوذ الحركات الإسلامية التركية هو انفتاح الحكومة التركية في فترة حكم تروغوت أوزال، مما وفّر فرص سياسية مناسبة استطاع الإسلاميون استغلالها بشكل كبير وفعّال، بالإضافة إلى التحولات الإيدولوجية في هوية قطاع كبير من الإسلاميين يتوافق إلى حد كبير مع الليبرالية الغربية ويحافظ على الدولة الوطنية التركية.
   وأجرت بني فواز (2018)(6) دراسة هدفت التعرف إلى الموقف الأوروبي من انضمام تركيا للاتحاد وانعكاساته على سياستها الخارجية تجاه دول آسيا الوسطى، والتعرف على كيفية صناعة السياسة الخارجية التركية في الفترة (2002-2016)، حيث شهدت تركيا في هذه الفترة تطورات واضحة وتغير في سياسة الدولة التركية منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم، وكان واضحاً أنّ تركيا استمرت في اتباع نهج الأتاتوركي في محاولة التقرب من النموذج الأوروبي، حيث تعتبر تركيا موضوع انضمامها للاتحاد هدف استراتيجي تسعى لتحقيقه، وفي سبيل ذلك قام حزب العدالة والتنمية بإجراء تعديلات وإصلاحاتٍ داخلية بهدف تحقيق معايير العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي؛ وقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من الاستنتاجات، منها أنّ تركيا مازالت تواصل رغبتها بالانضمام للاتحاد الأوروبي على الرغم من أنّها تواجه عقبات تأخر انضمامها وفي الوقت نفسه تسعى تركيا إلى تعزيز دورها الدولي والإقليمي وذلك عبر علاقاتها مع دول آسي الوسطى.
    وهدفت دراسة نجم (2016) (7) التعرف إلى الآلية التي ستتعامل بها تركيا مع التحديات الداخليـة والخارجيـة المؤثــرة عليهـا فــي مسيـرة انضمامهـا للاتحـاد الأوروبــي، والسيناريوهات المستقبلة لهذا الانضمام، وقد أظهرت نتائج الدراسة أنّ تركيا وصلت مرحلة متقدمة بعد الإصلاحات في القوانين والأنظمة الداخلية خاصة بعد أن وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، وقبول تركيا في الاتحاد الأوروبي يقلل من اعتمادها على الولايات المتحدة ويزيد من قدرتها في حركتها السياسية من خلال انتهاجها سياسة متعددة الأبعاد مع محيطها في آسيا الوسطى والقوقاز أو الشرق الأوسط.
  وكانت دراسة الحمداني (2010)(8) هدفت التعرف إلى التجربة البرلمانية للأحزاب الإسلامية في تركيا وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية الذي كان له مؤشرات عديدة أهمها مدى إمكانية تقبل الإسلاميين للمنافسة البرلمانية وتداول السلطة سلمياً، وأظهرت نتائج الدراسة أنّ تجربة حزب العدالة والتنمية تجربة إسلامية جديدة مثّلت نمطاً جديداً في إنجاح الحركة الإسلامية في دولة علمانية، ويعود السبب في ذلك للجهود المبذولة من قبل أربكان طوال مشواره السياسي في تهيئة الأرضية لبناء دعائم الإسلام السياسي، وأنّ حزب العدالة والتنمية استطاع حسم الصراع على الهوية بين الإسلام والغرب وتصالح بين ألوان الطيف السياسي في تركيا لتستقطب المزيد من أصوات الإسلاميين والعلمانيين اليمين واليساريين وتتفاهم مع الجميع عربياً ودولياً.
التجربة السياسية التاريخية لحزب العدالة والتنمية
   ولد حزب العدالة والتنمية، في ظل حالة من التطورات التي اتسمت بتصاعد في حدة الاحتقان والتوتر بين الإسلاميين والنظام العلماني بزعامة المؤسسة العسكرية، التي كانت تتهم الإسلاميين بالسعي لتغيير طبيعة النظام وأسلمة مؤسساته والانقلاب على الفلسفة الأتاتوركية، حيث كانت تنظر إليه باعتباره امتداداً عملياً لتيار نجم الدين أربكان/ حزب الرفاه، ما دفع قيادة الحزب لانتهاج أساليب جديدة في العمل السياسي تحول دون حدوث مواجهة مع النظام العلماني المتجذر، لعدم إعطائه مبررات لتكرار أحداث شباط 1997م من التحرك بإغلاق مؤسسات التعليم الإسلامية، وحل الحزب، وغير ذلك من صور التضييق وتجفيف المنابع(9).
    وقد شكل ذلك منعطفاً كان بمثابة نهاية عهد أربكان وبداية عهد أردوغان الذي خاض برفقة شباب حركة الرؤية الوطنية صراعًا مع قيادة الحزب التقليدية خسروا فيها انتخابات حزب الفضيلة الذي تم تأسيسه بعد إغلاق حزب الرفاه عام 1998، لتقطع بعد ذلك آخر روابط مع حزب المؤسس أربكان، وتؤسس لمرحلة حزب العدالة الذي أعلن عنه في آب 2001) (10).
    وقد امتدت تجربة حزب العدالة والتنمية لأكثر من عقدين، ترك خلالها أثراً واضحاً على الحياة السياسية والاقتصادية في تركيا، مؤسساً لحقبة جديدة من تاريخ الجمهورية(11).
المرحلة الأولى: انتخابات عام 2002
    في ظل أجواء التوتر السياسي وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في تركيا، قررت حكومة أجاويد الائتلافية (1999-2002) إجراء انتخابات مبكرة في الثالث من تشرين الثاني عام 2002م، وشارك حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات بقيادة عبد الله كول بسبب الحظـر المفروض على أردوغان منذ عام 1998، وتمكن الحزب من تحقيق فوز منقطع النظير بحصوله على نسبة (%34.29) من أصوات الناخبين ليحصل الحزب على (363) مقعدا  من أصل (550)، فيمـا حـصـل حـزب الشعب الجمهـوري علـى (19.4%) مـن أصـوات الناخبين أي (178) مقعدا في المجلس الوطني، وبذلك تمكن حزب العدالة والتنمية من تشكيل الحكومـة واضعا بذلك حدا لظاهرة الائتلافات الحكومية(12).
المرحلة الثانية: انتخابات يوليو 2007
    فـي انتخابات يوليـو 2007، زادت شعبية حـزب العدالة والتنمية لتصل إلـى 47% من الأصوات، مما مكّنه من الحصول على 341 مقعدًا برلمانيًا. توسعت القاعدة السياسية للحزب وتعزز سيطرته على البرلمان التركي، مما عكس الثقة المتزايدة للشعب التركي في الحزب (13).
المرحلة الثالثة: انتخابات 2009
    في 2009، حقق حزب العدالة والتنمية فوزًا كبيرًا في الانتخابات المحلية، حيث فاز في 49 بلدية من أصل 81. ورغم التحديات السياسية، استطاع الحزب تعزيز موقعه، مما يدل على وزن تركيا الإقليمي ودورها البارز في منطقة الشرق الأوسط (14).
المرحلة الرابعة: انتخابات 2010 
    في عام 2010، أجريت فـي تركيـا استفتاء دستوري لإجراء تعديلات علـى دستور عام 1982. صوت الناخبون بأغلبية 58% لصالح التعديلات، التي شملت تغييرات لجعل الدستور أكثر ملاءمةً لمعايير الاتحاد الأوروبي(15)؛ ومن أبرز التعديلات الدستورية التي جرى من أجلها الاستفتاء(16):  

  1. إلغاء نظام العضوية البديلة في المحكمة الدستورية.

  2. تحدد مدة عضوية أعضاء المحكمة الدستورية باثنتي عشرة سنة. 

  3. سيتم منح المواطنين الحق في تقديم طلبات فردية إلى المحكمة الدستورية. 

  4. يمكن تقديم طلب استئناف ضد قرارات المحكمة العليا. 

المرحلة الخامسة: انتخابات 2011 
    في انتخابات 2011، حقق حزب العدالة والتنمية فوزًا بنسبة 50% من الأصوات، مكنه من الحصول على 326 مقعدًا نيابيًا. هذا الفوز أكد قدرة أردوغان وحزبه على تمرير سياساتهما دون معاناة، رغم عدم الحصول على الأغلبية المطلقة(17).
المرحلة السادسة: انتخابات 2014
    في 2014، فوجئت أحزاب المعارضة بفوز حــزب العدالة والتنمية فـي انتخابات بلدية إسطنبول، على الرغم من التحديات السياسية واتهامات الفساد. في نفس العام، فاز رجب طيب أردوغان في أول انتخابات رئاسية مباشرة بنسبة 51.79%.. (18)
    في يوم 10 آب 2014 أجريت انتخابات اخيار الرئيس الثاني عشــــر لتركيا، والتي تقدم لها ثلاثة مرشحين وكانت هي أول انتخابات يتم فيها اختيار رئيس الجمهورية التركية بالانتخاب المبـاشـــر (19).  وحسمت النتيجة بفوز رجب طيب أردوغان من الجولة الأولى، الذي حصل على أكثر من 51.79% من أصوات الناخبين، مقابل كل من: أكمل الدين إحسان أوغلو الذي حصد 38.44%، وصلاح الدين دميرطاش الذي حصل على 9.76% من أصوات الناخبين 2014، ليحقق حزب العدالة والتنمية بذلك فوزا صريحاً في الانتخابات الرئاسية التركية لعام 2014 (20).
المرحلة السابعة: انتخابات 2015 
    في انتخابات يونيو 2015، لم يتمكن أي حزب من تشكيل حكومة منفردًا، مما أدى إلى إعادة الانتخابات في نوفمبر. حزب العدالة والتنمية استعاد قوته، حيث حصل على 49.5% من الأصوات و317 مقعدًا برلمانيًا، مما يعكس فعالية استراتيجيته الانتخابية وقدرته على إدارة البلاد (21)؛ وقد اعتمد حزب العدالة والتنمية في حملته الدعائية استراتيجية ارتكزت على أهمية الأمن والاستقرار، وتقديم وعود اقتصادية تمس حياة المواطن على نحو مباشر(22).   
    ونتيجة ذلك حقق حزب العدالة والتنمية في انتخابات الأول من تشـرين الثاني/ نوفمبر 2015م أحد أكبر انتصاراته الانتخابية منذ عام 2002م؛ فقد حصل على 23.7 مليون صوت بنسبة 49.5% من الأصوات، وعلـى 317 مقعدا مـن إجمالــي 550 من مقاعد البرلمان التركي، وهي أعلى نسبة يحصل عليها حزب في تاريخ الجمهورية التركية (23).
المرحلة الثامنة: انتخابات 2017 
    في سابـع استفتاء شعبي فـي تركيا 16 نيســان 2017، فقد أدلى فيه نحو خمسين مليون ناخب تركي بأصواتهم، على مجموعة من 18 تعديلًا مقترحًا على دستور تركيا؛ شملت التعديلات الأخذ بالرئاسة التنفيذية التي تحل محل نظام الحكم البرلماني القائم، وإلغاء منصب رئيس الوزراء، ورفع عدد المقاعد في البرلمان من 550 إلى 600 مقعد وتغييرات في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين؛ وصوّت في الاقتراع 24 مليونا و763 ألف ناخب بالموافقة  مقابل 23 مليونا و511 ألفا صوتوا بالرفض، أي أن ما نسبته 51.3% من المشاركين بالاستفتاء وافقوا على منح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة جديدة (24). 
    فـي 20 يناير 2017، صوت البرلمان لطــرح التعديلات المقترحة على الاستفتاء بأغلبية 339 صوتًا، متجاوزًا بذلك الغالبية المطلوبة من ثلاثة أخماس والتي تضم 330 صوتًا، ومن أبرز هذه التعديلات على الدستور (25):

  1. زيادة عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600، وخفض سن الترشح من 25 إلى 18 عام.

  2. إجراء الانتخابات العامة والرئاسية في نفس اليوم كل 5 سنوات.

  3. ولاية رئيس الدولة 5 سنوات، ولا يحق للشخص أن يتولى منصب الرئاسة أكثر من دورتين.

  4. رئيس الدولة يتولى صلاحيات تنفيذية، وقيادة الجيش، ويحق له تعيين نوابه والوزراء وإقالتهم.

  5. تلغى المحاكم العسكرية، بما فيها المحكمة القضائية العليا العسكرية والمحكمة الإدارية العليا العسكرية، ويحظر إنشاء محاكم عسكرية في البلاد باستثناء المحاكم التأديبية.

  6. يلغى منصب رئيس الوزراء، ويتولى الرئيس مهام وصلاحيات السلطة التنفيذية، بما يتناسب مع الدستور، كما يتاح له إعلان حالة الطوارئ.

المرحلة التاسعة: انتخابات 2018 
    أُجريت في جميع أنحاء تركيا يوم 24 حزيران 2018، كان من المقرر أن تتم في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن في 18 نيسان/أبريل 2018 عن تقديم تاريخ الانتخابات. جدير بالذكر هنا أن الانتخابات الرئاسية عُقدت لانتخاب رئيس لدولة تركيا باستخدام الاقتراع على دورتين، ثم جرت انتخابات برلمانية لانتخاب 600 من أعضاء البرلمان في الجمعية الوطنية التركية الكبرى.
المرحلة العاشرة: انتخابات 2019
    عقدت انتخابات البلدية التركية لعام 2019 يوم الأحد 31 آذار عام 2019 في جميع أنحاء تركية. وقد انتُخب ما مجموعه 30 رئيس بلدية كبرى، و1351 من رؤساء بلديات المحافظات، إلــى جانــب 1251 عضــوًا فـي المحافظات، و20500 عضــو مجلـس بلدي، بالإضافة إلى العديد من المناصب المحلية غير الحزبية مثل أمناء الأحياء ومجالس كبار السن؛ وأعلن الرئيس رجب طيب أردوغان الانتصار، وأن تحالف الشعب قد حصل على أكثر من 50% من الأصوات، وبالتالي حافظ على دعم غالبية الناخبين النتائج النهائية أعطت تحالـف الشعـب فـي الواقـع أقـل مــن 50% بقليـل، فــي حيــن أن تحالــف الأمــة فــاز بنسبـة 38% (26).
    وقد شارك في الانتخابات البلدية 43 مليونا و651 ألفا و815 ناخبا، من أصل 57 مليونا و93 ألفا و410 ناخبين بعموم البلاد؛ وبلغت نسبة المشاركة 83.99%، حيث أظهرت النتائج فوز تحالف الشعب الذي شكّله حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية بنسبة 51.74% من أصوات الناخبين مقابل 37.64% التي حصل عليها تحالف الأمة الذي يضم حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد؛ وفاز حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات المحلية، ليحل في المرتبة الأولى من بين الأحزاب السياسية في تركيا، وفاز الحزب الحاكم بـ44.95% من إجمالي البلديات، في حين فاز حزب الشعب الجمهوري المعارض بـ30.25%، والحزب الجيد المعارض بـ7.39%، وحزب الحركة القومية بـ6.80%، وحزب الشعوب الديمقراطي بـ4.01%، والأحزاب الأخرى بـ6.60% (27).
العلاقات السياسية التركية الأوربية    
    تأسست العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في عام 1959، وأُضفي الطابع الرسمي على الإطار المؤسسي باتفاقية أنقرة التي وقعت بين الطرفين بتاريخ 12 أيلول 1963 ودخلت حيز التنفيذ في 1 كانون الأول 1964؛ حيث تعتبر تركيا أحد الشركاء الأساسيين للاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط، كما أنهما طرفا في الاتحاد الجمركي، علاوة على وجود حدود برية مشتركة بينهما، تحديداً بلغاريا واليونان (28).
    لعبت تركيا دورا حاسما في التاريخ على الصعيد العالمي، فقد شكلت تقاطعا لمختلف الحضــارات العريقـة فـي قلـب العالـم القديـم فكانـت اسطنبول عاصمـة لأكبــر ثلاث إمبراطوريات علــى مــر العصـور مـن الرومانيـة إلـى البيزنطيـة وانتهـاءاً بالإمبراطوريـة،  التي قام على أنقاضها جمهورية تركيا الحديثة عام 1923(29) .
   إن المتتبع للسياسة الخارجية التركية على مدى عقود من الزمن يلاحظ أن تركيا اتجهت في سياستها نحو الغرب بصفتها العضوية في مجلس أوروبا عام 1949م ومشاركتها الفاعلة في حلف شمال الأطلسـي عام 1952م والتوجه الغربي على الدوام، وتوقيع اتفاق أنقرة ما بين الجماعة الأوربية وتركيا عام 1963م الذي توصلوا فيه إلى الاتفاق على إمكانية انضمام تركيا مستقبلا إلى الاتحاد الأوروبي، ومنذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار المعسكر الشـرقي، حاولت تركيا البحث عن دور إقليمي فاعل فقد وجدت بأن عليها تكييـف سياستهـا الخارجية بشكـل يلائـم الواقـع الدولـي والإقليمـي بمـا يخـدم مصالحها الوطنية والقومية (30).
    وبعد أن وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عمل على إعادة صياغة العلاقات الخارجية لتركيا، والتي قامت بعد الجمهورية على أساس المحافظة على سلامة تركيا ككيان جديد مولود من رحم الدولة العثمانية وتجنب دوائر الصـراع، ثم تطور في الحرب الباردة ليجعل من تركيا درع في مواجهة خطر الاتحاد السوفيتي لتكون بعد زوال هذا الخطر جسرا بين الغرب المسيحي والشـرق الإسلامي؛ وقد قامت منطلقات حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان على تجاوز فكرة الجسر لتكون تركيا مركزا إقليميا متجاوزاً في علاقاتها دائرة الغرب لتخرج بعلاقات أوسع تشمل دوائر متعددة من العلاقات الدولية التي من شأنها تحقيق مصالح قومية وتخدم تقدمها أمنها (31).
أولاً: الاتفاق التركي الأوروبي حول أزمة المهاجرين
    دخلت اتفاقية إعادة قبول المهاجرين غير الشـرعيين بين تركيا والاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ عام 2016، والتي اقتضت إعادة كل طالب لجوء سوري وصل إلى دول الاتحاد الأوروبي بصورة غير قانونية قادماً من تركيا، ومقابل كل شخص معاد، ترسل تركيا لاجئاً سوريا من المقيمين على أراضيها إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك لتضمن تركيا عدم ازياد عدد اللاجئين لديها؛ وتمَّ تحديد 25 ألف لاجئ سوري، لتوزيعهم على دول الاتحاد الأوروبي، مقابل المعادين من الجزر اليونانية بتاريخ 4 نيسان 2017، لتعمل تركيا والاتحاد الأوروبي ومفوضية اللاجئين بعد ذلك على تحديد أسماء اللاجئين السوريين الذي سيرسلون للاتحاد الأوروبي(32).
    وقد بلغ السقف الأعلى لعدد المشمولين باتفاقية إعادة القبول بين الطرفين التركي والأوروبـي 72 ألف شخص، وفــي حــال لـم يصـل العدد لهذا الرقم سيعاد النظر في الاتفاقية، أما إذا تجاوز الرقم  المحدد سيتوقف العمل بالاتفاقية تلقائياً من قبل الجانبين؛ حيث تعطى الأولوية للذهاب إلى أوروبا للاجئين السوريين في تركيا، الذين لم يحاولوا الذهاب إلى أوروبا عبر طرق غير قانونية، وسيتكفل الاتحاد الأوروبي بمصاريف إعادة طالبي اللجوء إلى تركيا(33).
    حيث أن الهدف الأساسي للاتفاق الأوروبي التركي الحــد من ضحايا الغرق في البحر، كما أنه رادع للاجئين السوريين الذي يفكرون بالتسلل إلى أوروبا من خلال البحر؛ وينص الاتفاق على تقاسم الأعباء والتي بموجبها سيتم تسـريع وضع خطط صرف ثلاثة مليارات يورو للاجئين السوريين في تركيا، يقدمها الاتحاد الأوروبي، ويتم بعد إنفاق المبلغ إضافة ثلاثة مليارات يورو أخرى حتى نهاية عام 2018، تنفق على مشاريع تشمل الصحة والتعليم والبنية التحتية والمساعدات الغذائية والمعيشية (34).
    وتعرضـت اتفاقيـة المهاجرين، إلـى العديد مـن الخلافات والصراعـات ما بين الاتحـاد الأوروبي وتركيا، والتي كانت حول مليارات اليورو التي التزم الاتحاد الأوروبي بأدائها، ولكن لم ولكن لم يتم دفعها، إضافة لعدم وفاء الاتحاد الأوروبي بالوعود التي قدمها لأنقرة، كالتسهيلات المتعلقة بإعفاء الأتراك من تأشيرات الدخول دول الاتحاد، ما دفع بتركيا إلى التهديد عدة مرات، بحل الصفقة وفتح الأبواب أمام طالبي اللجوء إلى أوروبا، الذي يخشاه الأوروبيون لما له من عواقب، علاوة على عدم وجود خطة واضحة للاتحاد حول آلية توزيعهم بين دوله (35).
    بالرغم من الاتفاق الأوربي التركي حول اللجوء، فإنه لا تزال جزر اليونان في بحر إيجه تزدحم باللاجئين، وتدفق المهاجرين من تركيا مستمر، كما أن الرئيس التركي أردوغان يهدد من حين لآخر بفتح الأبواب أمام المهاجرين وتكرار خلق أزمة لجوء كالتي سبقت اتفاق بلاده مع الاتحاد الأوروبي (36). 
    وقد كان عدد الواصلين في السنة السابقة لتوقيع اتفاقية إعادة القبول في آذار 2016 ما يقارب المليون، أما في السنة التي تلت التوقيع فقد انخفض إلى (26) ألف؛ في السنة التي سبقت توقيع الاتفاق مات 1152 غرقاً في البحر، وانخفض هذا الرقم إلى 81 غريق بعد توقيع الاتفاق بعام، وحتى هذا اليوم فإن الإعلان يحقق الهدف الذي وضع له، وهو تخفيض عدد الواصلين إلى الجزر اليونانية إضافة إلى تخفيض عدد الغرقى؛ وقد اشتمل هذا الاتفاق على ثلاثة نقاط تمثلت بما يلي (37): 

  1. تقديم الاتحاد الأوروبي مساعدات إنسانية ومالية للشعب السوري اللاجئ في تركيا.

  2. استقبال دول الاتحاد  الأوروبي للشعب السوري ممن هم  بحاجة إلى الحماية الأمنية.

  3. استقبال تركيا لجميع اللاجئين الواصلين بالقوارب إلى الجزر اليونانية.

    أكد قادة الاتحاد الاوروبي في قمتهم عام 2021 على التعاون والتكاتف بين الاتحاد وتركيا في مكافحة الهجرة الغير شرعية وتقديم المزيد من المساعدات المالية لأنقرة لتغطية تكاليف إيواء اللاجئين القادمين من سوريا، إضافة إلى تمسك دول أوروبا باتفاقية اللجوء لعام 2016؛ التي اتفقوا فيها على دفع مبالغ مالية إضافية لانقرة إنفاقاً على اللاجئين القادمين من  سوريا إلى أراضيها(38).   
    والتعاون للحد من معدلات الهجرة الغير شرعية، بحماية الحدود واستعادة المهاجرين الغير شرعيين والذين يتم رفض طلبات لجوئهم وفق اتفاقية اللجوء لعام 2016 بين تركيا والاتحاد الأوروبي، والذي وعدت تركيا بموجبه بإغلاق الحدود واستعادة المهاجرين الغير شرعيين من جزر اليونان مقابل 6 مليارات يورو (39).
    تتزايدت محاولات وصول المهاجرين من تركيا إلى جزر اليونان عبر بحر إيجه، حيث منع خفر السواحل اليونانيين وصول ما يزيد عن 40 ألف مهاجر خلال النصف الأول من عام 2022؛ واتهمت اليونان تركيا بأنها المسؤولة عن فتح أبواب الهجرة إلى القارة أوروبا؛ وأنها تخشى من عودة كابوس القوارب المليئة بالمهاجرين عبر السواحل التركية لقرب الحدود البحرية بين البلدين حيث لا تتجاوز المسافة في أقرب نقاطها الـ 2 كم (40).
    وقـد نفذ الرئيس التركـي أردوغــان فــي العــام 2020 تهديداتــه بفتح الحــدود أمـام المهاجرين الراغبين بالتوجه نحو أوروبا، حيث صرح بمواصلة الإجراءات القائمة على الحـدود إلــى أن تتم تلبية كافة توقعات تركيا، ومنها حرية التنقل، وتحديث الاتحاد الجمركي والمساعدة المالية، بشكل ملموس؛ لينطلق على أثر ذلك آلاف المهاجرين من تركيا تجاه حدود اليونان البرية مع تركيا، على طول نهر إيفروس (41).
    أشار رئيس الحكومة اليونانية في خطابه أما الكونغرس 17 أيار 2020 إلى تهديدات تركيا وانتهاكاتها لمجالي بلاده البحري والجوي، وأن ذلك من الممكن أن يقوض الأمن الأوروبي ووحدة حلف شمال الأطلسي، كما أن اليونانيين لن يتقبلوا بحل الدولتين في جزيرة قبرص(42). 
    وقد أدان الاتحاد الأوروبي التصـريحات التركية وخصوصاً الرئيس الفرنسي ماكرون الذي دعم اليونان في النزاع مع تركيا حول الجزر في بحر إيجه، كما أعربت حكومة اليونان عن قلقها ومخاوفها المشروعة وأدانت تصريحات مسؤولين أتراك شككوا في سيادتها على عدة جزر؛ وفي ظل حالة التصعيد بين الطرفين قررت تعزيز حدودها، ومضاعفة أعداد دوريات خفر السواحل، ومد جدار أسلاك شائكة بطول 120 كم على طول الحدود البرية بين البلدين (43).
ثانياً: قضية جزيرة قبرص اليونانية والتركية
    أحدثت زيارة الرئيس التركي أردوغان لجمهورية قبرص التركية في تموز 2021 ردود فعال كبيـرة، حيـث يـرى أردوغـان بأن الاتحـاد الأوروبي هـو المسـؤول الأول عن الجمـود فـي القضيـة القبرصيـة؛ خاصة وأن جانـب قبـرص اليونانـي تــم قبولــه عضوا في الاتحاد الأوروبي (44). 
    وبالرغم من الخلاف القائم منذ فترة بعيدة، ولم تتردد الحكومة في هذا الجزء من الجزيرة القبرصية، ودولة اليونان، من استغلال العلاقة مع الاتحاد الأوروبي للعمل على حشد الدعم في صراعهما ضد جمهورية تركيا؛ حيث أن الاتحاد لم يعد وسيطا أو حكما بين أطراف التنازع، وإنما يقف على جانب اليونان ضد تركيا، مع فرض حجج ومطالب القبارصة اليونانيين الرافضين للاتفاق على حل يضمن التعايش والسلام في جانبي الجزيرة ، مع الإصرار على إنكار وجود الجانب التركي (45).
    عبّر الاتحاد الأوروبي عن قلقه من تصريحات الرئيس التركي، المتعلقة بإعادة جهود البناء لمنطقة مرعش، كما صرح وزير الخارجية البريطاني بأن المملكة المتحدة تشعر بقلق عميق من تصريحات أردوغان؛ مع أن أردوغان مع تأكيده بأن خطوة فتح منطقة مرعش للإعمار ستراعي قوانين الجانبين، وتساهم في إيجاد حل عادل للقضية وكسـر حالة الجمود المستمر، حيث أكدت تركيا أنها سوف تتقاسم المياه القادمة من تركيا من الشطر الجنوبي إلى شمال قبرص عبر البحر، للمساهمة في إشاعة السلام وإيجاد حل عادل في الجزيرة (46).
    وتشهد العلاقات بين تركيا واليونان العضوين في حلف شمال الأطلسـي، خلافات منذ سنوات طويلة في عدة جوانب أهمها الحدود البحرية والجوية ومسألة قبرص والتنقيب عن الغاز، وهو الأمر الذي دفع القوات التركية إلى تسيير دوريات جوية شبه يومية حول الجزر اليونانية القريبة من السواحل التركية؛ وتصاعدت حدة التوتر بين اليونان وتركيا بشكلٍ كبير، عندما بدأت تركيا التنقيب عن الغاز الطبيعي في مياه تعتبرها اليونان تابعة لها؛ في وقت أعلن الجانبان، تداخل المناطق الاقتصادية الخالصة لكليهما (47).
    رفض الاتحاد الأوروبي، إعلان تركيا انضمام جمهورية قبرص التركية إلى منظمة الدول التركية (OET) بصفة مراقب، واعتبر الهدف من ذلك تسهيل الاعتراف الدولي بقبرص التركية، وأن ذلك يقوض الجهود المبذولة لاستئناف المحادثات برعاية الأمم المتحدة، حيث أن الاتحاد الأوروبي يعترف فقط بجمهورية قبرص اليونانية (48).
    وفي تشـرين ثاني 2022 أعربت تركيا عن رفضها بياناً للاتحاد الأوروبي الذي أعلن فيه معارضته انضمام جمهورية شمال قبرص التركية، غير المعترف بها سوى من جانب تركيا، إلى منظمة الدول التركية كعضو مراقبة؛ وصرحت أنقرة بعد ذلك بأن محاولة الاتحاد الأوروبي لمنع قبرص الشمالية من أن تكون عضواً في المجتمع الدولي لا ينسجم مع النوايا الحسنة، ويكشف نفاق الاتحاد الأوروبي الذي أصبح أسير سياسات اليونان وقبرص الجنوبية(49).
    وطالما أكدت الخارجية التركية أن القبارصة الأتراك جزء لا يتجزأ من العالم التركي، ومن حقهم إقامة العلاقات مع الدول التركية، وأنه على المجتمع الدولي الاعتراف بقبرص الشمالية والكف عن اعتبار قبرص الجنوبية المالك الوحيد للجزيرة، كما أكّد الرئيس التركي إردوغان، الاستعداد لتسخير كل إمكانيات بلاده للدفاع عن حقوق تركيا ومصالحها وحماية الأتراك في قبرص، وقد قسمت جزيرة قبرص بعد تدخل عسكري تركي 1974، عقب انقلاب لضم الجزيرة إلى اليونان، وفرضت تركيا سيطرتها على 37% من مساحة قبرص (50).
ثالثاً: العلاقة التركية مع الناتو
    تظهر تركيا أيضًا اختلافًا في القرارات التي تتخذها فبينما عارضت جميع الدول الغربية وحلف شمال الأطلسي روسيا في الأزمة الأوكرانية وقررت فرض عقوبات اقتصادية، ظلت تركيا خارج هذه الممارسة، بينما تريد جميع دول الناتو بحزم وبإرادة شديدة أن تصبح السويد وفنلندا عضوين في الناتو، تستخدم تركيا حاليًا حق النقض (51).
    وجه حلف الناتو لتركيا رسالة شديدة اللهجة يعرب فيها عن رفضه وبشكل قاطع امتلاك أي عضو من أعضاء الحلف لمنظومة الدفاع الجوي  S-400الروسية؛ ففي عام 2017، قامت تركيا بشـراء هذه المنظومة من روسيا، وذلك بعد أن تعثرت جهودها التي أخذت شوطاً طويلاً مع الجانب الأمريكي لشراء منظومة الدفاع الجوي "باتريوت"؛ وقد تسلمت تركيا دفعات من هذه المنظومة عام 2019م، بالرغم من المطالبات الامريكية والغربية بالتخلي عنها؛ وذلك لكون أنظمة الرادار في المنظومة الروسية بإمكانها تسجيل بيانات الطائرات الأمريكية المقاتلة ومن ثم حصول روسيا عليها بعد ذلك (52).
وفي ختام اجتماعات وزراء الدفاع في حلف الناتو، صرحت الأمانة العامة للحلف بأنه لا يمكن القبول بامتلاك أي دولة عضو في الحلف لمنظومة الدفاع الصاروخي S-400 الروسية؛ وأنه لا بد من مراجعة السياسة النووية لكل الدول في الحلف (53).
    وعلـى أثـر استـلام أنقـرة لدفعـات مـن المنظومـة "S-400" الروسيـة، قامـت الولايات المتحدة بإخراج بإخراج سلاح الجو التركي من برنامج مقاتلة الجيل الخامس "F-35" وعملت  على إنهاء المشاركة التركية في إنتاج وتصنيع بعض أجزاء هذه الطائرة والتي كانت تخطط أنقرة لاستلام 120 مقاتلة منها؛ أما بعد إجراء الاختبار التشغيلي للمنظومة عام 2020، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على مسؤولي صناعة الدفاع التركي (54).
1. الخلاف التركي السويدي
    تجددت الخلافات بين أنقرة وستوكهولم مع إعلان السويد أن شروط الحكومة التركية مقابل الحصول على موافقتها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسـي لا يمكن قبولها، بينما تتمسك أنقرة بشـروطها لتمرير عضوية ستوكهولم بالناتو؛ وأخذ الخلاف بين الجانبين أبعادا جديدة بعد حرق المصحف من قبل سياسي سويدي متطرف أمام سفارة أنقرة في ستوكهولم، وقيام متظاهرين في السويد بشنق دمية الرئيس التركي أردوغان ما دفع أنقرة لاستدعاء سفير السويد والتنديد بالواقعة (55).
    وفي أعقاب الحرب الروسية العسكرية الأوكرانية، تقدمت كل من السويد وفنلندا بطلب للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، غير أن الموقف التركي عرقل تلك المساعي حيث يشترط الناتو موافقة جميع الدول الثلاثين الأعضاء في الحلف لإضافة أعضاء جدد إلى الحلف(56).
    وقعت كل من السويد وفنلندا اتفاقا مع تركيا في عام 2022 بهدف لمعالجة أسباب اعتراض تركيا على عضويتهما في حلف الناتو؛ من خلال تعاون أمني كامل من قبل السويد وفنلندا ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وحظر البلدين لأي نشاطات تجنيد أوجمع أموال لخدمتهم، وإظهار التضامن والدعم لأنقرة في حربها مع الإرهاب بكل صوره وأشكاله (57).
    إلا أنه في كانون أول 2022 عبرت تركيا عن خيبة أملها بسبب وقف تسليم صحفي من أنصار فتح الله غولن الــذي تحملــه تركيا مســؤولية محاولــة الانقلاب الفاشلة عام 2016 (58)؛ كما جاءت واقعة حرق المصحف أمام سفارة أنقرة في ستوكهولم لتفاقم الأزمة بين الجانبين (59).

2. أسباب التوتر بين تركيا والسويد
    طالما تجددت الخلافات بين تركيا والسويد وتصاعد التوتر بينهما حيث تعتبر الأزمة بين الدوليتين من الأزمات العميقة التي لها عدد من الأسباب التي يمكن أن نستعرض بعضها (60): 
1. تسعى تركيا للحصول على أكبر المكاسب من العضوية، كتوظيف حاجة الناتو إلى التوسع شرقا في مناطق النفوذ الروسي والرغبة القوية لانضمام فنلندا والسويد في تحييد القضايا الخلافية مع القوى الغربية وعلى رأسها أميركا وأوروبا لتمرير بعض المصالح سواء المتعلقة بالأمور التجارية أو عضوية أوروبا في الاتحاد الأوروبي أو تخفيف حدة الانتقادات للشأن الداخلي في بلاده.
2. الضغط على السويد للاستفادة من حاجتها لموافقة تركيا من أجل الانضمام للناتو عبر تسليم عدد من المطلوبين الأكراد المقيمين هناك وكذلك بعض المحسوبين على حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة إرهابيا (61).
3. الأزمة بين الجانبين معقدة ومتجذرة حيث كانت هناك مطالب تركية بتسليم بعض العناصر الكردية لكن السويد لم تسلم سوى عدد قليل جدا بدعوى أن القوانين في البلاد تمنع ذلك (62).
4. تركيا طلبت من السويد تعديل القوانين المتعلقة بتسليم المطلوبين لدول أخرى لكن ستوكهولم رفضت ذلك وتحججت بأن هذه الأمر غير دستوري(63).
رابعاً: رد الفعل الأوروبي حيال انقلاب 2016
   كانت ردة فعل الدول الأوروبية على الانقلاب التركي الفاشل عام 2016 حذرة وباردة، فقد تأخرت غالبية عواصم الدول الأوروبية في إدانتها الانقلاب، الأمر الذي أثار غضب المسؤولين الأتراك؛ علاوة على الانتقادات التي يتم توجيهها لإجراءات الطوارئ التركية، والتهديدات المتكررة بإيقاف مسيرة المفاوضات المرتبطة بانضمامها للاتحاد الأوروبي، حيث زادت كل هذه الأمور من استياء الجانب التركي، ودفع بأنقرة لاتهام الدول الأوروبية بالتحيز ضد تركيا والتحامل عليها (64).
   تــرى أوروبا فــي تركيا حليفــاً إستراتيجياً، ودرعاً لها أمام الأطماع الروسية، حيث تشارك تركيا وبشكل فاعل في حلف الناتو، كما تحتضن قواعد عسكرية للحلف، وعدداً من الأنظمة الصاروخية والرؤوس النووية والرادارات، كما أنها شريك مهم في الحفاظ على أمن القارة الأوروبية خاصة في محاربة التنظيمات الإرهابية على المستوى الاستخباراتي والعسكري، إضافةً إلى التعاون في صد موجات اللجوء الضخمة نحو أوروبا (65).
    ويرى الباحث مما سبق بأنّه وعلى الرغم التهديدات التركية المتكررة بفتح الحدود مع أوروبا أمام المهاجرين إلا أنها ما زالت متمسكة باتفاقية اللاجئين وذلك يعزى إلى أن الاتفاقية تخدم مصالح تركيا ومنها المساعدات التي يقدمها الاتحاد  الاوروبي للدولة التـي تحتضـن أكبر عـدد مـن اللاجئين.  (وكـذلك أوروبا تخفف من أحمالها والضغط على الموارد علاوة على تخوفها من العرب والمسلمين).
   ويفسّر حساسية السلوك الأوروبي مع تركيا في أن العلاقة الأوروبية التركية ليست محصورة في إيطار السياسة الخارجية فحسب، إنما تتشابك مع الشأن المحلي الأوربي؛ لا سيما الأمن والاقتصاد والبطالة والهجرة؛ كما أنّ هناك حذر بعض الشـيء من التصريح بعدم قبول انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي وذلك لوجود رؤوس النووية التابعة لحلف الناتو محفوظة في مدينة أضنة في تركيا تحديداً قاعدة إنجيرليك؛ وقد كانت سياسة تركيا الخارجية خلال الحرب العالمية الثانية تتسم بالحذر، ولذلك حاولت في عدم المشاركة في إنشاء تحالفات متضاربة خلال هذه الفترة؛ لأن هدفها الأساسي كان بائها مستقلة ولها سيادتها.
العلاقات الاقتصادية التركية الأوروبية
    تستند العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا على اتفاقية الشراكة منذ عام 1963، واتفاقية الاتحاد الجمركي والتي دخلت حيز التنفيذ في 31 كانون أول 1995؛ وكانت تركيا دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 1999، وكان الطرفان سيستفيدان مــن هــذا الانضمــام خاصــة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والتبادلات والاتفاقات التجارية.
ما قبل وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة
    ترتبط تركيا مع الاتحاد الأوروبي بعلاقات تتجاوز النصف قرن؛ حيث وقعت تركيا في 12 أيلول 1963 اتفاق شراكة لإقامة اتحاد جمركي كمرحلة تدريجية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن هذا الاتفاق تم تجميده بسبب الانقلاب العسكري في تركيا عام  1980؛ وفي 6 آذار عام 1995م تم التوقيع على اتفاق والحدة الجمركية الذي تم تجميده كذلك بفعل المعارضة اليونانة احتجاجاً على قضية جزيرة قبرص التي يسيطر الجيش التركي على شطرها الشمالي منذ العام 1974م، وأعلن في 1983 قيام جمهورية قبرص التركية الغير معترف بها سوى من قبل تركيا، وفي شهر آذار من العام 2001 نفذت حكومة انقرة برنامجا وطنيا شاملاً من تدابير اقتصادية وسياسية وبعد سنة من ذلك، صوت البرلمان على إلغاء عقوبة الإعدام، ومنح حقوق ثقافية لـلأكراد (66).
    وقد شهدت العلاقات الأوروبية التركية الكثير من التناقضات، فرغم قبول ترشح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي في العام 1999م، إلا أنهم ضعوا العديد من العراقيل والعقبات أمام المفاوضات، حيث تقدمت أنقرة  عام 1959م بطلب عضوية إلى الجمعية الأوروبية التي قبلت فيها في العام 1963م بتوقيع اتفاقية أنقرة، ثم تقدمت بعد ذلك بشكل رسمي بطلبها الأول لعضوية الاتحاد في الرابع عشـــر من نيسان عام 1987م، ووقعت معه على اتفاقية الاتحاد الجمركي في الحادي والثلاثين من كانون أول عام 1995م، وخلال قمة هلسنكي عام 1999م تم الاعتراف بشكل رسمياً بالدولة التركية مرشحة للعضوية في الاتحاد، ووضع الاتحاد عدد من الشـروط لبدء المفاوضات رسمياً مع تركيا، من بينها حقوق الإنسان، احترام الأقليات، وإلغاء عقوبة الإعدام، والعمل على تحسين العلاقات مع اليونان، والحد من تدخل الجيش في الشؤون السياسية(67).
    ومنذ العام 1982م وحتى وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في العام 2002م، لم تتجاوز معدلات الاستثمار الأجنبي في تركيا الـ 1.2 مليار دولار، إلا أنها تجاوزت الـ 57 مليار دولار خلال أول 5 سنوات من عهد الحزب، وبعد 10 سنوات تجاوزت الـ 114 مليار، وفي الربع الثاني من العام 2017 وصلت إلى 163 مليار دولار، ما يدل بأن تركيا تعتبر سوقاً جاذباً للاستثمار الأجنبي، حيث بذلت الدولة التركية والحكومات المتعاقبة جهوداً كبيرة لتأمين كل عوامل الجذب للمستثمرين (68).
وقد ساهمت العديد من السياسات في  اندماج تركيا الناجح في السوق الأوروبية اقتصاديياً من أبرز هذه السياسات ما يلي (69):

  1. أدخلت تركيا التحرير الاقتصادي الشامل في كانون الثاني 1980، وسمحت السياسات الاقتصاديـة الليبرالية والإدارة السليمـة للاقتصــاد التركــي باستئناف التقــارب الاقتصادي للاستفادة من السيولة العالمية الوفيرة.

  2. كانت اتفاقية الاتحاد الجمركي ما بين تركيا والاتحاد الأوروبي، تمثل حافزًا للتحديث التكنولوجي للتصنيع التركي من خلال فرض اعتماد معايير الجودة الأوروبية على تركيا.

  3. وكذلك تشجيع الاندماج في شبكات الإنتاج الأوروبية؛ رفعت من معدلات التجارة داخل قطاعات الصناعة ضمن سلاسل القيمة المتكاملة من 30 بالمائة إلى 50 بالمائة من التجارة بين تركيا والاتحاد الأوروبي بين عامي 1990 و2012. 

    وقد قعت المجموعة الاقتصادية الأوروبية 1963 مع تركيا اتفاقية شراكة أنقرة التي وسعت العلاقات الاقتصادية والتجارية فيما بينهما؛ كما وقع بروتوكول إضافي يهدف إلى إنشاء اتحاد جمركي تدريجيًا بين تركيا والمجموعة الاقتصادية الأوروبية، ومواءمة السياسات الاقتصادية بشكل أوثق بين الطرفين، ودخل حيز التنفيذ في عام 1973 (70).
ودخل الاتحاد الجمركي حيز التنفيذ في 31 ديسمبر 1995 وكان أول اتحاد جمركي كبير للاتحاد الأوروبي مع دولة خارج الاتحاد الأوروبي؛ تغطي الاتفاقية جميع السلع الصناعية، ولكنها لا تتناول الزراعة أو الخدمات أو المشتريات العامة؛ تنطبق الامتيازات التجارية الثنائية على المنتجات الزراعية والفحم والصلب، ويوفر الاتحاد الجمركي تعرفة خارجية مشتركة للمنتجات المشمولة (71). 
   ومنذ بدء العمل باتفاقية الاتحاد الجمركي عام 1996، تزايد حجم التبادل التجاري بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي بشكل تدريجي، ومع مجيء حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا عام 2002 اكتسب التبادل التجاري زخماً كبيراً، وصل نهاية العام 2021 إلى نحو 143 مليار دولار أمريكي (72).
   وترتبـط تركيـا وأوروبا باتفاقية الاتحـاد الجمركـي الموقعة بينهما في 12 أيلول عام 1963، التي تفتح المجال أمام الدول الأطراف لتبادل السلع والمنتجات الدول بحرية كاملة داخل منطقة جمركية مشتركة خالية من الضـرائب الجمركية؛ وبناءً على هذه الاتفاقية تطبِّق كل من تركيا وأوربا نفس التعرفة الجمركية، والسياسات التجارية للواردات بينهما، وتعتبر هذه الاتفاقية نموذجاً متطوراً مقارنة مع  مناطق التجارة الحرة؛ ويضم الاتحاد الأوروبي سوقاً استهلاكياً كبيراً، وحواجز تجارية أقل، وتشـريعات أكثر انفتاحاً، علاوة على البنى التحتية الحديثة والمتطورة، التي تتيح تبادل الخدمات والمنجات ونقلها بسرعة وأمان، والأمر الذي يعد فرصةً ذهبية أمام المصانع والركات التركية العاملة في قطاعات التصنيع والتصدير (73).
    حيث قاد أداء تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية والإصلاحات التي قام  بها الحزب إلى تحويل تركيا محطاً لأنظار المستثمرين الدوليين، حيث بلغ عدد المشاريع في أوروبا ككل 264 مشروعًا في عام 2021، وازادت حصتها في جميع دول أوروبا من (3.7%) عام 2020 إلــى (4.5%) عام 2021، كما جـاء ترتيب تركيـا كأفضــل وجهة للاستثمار الأجنبي المباشر، مع زيادة بمقدار (27%) من إجمالي مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر؛ فقد تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر لتركيا حتى 2002 ما يعادل 15 مليار دولار فقط، في حين استطاعت البلاد جذب استثمار أجنبي مباشر يقدر بحوالي 240 مليار دولار أمريكي في الفترة ما بين عام 2003 و2021 (74).
العلاقات الاقتصادية في عهد حزب العدالة والتنمية
    تعد تركيا اليوم دولة منفتحة على التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي لما تتيحه من إمكانية النمو السريع والمستدام، والاقتصاد التركي يعتمد وبشدة على الأسواق المالية الدولية؛ فمسألة العلاقات ما بين تركيا الاتحاد الأوروبي ودخولها بقوة إلى السوق الأوروبية يحمل في طياته آثاراً سياسية واقتصادية سواء بالإيجاب أو السلب على جميع الأطراف، وإذا ما نظرنا إلى الأهمية الاقتصادية لتركيا ووزنها الاقتصادي.
أولاً: مؤشر الصادرات والواردات
   سعت تركيا إلى توثيق العلاقات مع أوروبا منذ إنشاء المجموعة الاقتصادية الأوروبية (EEC) في عام 1958، والذي تعزز بتوقيع اتفاقية أنقرة 12 سبتمبر 1963، التي تهدف إلى تسريع التقدم الاقتصادي المتبادل، وتوسيع العلاقات التجارية، وتقليل التفاوت بين تركيا والجماعة الاقتصادية الأوروبية؛ لتتوسع بعد ذلك العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بشكل كبير، وأصبح الاقتصاد التركي مندمجًا بشكل وثيق مع الاتحاد الأوروبي (75).
   احتلت تركيا المرتبة الخامسة بين أكبر الشركاء التجاريين للاتحاد الأوروبي  عام 2017 بحسب دراسة لمكتب الإحصاء الأوروبي؛ حيث أن حجم صادرات الاتحاد الأوروبي لتركيا عام (2017) بلغ ما قيمته (105.1) مليار دولار، فيما بلغ حجم واردات الاتحاد الأوروبي من تركيا ما قيمته (86.4) مليار دولار؛ في الوقت الذي بلغ فيه إجمالي صادرات دول الاتحاد الأوروبي ما قيمته (2.329) تريليون دولار، وإجمالي الواردات ما قيمته (2.298) تريليون دولار (76).
   وتُعد تركيا سادس أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، حيث تمثل ما نسبته (3.6%) من إجمالي تجارة الاتحاد الأوروبي في البضائع مع العالم خلال عام 2020 (77).
   كما ويعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر شريك لتركيا فيما يتعلق بالاستيراد والتصدير، فضلاً عن كونه المصدر الرئيسي للاستثمارات الأجنبية؛ حيث بلغت واردات تركيا من الاتحاد الأوروبي مانسبته (33.4%) فـي حيـن بلغـت صادراتها إلـى الاتحاد الأوروبــي ما  نسبته (41.3%) وذلك خلال عام 2020 (78).
    وبالنّظر إلى إجمالي التجارة ما بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في السلع فقد بلغت خلال العام 2020 ما قيمته (132.5) مليار يورو؛ في حين بلغت قيمة واردات الاتحاد الأوروبي من تركيا 62.4 مليار يورو،  وبلغ إجمالي صادرات الاتحاد الأوروبي إلى تركيا 69.8 مليار يورو (79).
    وفيما يتعلق بالتجارة الثنائية في الخدمات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في عام 2019 فقد بلغت ما قيمته 26.5 مليار يورو، حيث تمثل واردات الاتحاد الأوروبي من الخدمات 13.9 مليار يورو والصادرات 12.6 مليار يورو (80).
  تعتبـر السيارات، والملابـس الجاهـزة، والمـواد الكيميائية، والصلب، والمواد الخام، والمنتجات الزراعية، والطاقة من أكثر المواد استيراداً وطلباً من تركيا إلى أوروبا؛ إضافة إلى الإقبال الكبير على المنتجات الكهربائية التركية ذات الجودة العالية والأداء المميز، وكذلك المنتجات الغذائية التركية ذات التنوع والجودة العالية، ومنتجات السجاد والمنسوجات، والإلكترونيات بأنواعها؛ حيث يستحوذ الاتحاد الأوروبي على حصة 41.3% من عموم صادرات تركيا، بقيمة 93 مليار دولار أمريكي خلال عام 2021؛ وبذلك تحتل صادرات تركيا إلى أوروبا المرتبة الأولى في إجمالي الصادرات التركية (81).
ثانياً: مؤشر الاستثمارات
    منذ انطلاق اتفاقية الاتحاد الجمركي في عام 1996م، تزايد حجم ومعدلات التبادل التجاري بين الدول الأوربية وتركيا بشكل تدريجي، ومع وصول حزب العدالة والتنمية عام 2002م  إلى السلطة في تركيا، وصل التبادل التجاري المشترك إلى مستويات كبيرة وضخمة محققاً أرقاماً قياسية في الصادرات والواردات بين تركيا والتحاد الأوروبي، حيث يستمر الاتحاد الأوروبي كونه الشريك التجاري الأهم لتركيا (82).
   وقد استثمرت تركيا أكثر من 90 مليار دولار، في البنية التحتية؛ كالطرق السريعة، والأنفاق، والجسور، والسكك الحديدية، والمطارات؛ حيث استثمرت ما يقرب 350 مليار ليرة تركي، على مدى 14 عام منها 49 مليار ليرة على استثمارات القطاعين العام والخاص؛ لتهيئة البيئة الجاذبة للاستثمارات الداخلية والخارجية، وكما افتتح في إسطنبول عام 2017 مكتب لتوجيه المستثمرين وتقديم الاستشارات والتسهيلات لهم، يعمل المكتب بالتنسيق مع كل من وكالة دعم وتشجيع الاستثمار التابعة لرئاسة الوزراء (ISPAT)، ومديرية الهجرة في إسطنبول، ومكتب الضـرائب، ومديرية الضمان الاجتماعي، ووكالة العمل والعمالة في إسطنبول (83).
1. الاستثمارات التركية في أوروبا
    سجّلـت تركيا صــادرات قياسيـة عــام 2021، مستغلة أزمـة عملتها المحلــية ورغبة الشركات المتعددة الجنسيات في تقريب إنتاجها من أسواقها الرئيسية، لتصلت صادرات البلاد إلى 225.5 مليار دولار، والتي تسعى لزيادة هذا الرقم إلى 300 مليار دولار عام 2023 (84).
   حيث يشكل الموقع الجغرافي لتركيا قرب أوروبا ميزة؛ خاصة في ظل ارتفاع كلف الشحن البحري بصورة كبيرة؛ علاوة على اضراب سلاسل التوريد، فقد أصبح استيراد البضائع من آسيا إلى أوروبا مكلفا جدا، في الوقت ذاته  تبعد تركيا ثلاثة أيام فقط في الشاحنــة عـن أوروبا الغربية؛ وتعتبر تركيا من أفضل الدول امتلاكاً لإمكانات توريد المنسوجات، وبتكاليف إنتاج أقل نظراً لتراجع قيمة الليرة التركية، ففي عام 2021 انهارت العملـــة (-44%) مقابل الدولار الامريكي ليصبح صافي الحد الأدنى للأجور في تركيا ما يعادل (315) دولار، الأمر الذي دفع العديد من الشركات التفكير في نقل إنتاجها إلى تركيا كشركة إيكيا السويدية التي أعلنت عن نية نقل جزء من إنتاجها إلى تركيا وكذلك مجموعة الملابس الإيطالية بينيتون التي أعنت رغبتها في زيادة حجم إنتاجها في دول أقرب إلى أوروبا بما فيها تركيا (85).
   ولا تنفك العلاقات التجارية بين تركيا وأوروبا تتحرك باتجاه النمو، حيث تحدو الظروف والتطور الصناعي الذي تعيشه تركيا، وتنوع منتجاتها، مع ميزة الشحن الميسر، بمزيد من الارتباط وتوطيد العلاقات التجارية لتتجه نحو مزيد من النمو؛ تمتلك تركيا سادس أكبر اقتصاد على مستوى أوربا، وتقيم مع الاتحاد الأوروبي علاقات تجارية واقتصادية مكثفة، حيث يعتبر الاتحاد الأوربي أكبر الشركاء التجاريين والاستثماريين لتركيا على الإطلاق، كما تشكل تجارة تركيا مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي نسبة (40%) من تجارتها الإجمالية (86).
جدول (1) الصادرات والواردات بين تركيا والدول الأوروبية 2021/مليار دولار

جدول 1.png

2. الاستثمارات الأوروبية في تركيا
يعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا، والذي بقي شريكًا استثماريًا مستقرًا وموثوقًا؛ حيث استحوذ الاتحاد الأوروبي على ثلثي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى تركيا بين عامي 2008 و2015، فأهم الدول المستثمرة في تركيا هي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي؛ وهذه هي أبرز أرقام الاستثمار الرئيسية (87).

  1. بلغت حصة الاتحاد الأوروبي من إجمالي محفظة الاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا، في المتوسط، 67.4٪ سنويًا بين عامي 2008 و2015.

  2. استحوذ الاتحاد الأوروبي 57.6% من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لتركيا 2015.

  3. في المتوسط، اجتذب الاتحاد الأوروبي 54.2% من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الخارج سنويًا بين عامي 2008 و2014.

  4. الكان الاتحاد الأوروبي وجهة 36.4% من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجة في تركيا في عام 2014.

  5. اعتبارًا من ديسمبر 2015، كان هناك (20585) شركة تعمل في تركيا برأس مال من الاتحاد الأوروبـي (43%) من جميـع الشركات التــي تـم تأسيسهـا برأس مــال أجنبـي في البلاد.

     ويعتبـر الاتحـاد الأوروبـي الشريك الأول لتركيا فـي الاستيـراد والتصدير، حيـث يمثـل (40.6%) من إجمالي تجارة تركيا في عام 2015. نتيجة للاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، ظل الاتحاد الأوروبي سوقًا كبيرًا وآمنًا ومفتوحًا للمصدرين الأتراك. في عام 2015، حصل الاتحاد الأوروبي على 44.5٪ من صادرات تركيا. وبالمقارنة، تعد تركيا خامس أهم شريـك تجـاري لأوروبا، حيـث استحـوذت علـى 4٪ من إجمالـي تجـارة الاتحاد الأوروبـي فـي عـام 2015 (88).
1.    بلغ إجمالي التجارة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا (148854.3) مليون دولار 2015.
2.    استورد الاتحاد الأوروبي (65171) مليون دولار من البضائع من تركيا في عام 2015
3.    منها (54365) مليون دولار في المصنوعات وبنسبة (83.4%)، و(10806) مليون دولار في المنتجات الأولية وغيرها بنسبة (16.6%).
4.    صدر الاتحاد الأوروبي ما قيمته (83683) مليون دولار من البضائع لتركيا 2015، كان منها (70228) مليون دولار في المصنوعات بنسبة (83.9%)، و(13454) مليون دولار في المنتجات الأولية وغيرها.
   حيث بلغ حجم استثمار دول الاتحاد الأوروبي في تركيا 1.7 مليار دولار خلال الثلث الأول من عام 2017، وتصدّرت إسبانيا قائمة الدول الأوروبية الأكثر استثمارًا في تركيا، بحجم استثمار بلغ 961 مليون دولار، تلتها بلجيكا بـ 209 ملايين دولار، وألمانيا بـ 123 مليون دولار، ثم تأتي هولندا بعد ذلك في المرتبة الرابعة، حيث بلغ حجم إجمالي استثماراتها في جمهورية تركيا 122 مليون دولار، تليها النمسا في المرتبة الخامسة بـ 114 مليون دولار (89).
   كما كانت لتركيا الصدارة في دخول السوق الأوروبي في صناعات التكلوجيا الحديثة كالألعاب الإلكترونية وغيرها من التقنيات، حيث شهدت الشركات الناشئة التركية ازدهاراً عام 2022؛ فقد تم ضخ رأس مال بلغ (333) مليون دولار كأعلى مستوى له على الإطلاق في 13 مشروعًا تركيًا للألعاب، ما ساعد تركيا في تجاوز أقرانها لتكون الدولة الأكثر استثمارًا في أوروبا؛ وتترك خلفها أمثال المملكة المتحدة والنرويج وفنلندا والسويد، الأسماء البارزة في صناعة الألعاب، وجمعت الشركات التركية ما يقارب 1.4 مليار دولار من 140 جولة استثمارية من يناير إلى يونيو 2022، في مجال التكنولوجيا المالية والألعاب، واحتلت المرتبة الأولى في أوروبا باستثمارات الألعاب، ورابع أكثر المدن الأوروبية استثمارًا بعـد لنـدن وباريس وبرلين فـي مشروعـات التكنولوجيا الماليـة والألعـاب، بالإضافـة إلى الذكـاء الاصطناعــي (AI)، والبرمجيـات، و"NFT" الرمــوز الفنيـة الغيـر قابلـة للاستبـدال والميتافيرس (90).
جدول (2) الاستثمارات في تركيا خلال السنوات 2003-2021 (91)

جدول 2.png

   من العام 2003-2021 احتل مجموع استثمارات دول الاتحاد الاوروبي خلال الفترة من عام 2003-2021 ما نسبته 60.8% من الاستثمارات العالمية في تركيا الأمر الذي يدل على ثقل وقوة العلاقات التركية مع دول الاتحاد الأوروبي، ويمكن أن نفسـر ذلك بأن ما يحكم العلاقات المشتركة بين هذه الدول المصالح  والمنافع المتبادلة، كما أن مرور تركيا بحالة من الهبوط لعملتها المحلية خلق فرصة لها بسبب ذكاء الإدارة التركية في التعامل مع الأزمة، والذي شكل كذلك فرصة للمستثمرين الأوروبيين خاصة في ظل اضراب سلاسل التوريد وارتفاع اجور النقل البحري، فقد وجدوا ضالتهم في تركيا التي انخفضت عملتها المحلية مقابل الدولار والذي يعني لها أجور تصنيع  ونقل أقل تكلفة وأيدي عاملة متدنية الأجور مقارنة مع الاتحاد  الاوروبي، ما دفع كثير من الممستثمرين والشـركات الكبرى لنقل جزء من غنتاجها وتصنيعها إلى تركيا.
   على أثر الحرب الروسية الاوكرانية والأزمات الخانقة التي ألقت بظلالها على العالم برمته وخصوصاص أوروبا، ما دفع الكثير من أرباب الصناعة في أوروبا إلى طرق أبواب المُصنّعين الأتراك لتصنيع منتجاتهم في كافة القطاعات خصوصاً البلاستيك والحديد والصلب، وكذلك نقل بعض خطوط  الإنتاج، كشركة Villeroy & Boch التي تعد من أهم العلامات التجارية في ألمانيا وأوروبا، التي أعلنت تسريح جميع عمالها ونقل كامل إنتاجها إلى تركيا، وذلك لعدد من الأسباب من أهمها (92): 

  • استقرار خطوط الإمداد بالطاقة في تركيا، وهو ما تعاني منه عموم دول أوروبا حالياً بشكل ملموس.

  • توفر الأيدي العاملة الماهرة، البنى العتحنتية المتميزة وبأجور أقل من دول أوروبا.

  • حرية التجارة والتسهيلات المقدمة من الحكومة التركية.

      إضافة إلى توقيع كل من تركيا والمملكة المتحدة اتفاقية التجارة الحرة بينهما عقب انسحاب الأخيرة من الاتحاد الأوروبي، وعلى إثر ذلك شهد العام 2021 نمواً في التجارة الثنائية بين البلدين بنسبة 20.2 % مقارنة بالعام الذي قبله؛ وغيرها من المؤشرات العديدة التي توضح مدى تعطش دول الاتحاد الأوروبي للمنتجات التركية، ومؤشراً على متانة العلاقات التجارية بين البلدين، حيث أن إجمالي صادرت المملكة المتحدة إلى تركيا خلال عام 2021 بلغت 7.8 مليار دولار، كما انها تمتلك حصة 19% من الاستثمارات الأجنبية في تركيا (93).
    أدى الانفتاح على التجارة العالمية وتدفقات رأس المال إلى توفير محرك لتحديث عجلة الاقتصاد التركي، حيث ازداد نصيب تركيا من الصادرات والواردات العالمية أربعة أضعاف منذ أوائل الثمانينيات، وارتفعت حصة التجارة من الناتج المحلي الإجمالي من (10%) في المائة إلى أكثر من (50%) في المائة؛ حيث أن الثقل الاقتصادي العالمي المتزايد لتركيا يمكن مقارنته بالتطورات في اقتصادات الأسواق الناشئة الكبيرة الأخرى مثل البرازيل والهند وروسيا، على الرغم من أنه لا يتطابق تمامًا مع أداء الصين أو أوروبا الشرقية(94).
السيناريوهات المستقبلية للمفاوضات التركية الأوروبية
    يعتبر انضمام الدولة التركية إلى الكيان الأوروبي من أهم أولويات سياستها الخارجية، ولذلك سعت جاهدةً لإجراء العديد من الاصلاحات داخلياً وخارجياً لتحقيق معايير وشروط الانضمام للاتحاد الأوروبي؛ ومع بدأ مفاوضات الانضمام بين تركيا - وأوروبيا في 3 أكتوبر عام 2005، والتي وصفت بعدم المرونة نظراً إلى العديد من الأمور كالقضايا الأرمنية، والقبرصية، إضافة إلى حالة الانقسام بين دول الاتحاد الأوروبي إلى مؤيدين ومعارضين لمسألة الانضمام؛ فضلا عن المدى الذي التزمت به تركيا في تطبيقها معايير اتفاقية كوبنهاجن (95).
    وبناء على ما سبق،  يتبين لنا أن مستقبل المفاوضات الأوروبية التركية، يتوقف على ثلاثة احتمالات، يمكن إيرادها على النّحو التالي:
السيناريو الأول: انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي
   بالرغم من الصعوبات التي تواجهها تركيا في انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن فرصة انضمامها ما تزال قائمة، وخصوصاً بعد التطورات في مسيرة المفاوضات التركية - الأوروبية، حيث تم الموافقة على فتح فصل جديد في قمة بروكسل عام 2013 يتعلق بالسياسة الإقليمية بعد 3 سنوات من التوقف، كما أكد الطرفين على رغبتهما في الإسراع بمناقشة قضية الانضمام (96). 
    وقد أشارت وزارة الشؤون الأوروبية التركية بأن مسألة توقف مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد والتي ناهزت الثلاث سنوات ونصف يمثل انعطافاً في تاريخ  العلاقات الأوروبية التركية وقد جاء ذلك في ختام الاجتماع العاشر في مفاوضات تركيا وأوروبا لعملية الانضمام، وأن ما وصلت إليه تركيا اليوم فيما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان هو أقرب ما يكون لمعايير الاتحاد الأوروبي (97).
    ومـا يعزز مـن فرصة تحقـق هـذا السيناريو، الأهميـة التـي تضطلـع بهـا الشـراكة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وأثرها على حل وتسوية المسالة القبرصية، الأمر الذي لا يمكن أن يتم تسويته، دون استمرار مسيرة المفاوضات مع تركيا كحافز يشجعها على تسوية الملف القبرصي (98). 
السيناريو الثاني: بقاء المفاوضات على ما هي عليه
    يأتي هذا السيناريو من فكرة مفادها، أن  تستمر المفاوضات  الأوروبية التركية على ما هي عليه بصورة بطيئة، ويبقى الاتحاد الأوروبي كما هو متردد في قبوله ضم دولة تركيا، الامر الذي سوف ينعكس على عملية التفاوض، خصوصاً في ضوء احتمالية أن تستمر عملية التفاوض فترة قد تمتد من (5-10) سنوات، وأن استمرارها على هذا الشكل، لا يعني بالضرورة أن تنتهي إلى ضم تركيا للاتحاد الأوروبي (99).
    ويمكـن تصـور هذا السناريو  من خلال النظر إلى والشـروط والتعقيدات التي يضعها الاتحاد الأوروبي، ويطالب تركيا الاتزام بها لنيلها العضوية الكاملة؛ وهي الحجج ذاتها التي تتذرع بها أوروبا، لرفض وعدم قبول انضمام تركيا وتمتعها بالعضوية، والتي تتمثل بمعايير الديمقراطية، وانتهاك حقوق الإنسان وتهميش الحريات، واحترام حقوق الأقاليات وسيادة حكم القانون، ومنها ما مرتبط بالمسالة القبرصية، والتي طالما خلقت تحفظات وانتقادات أوروبية، إزاء تركيا لعدم الاتزام بها (100).
   ويدرك الاتحاد الأوروبي مدى أهمية تركيا من الناحية الاستراتيجية، حيث أنه يمكن لتركيا أن تساعد الاتحاد الأوروبي في أرساء الأمن في منطقة جنوب المتوسط، لما تتمتع به تركيا من علاقات وطيدة مع دول الشـرق الأوسط، والتي تعتبر مصدر تهديد للاتحاد الأوروبي، وخاصة في ظل الظروف المتردية التي تشهدها المنطقة (101).
    ويـرى الباحـث مما سبـق بأنّ مـا يخـدم الاتحـاد الأوروبي أن تبقـى المفاوضات مستمرة على ما هي عليه، مع التذرع بأن تركيا لم تحق شروط ومعايير كوبنهاجن المطلوبة من قبل الاتحاد الاوروبي لقبول الانضمام، بالرغم من حجم الاصلاحات الكبير الذي قامت به تركيا خلال السنوات الأخيرة، سياسياص واقتصادياً وحقوقياً.
السيناريو الثالث: عدم انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي
يقوم هذا السيناريو على افتراض ومبدأ وصول المفاوضات بين الاتحاد الأوربي وتركيا إلى مسار مسدود بشان انضمام تركيا الكامل إلى الاتحاد، وذلك في ظل المخاوف استراتيجية وأمنية لدى الاتحاد الأوروبي نحو تركيا، والتي تتذرع بها بهدف أن تمنع تركيا من الحصول على العضوية، حيث ترى دول الاتحاد عدم توافق الثقافة والتوجهات الإسلامية لدى الجانب التركي مع المنطلقات والقيم  الأوروبية، وعليه فإنّ معضلة انضمام دولة مسلمة مثل الدولة التركية قد يعمل على خلق صراعات حضارية ويزيد من حدة توترها، بالإضافة إلى مخاوف متعلقة بتغير أو طمس الهوية الأوروبية، مما يعني وبحس وجهة النظر الأوروبية مزيداً من زعزعو الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي داخل أوروبا (102).
   إن ما يزيد مخاوف دول الاتحاد الأوروبي على الجانب الجغرافي، هو أنّ انضمام تركيا يعني أن حدودها ستصل إلى القوقاز، وأذربيجان وجورجيا، وأرمينيا، العراق، وسوريا وايران والذي سيجعل بالتالي دول الاتحاد تدخل بشكل أكبر في العديد من المشاكل في منطقة الشرق الأوسط وبالتالي تنتقل هذه المشاكل إلى الاتحاد الأوروبي (103). 
   أما ديمغرافياً، فإن عدد سكان تركيا  يبلغ أكثر من 80 مليون نسمة، أي ما يعادل سكان ألمانيا، وانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي سيجعلها تفرض  سيطرتها على المؤسسات الأوروبية، ما يؤثر على عملية صنع القرار في الاتحاد من خلال حصولها على مقاعد داخل البرلمان الأوروبي، إضافة إلى اليد العاملة التركية متدنية الأجرة، والتي ستشكل منافسا لليد العاملة الأوروبية، مما سيزيد معدلات البطالة في أوروبا، علاوة على أن انتشار السلع التركية رخيصة الثمن في دول الاتحاد سيؤثر على الصناعة المحلية (104). 
   تعد المشكلة القبرصية أحد الأسباب التي تحول دون انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، حيث يرى الاتحاد بأن انضمام تركيا غير ممكن دون الاعتراف بجمهورية قبرص، كما أن عدم التزام تركيا بفتح الموانئ والمطارات التركية أمام السفن والطائرات القبرصية، خلق حالة عدم الثقة لكلا الطرفين (105). 
   فـي حيـن أن الاتحاد الأوروبـي فيـرى أنه علـى الرغـم من مواصلـة تركيا للمفاوضـات للوصول إلـى تسوية عادلة وشاملـة وقابلة للتطبيـق للمشكلـة القبرصية فـي إطار المساعي التي يبذلها سكرتير عام الأمم المتحدة ووفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، إلا أن تركيا لم تلتزم بالتنفيذ الكامل للبروتوكول الإضافي المتعلق بالتفاقية الشراكة (106).
كما  تحول دون حصول تركيا على كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي، ومن هذه المعوقات هو تباطئ وصول تركيا الى المقاييس والمعايير الأوروبية المتعلقة بمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث أن الاتحاد الأوروبي يرى بأن تركيا لم تحقق الإصلاحات بالمستوى وفق معايير كوبنهاجن، كما أصدر الاتحاد الأوربي قرار يدين به استخدام تركيا للقوة ضد المتظاهرين الأتراك في احتجاجهم ورفضهم لقرار الحكومة بتحويل منتزه ميدان تقسيم في اسطنبول إلى مجمع تجاري في صيف 2013، والذي اعتبرته تركيا تدخلا في شأنها الداخلي (107).
   واعتبر الاتحاد الأوروبي أن القرار الحكومة التركية بحظر التويتر، هو خرق لمعايير الديمقراطية، وحرية التعبير، ونددت المفوضة الأوروبية المكلفة بالتكنولوجيات الجديدة واعتبرت أن قرار أردوغان بحظر تويتر في تركيا لا أساس له وعمل بلا جدوى، كما اعتبر رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز قرار رئيس الوزراء التركي وحظره للتويتر؛ بأنه تقييد للانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والصحافة الحرة( )؛ وكذلك المتحدث الرسمي باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال اعتبر قرار حظر تويتر صادم، ومتعارض مع حرية التعبير والتواصل والتي تشكل مبادئ أساسية (108). 
الخاتمة
    من منطلق مشكلة الدراسة الحالية وما تقوم عليه من أهدافٍ وتساؤلات، فقد أجابت الدراسة عن تساؤلاتها وحققت أهدافها، من خلال جمع المعلومات المرتبطة بأثر وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة على دول الاتحاد الاوروبي، وقد قامت الدراسة على فرضية رئيسية مفادها: كلما بقي حزب العدالة والتنمية في السلطة في تركيا أثر ذلك بشكل مباشر على العلاقات التركية الأوروبية في مختلف المجالات وعزز من دور تركيا الدولي والإقليمي.
   وقد أثبتت الدراسة الحالية صحة هذه الفرضية؛ حيث قاد أداء تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية وما قام  به من إصلاحات إلى تحويل تركيا محطاً لأنظار المستثمرين الدوليين، فقد تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر لتركيا حتى 2002 بما يعادل 15 مليار دولار فقط، في حين استطاعت البلاد جذب استثمار أجنبي مباشر يقدر بحوالي 240 مليار دولار أمريكي في الفترة ما بين عام 2003 و2021 أي في عهد حزب العدالة والتنمية ووصوله للسلطة، وعليه يمكن الخروج بهذه النتائج والتوصيات على ضوئها، وعلى النّحو التالي:
أولاً: نتائج الدراسة

  1. أن انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، متعلق بمدى التزامها وتطبيقها للمعايير والشروط الاوروبية التي يفرضها الاتحاد.

  2. هناك عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تعترض أساسا على انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، كفرنسا، وألمانيا، وقبرص، حتى وإن استطاعت تركيا إجراء الإصلاحات والوصول الى المعايير الأوروبية.

  3. إن أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، يمكنها أن تجري استفتاء، يغير من مسار انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، وان تركيا تعي هذا الامر و قبلت بواقعه.

  4. هنالك حجم كبير من الاستثمارات للاتحاد الأوروبي في تركيا رغم الحساسية العالية بين الطرفين، ربما يكون ذلك بسبب تخوف من تطور العلاقات الروسية التركية الذي يعتبر مصدر قلق للاتحاد الأوروبي. 

  5. ذكاء الإدارة التركية في استثمار العقبات والازمات، فمثلاً استغلت الأزمة المالية وهبوط سعر الليرة التركية في استجلاب استثمارات خارجية لانخفاض التكاليف على المستثمرين في تركيا.

  6. عززت اتفاقية الاتحاد الجمركي من العلاقات الاقتصادية وحجم الاستثمار المشترك، كما عززت من جودة المخرجات التركية نتيجة فرض اعتماد معايير الجودة الأوروبية وتشجيع الاندماج في شبكات الإنتاج الأوروبية.

  7. يرغب الاتحاد الأوروبي بالمحافظة على علاقاته ومصالحه الاقتصادية مع تركيا نظراً لحجم الاستثمارات والتبادل التجاري الضخم بين الطرفين، في الوقت ذاته يضع الاتحاد العقبات أمام انضمام  تركيا كعضوا كامل في الاتحاد الأوروبي.

  8. رغم التهديدات التركية المتكررة بفتح الحدود مع أوروبا أمام المهاجرين إلا أنها ما زالت تركيا متمسكة باتفاقية اللاجئين وذلك يعزى إلى أن الاتفاقية تخدم مصالح تركيا ومن ذلك المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي للدولة التي تحتضن أكبر عدد من اللاجئين. (وكذلك أوروبا تخفف من أحمالها والضغط على الموارد علاوة على تخوفها من العرب والمسلمين).

  9. ويفسّـر حساسية السلوك الأوروبي مع تركيا في أن علاقة تركيا مع أوروبا الأوروبية ليست محصورة في إيطار السياسة الخارجية فحسب، وإنما العلاقة متشابكة مع الشأن المحلي الأوربي؛ لا سيما الأمن والاقتصاد والبطالة والهجرة.

  10. هناك حذر بعض الشـيء من التصـريح بعدم قبول انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي وذلك لوجود رؤوس النووية التابعة لحلف الناتو محفوظة في مدينة أضنة في تركيا تحديداً قاعدة إنجيرليك.

  11. كانت سياسة تركيا الخارجية خلال الحرب العالمية الثانية تتسم بالحذر، ولذلك حاولت في عدم المشاركة في إنشاء تحالفات متضاربة خلال هذه الفترة؛ لأن هدفها الأساسي كان بائها مستقلة ولها سيادتها.

ثانياً: توصيات الدراسة

  1. التزام الدول الأوروبية بوعودها لتركيا بالموافقة على انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك لتعزيز التعاون المشترك في جميع المجالات.

  2. على كلا الطرفين التركي والأوروبي عقد المزيد من الاتفاقيات الاقتصادية لتعزز الاقتصاد المشترك وخلق فرص عمل للطرفين، بما يرفع من جودة المخرجات الصناعية لتبادل الخبرات.

  3. من المهم أن يتم الاستفادة من التجربة التركية في إدارتها للأزمات المالية واستثمارها للعقبات التي تواجهها؛ حيث أنها تشكل انموذجاً يحتذى به.

  4. من الهام الاستمرار في عقد اتفاقيات بين الطرفين بما يضبط عمليات الهجرة غير الشـرعية وستهيل مشاريع الهجرة ضمن سياق قانوني شرعي يحد من أعداد الغرقى ويضمن حقوق الإنسان.

  5. ضرورة عقـد اتفاقيات أمنية تساعـد فـي المحافظة علـى السلم المشترك بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبــي وتحييـد الخلافـات السياسية حفاظاً علـى سلـم  الشعـوب وأمانهم.

غلاف - متكرر - 6-01-01-01.png
bottom of page