السياسة ووسائل الإعلام الرقمية: تحوّلات وتحديات
Oct 11, 2023
وعد المومني

المقدمة
تُعَدّ وسائل الإعلام الرقمية، التي تعتمد بشكل أساسي على مشاركات الأفراد للصور والفيديوهات لأحداث فورية عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أبرز تطورات التكنولوجيا الاتصالية الحديثة، وقد فتحت هذه الوسائل أبوابًا جديدة للتفاعل بين الأفراد، حيث يُعَدّ الإعلام الرقمي مرحلة انتقالية تُسهم في تغيير هيئة الحكومات العربية والمجتمعات المدنية، بل وقد بلغت ذروته في ثورات الدول العربية، حيث لعبت دورًا سياسيًا هامًا يفوق تأثيرها على الأبعاد الأخرى إذ ساهم الإعلام الرقمي في توفير سرعة نقل المعلومات السياسية، مما ساعد على تشكيل الاتجاهات السياسية للأفراد وفقًا لوعيهم بالأوضاع السياسية.
ومن أبرز مميزات وسائل الإعلام الرقمية عن وسائل الإعلام التقليدية، هو أنها ليست مقتصرة على المحتوى الرقمي فحسب، بل تتميز أيضًا بزيادة التفاعلية مع الجمهور، فالأفراد ليسوا مجرد مستلمين للمعلومات، بل يشاركون ويتفاعلون مع المحتوى المقدم، حيث توفر وسائل الإعلام الرقمية منصة للتواصل والتفاعل بين المتلقين، وتمكنهم من التعبير عن آرائهم والمشاركة في الحوار العام، ولهذا يُعَدّ الإعلام الرقمي تطورًا هامًا في عالم الإعلام والاتصالات، حيث أنه يمكنه توفير محتوى فوري ومتاح للجميع، ويساهم في تعزيز التواصل والتفاعل بين الأفراد وتشكيل آراءهم واتجاهاتهم السياسية والاجتماعية، وفي الوقت الذي ينظر فيه للإعلام على أنّه أحد القنوات الهامّة التي تستطيع أن تصل بين المطالب الشعبية والحكومة، حيث تشكّل وسائل الاعلام الجديد أحد المداخل الرئيسية لدراسة العلاقة بين الدول ومجتمعاتها، وانعكاس ذلك على الاصلاح السياسي وتعزيز المشاركة السياسية([1]).
وقد طرحت قضية الدور الذي يُمكن أن تقوم به وسائل الاعلام الرقمي في عملية تعزيز المشاركة السياسية في البلدان العربية خلال السنوات الأخيرة بعداً جديداً لما شهدته تلك السنوات من تغيرات الحياة السياسية، فقد تمكّن الاعلام الرقمي من أداء أدوار مؤثرة في ثورات ما يطلق عليها الربيع العربي، وقد استحدثت تلك الوسائل وظائف جديدة كالتفاعل بين المواطن والسلطة والقدرة على الحشد الجماهيري وتنظيم المظاهرات وتبادل الخبرات في البلدان العربية التي تمر بنفس المرحلة وهو ما أدّى إلى تطور في الواقع الاعلامي([2]).
أسباب تفاعل الجمهور مع وسائل الاعلام الجديد([3])
أن البيئة السياسية في الدول العربية تجعل الرسالة الاعلامية الموجهة لتلك الشعوب مشكوك في مصداقيتها، كونها تتحدث بلسان حال الأنظمة الحاكمة وفي اتجاه واحد غالباً وبالتالي كان هناك حاجة لمثل ذلك الاعلام الجديد ليملئ فراغ تعدد الآراء دون التقيد برأي واحد.
أن الأضرار التي من الممكن أن تلحق بالمواطن عند مشاركته في مظاهرات أو الاعتراض على السياسات العامة للحكومة، أو حتى الاجهار برأي سياسي مخالف لرؤية النظام الحاكم جعلت الأحزاب ترى في الاعلام الجديد طوق النجاة للتخلص من القيود والتعبير عن حرية الرأي من خلالها.
الإعلام التقليدي أفقد ثقة الجمهور فيه، حيث أن الإعلام الرسمي لم يكن يسمح لأحد بمعارضة نظام الحكم، وكذلك الاعلام الخاص الموجه من أصحاب المصالح، وهو الأمر الذي أوجد ضرورة وجود متنفس للاعتراض .
عندما يشعر الفرد بأهمية مشاركته بالرأي في قضية معينة، وتفاعل الآخرين معه يجعله يعزز من علاقاته التي تزيد بفعل وسائل الاعلام الجديد لاكتسابه الكثير من الخبرات التي تؤهله لتطوير أداؤه. ولهذا كان المواطن يبحث عن وسائل اعلام غير تقليدية وغير مراقبة تتيح له التفاعل والمشاركة دون قيود أو خوف أو مصادره لآرائه، وبالتالي وجد المواطن ضالته في الخروج من القمع والتهميش وإنكار الرأي الآخرين في الإعلام الجديد، فأصبح انخراط المواطن في استعمال وسائل الاعلام الرقمي هو البديل الديمقراطي للتعبير عن الرأي والحق في ممارسة المشاركة السياسية وتبديد الخوف من الملاحقات الأمنية([4]).
وظائف الاعلام الرقمي من الناحية السياسية
مما لا شك فيه أن البيئة السياسية هي احد العوامل المؤثرة في فاعلية المشاركة السياسية، فالفرد الذي يتعرض لعوامل التنشئة السياسية يكون اكثر استجابة لمنبهات المشاركة السياسية، ولعل وسائل الاعلام الرقمي التي تتسم بفاعلية الاتصال وتبادل وجهات النظر وقبول الرأي والرأي الآخر تؤدي دوراً مؤثراً في عملية تشكيل الرأي السياسي من خلال التفاعل الالكتروني الذي يلجأ اليه مستخدمو الشبكة الالكترونية، وهنالك عدة مهام تقوم بها وسائل الاعلام الرقمي من الجانب السياسي ومن أبرزها([5]):
يساهم في رفع مستوى المواطنين بأبعاد الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يمر بها المجتمع.
يساهم في فاعلية التشارك الاتصالي، حيث لا يقتصـر دور الفرد على مجرد تلقي الرسائل المرسلة من المصدر بل إبداء الرأي في صياغة الأهداف العامة للمجتمع.
يستطيع أن يوجد إطار سياسي ديمقراطي يقنع المواطن بجدوى المشاركة ويساهم في رفع معدلاتها، ويسري ذلك على فاعلية الأحزاب والنقابات والجمعيات وجماعات المصالح.
يساعد الأحزاب والقوى السياسية على إثارة القضايا الجماهيرية فوجود هذه القضايا والتفاعل معها يرفع من احتمالات المشاركة.
يساعد على الاهتمام بالتنشئة السياسية منذ الصغر، والتربية على حرية التعبير والاختيار والابتعاد عن النموذج السلطوي في التنشئة.
مخاطر الإعلام الإلكتروني
تتميز عملية مواجهة مخاطر الإعلام الإلكتروني بالديناميكية على اعتبار أنها بالأساس حرب عقول يعلو بها الجانب الإبداعي عن المعرفي والجانب الفردي عن الجانب الجماعي وتسيطر عليها القدرة على المبادأة عن الاستعداد، في حين تعيش الرسالة الإعلامية في العصر الرقمي تحولًا جذريًا يتمثل في ثلاثة اتجاهات رئيسية، حيث يرى الاتجاه الأول أن الطبيعة الرقمية الجديدة للرسالة الإعلامية تفرض زخمًا عاليًا من التفاعل والنشاطية والحيوية على عملية استهلاك المعلومات وتبادلها وتخزينها وإنتاجها، وقد تجاوزت مصادر الرسالة الصحفية والإعلامية الرسمية، لتشمل دور المواطن في إنتاج ونشـر المعلومات، وهذا ما يُعرف بظاهرة "المواطن الصحفي"، كما أدت حالة الانفتاح بين الداخل والخارج في تدفق المعلومات إلى تغيير جذري في منظومة الإعلام، وبهذا أصبح لدى الأفراد القدرة على الانخراط الفعَّال في عملية الإعلام من خلال استخدام وسائل الإعلام الرقمية، يمكن للأفراد إنتاج المحتوى ونشـره عبر المنصات الرقمية، مما يسمح لهم بالتعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم السياسية والاجتماعية، وهذا يساهم في تنويع المصادر المعلوماتية وتوسيع نطاق الرؤى المختلفة([6]).
علاوة على ذلك، فإن حالة الانفتاح بين الداخل والخارج تساهم في تدفق المعلومات بسرعة كبيرة وبشكل غير محدود. يمكن للأفراد الوصول إلى المعلومات السياسية والاجتماعية من مصادر متعددة، سواء كانت رسمية أو غير رسمية، وذلك بفضل الشبكات الاجتماعية والمنصات الرقمية الأخرى، وهذا يعزز التواصل بين الأفراد ويسمح للرسائل السياسية بالانتشار بسـرعة واسعة، مما يؤثر في تشكيل الرأي العام واتخاذ القرارات السياسية، ولهذا يعد الاتجاه الذي يرى أن الرسالة الإعلامية الرقمية فرضت تفاعلًا ونشاطًا وانفتاحًا جديدين على عملية استهلاك المعلومات وتداولها وإنتاجها، يلقى تأييدًا كبيرًا في العصـر الحديث، إذ بفضل الوسائل الإعلامية الرقمية يصبح لدى الأفراد دورٌ فعَّال في العملية السياسية، حيث يمكنهم المساهمة في صنع القرارات وتشكيل الرأي العام بشكل مباشر وفعَّال([7]).
كما يَرى الاتجاه الثاني، أنّه على الرغم من صعوبة فرض مظلة على الإعلام الإلكتروني ككل إلا أن هناك فرصة لاستيعاب الجادين منه ومواجهة واحتواء المغرضين، وذلك عن طريق الاعتراف بالصحافة الإلكترونية كشكل من أشكال الصحافة والتي يجب أن تتاح الفرصة للعاملين فيها للانضمام إلى الكيانات النقابية الصحفية والإعلامية والتي من شأنها أن تعمل على ترشيد الخطاب الإعلامي عبر الإنترنت، وأن عدم إضفاء الشرعية القانونية على المواقع الإخبارية سيؤثر في جمهورها والثقة فيها من جانب الجمهور مع الحرص على تسهيل شروط الانضمام وتوافر الجدية([8]).
ويرى الاتجاه الثالث، أن مواجهة سلبيات الإعلام الإلكتروني تتطلب ليس فقط النظر إليه كمحتوى إعلامي بل النظر إليه كمحتوى ثقافي بالأساس عن طريق الاهتمام بالبعد الثقافي لدى المواطنين عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة، وهو ينطلق من حقيقة أن التطبيقات الخاصة بالإعلام الإلكتروني هي بطبيعتها محايدة ولكن تصطبغ بثقافة المستخدم([9]).
كما يرى هذا الاتجاه أن تقوم مؤسسات الدولة الثقافية والدينية والمجتمع المدني بتنمية ثقافة الحوار والتسامح وتحديث عمل مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة، وفتح الآفاق أمام الشباب لتوظيف تلك الثورة المعلوماتية على نحو يخدم التنمية ويشجع على الابتكار والإبداع. إلى جانب أهمية الفصل بين النشاط الإجرامي وبين النشاط السياسي الذي يأتي في إطار حرية الرأي والتعبير، وأن عملية حجب المواقع الإخبارية يجب أن تتم وفق أحكام القضاء والنيابة العامة وليس عبر السلطة التنفيذية([10]).
الخاتمة
تلعب وسائل الإعلام الرقمي دورًا مهمًا في العملية السياسية في العصر الحديث. فهي توفر قنوات جديدة للتواصل والتفاعل بين الحكومات والمواطنين، وتسهم في تشكيل الرأي العام والمساهمة في صنع القرارات السياسية، حيث أصبحت وسائل الإعلام الرقمي أداة قوية تؤثر في العملية السياسية بشكل كبير، فبفضل تطوّر التكنولوجيا وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي ومنصّات الإعلام الرقمي، أصبحت المعلومات والأخبار متاحة بشكل سريع وشامل للجميع، هذا يعزز الشفافية ويساهم في تعزيز المشاركة السياسية وتمكين الناس من المشاركة في صنع القرارات.
يعد الإعلام الرقمي أداة قوية لنقل المعلومات السياسية وتوعية الجمهور، حيث أتاحت الشبكات الاجتماعية والمنصات الرقمية الأخرى للأفراد الحصول على معلومات سياسية متنوعة ومتجددة بسهولة، كما يمكن للناس متابعة الأحداث السياسية الجارية، والتفاعل معها، والتعبير عن آرائهم ومواقفهم، هذا يساهم في تعزيز الوعي السياسي وتشكيل الرأي العام، وتقوم بتوفير وسائل الإعلام الرقمي منصة للمناقشات والحوار العام، يمكن للأفراد التفاعل مع المحتوى السياسي المقدم، والتعليق عليه، والمشاركة في النقاشات العامة، إذ يتم تبادل الآراء والأفكار والمعلومات بين الناس، مما يسهم في إثراء الحوار السياسي وتوسيع آفاق النقاش.
النتائج
تعد وسائل الاعلام الرقمي أداة قوية تؤثر في العملية السياسية بشكل كبير، حيث توفر الوصول السـريع والمتاحة للمعلومات.
يساهم الاعلام الرقمي في توعية الجمهور وتمكينه من المشاركة السياسية.
لجوء الحكومات إلى استخدام وسائل الاعلام الرقمي من أجل تنشيط العملية السياسية وتحفيز الأفراد على المشاركة فيها. تمكين الأفراد من حرية التعبير في مختلف القضايا السياسية من خلال استخدام وسائل الاعلام الرقمي.
قائمة المصادر والمراجع
أمين، جيهان. (2016). دور شبكات التواصل الاجتماعي في تنمية التواصل الوعي السياسي. رسالة ماجستير غير منشورة، معهد الدراسات التربوية، ص18.
بدوي، عبد الرحمن. (2019). آليات الحد من الآثار السلبية لوسائل الإعلام الجديدة في نشر التطرف الفكري بين طلاب الخدمة الاجتماعية من منظور اجتماعي. مجلة كلية التربية، ع183، ج3.
بشاي، محمد. (2022). الاعلام الرقمي والانعكاس السياسي. مجلة السياسة الدولية، مقالات رأي، مج1.
البصـراتي، محمد. (2014). دور الاعلام في تعزيز المشاركة السياسية. مجلة علوم الانسان والمجتمع، مج3، ع4، 387- 409.
جاويش، علياء. (2016). العلاقة بين الدولة ومحيطها الاجتماعي الثقافي في إطار التعددية الثقافية. المركز الديمقراطي العربي، دراسات وأبحاث.
حسن، حمدي. (2017). فرص وتحديات تنظيم الاعلام الالكتروني ما بين دور الدولة والمجتمع. مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
العباس، معمر. (2020). دور الاعلام في بناء الوعي السياسي لطلبة الاعلام في جامعة ذي قار- العراق. رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط..
عفان، الذهب. (2021). الإعلام الجديد ومدى تأثيره في المجتمع. المركز الديمقراطي العربي، دراسات وابحاث.
محمد، علا. (2017). دور وسائل الإعلام الرقمية في تفعيل المشاركة السياسية للشباب الجامعي: دراسة ميدانية لمشاركة طلاب الجامعة في الانتخابات البرلمانية 2015. المجلة العربية لبحوث الاعلام والاتصال، ع11.
نون، جمال ومراد، غسان. (2019). الفعل السياسي الرقمي في العالم العربي ومنومة القيم والتحولات. مركز الجزيرة للدراسات، دراسات اعلامية.
([1]) العباس، معمر. (2020). دور الاعلام في بناء الوعي السياسي لطلبة الاعلام في جامعة ذي قار- العراق. رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط..
([2]) بشاي، محمد. (2022). الاعلام الرقمي والانعكاس السياسي. مجلة السياسة الدولية، مقالات رأي، مج1.
([3]) نون، جمال ومراد، غسان. (2019). الفعل السياسي الرقمي في العالم العربي ومنومة القيم والتحولات. مركز الجزيرة للدراسات، دراسات اعلامية.
([4]) محمد، علا. (2017). دور وسائل الإعلام الرقمية في تفعيل المشاركة السياسية للشباب الجامعي: دراسة ميدانية لمشاركة طلاب الجامعة في الانتخابات البرلمانية 2015. المجلة العربية لبحوث الاعلام والاتصال، ع11.
([5]) البصراتي، محمد. (2014). دور الاعلام في تعزيز المشاركة السياسية. مجلة علوم الانسان والمجتمع، مج3، ع4، 387- 409.
([6]) حسن، حمدي. (2017). فرص وتحديات تنظيم الاعلام الالكتروني ما بين دور الدولة والمجتمع. مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
([7]) أمين، جيهان. (2016). دور شبكات التواصل الاجتماعي في تنمية التواصل الوعي السياسي. رسالة ماجستير غير منشورة، معهد الدراسات التربوية، ص18.
([8]) عفان، الذهب. (2021). الإعلام الجديد ومدى تأثيره في المجتمع. المركز الديمقراطي العربي، دراسات وابحاث.
([9]) بدوي، عبد الرحمن. (2019). آليات الحد من الآثار السلبية لوسائل الإعلام الجديدة في نشر التطرف الفكري بين طلاب الخدمة الاجتماعية من منظور اجتماعي. مجلة كلية التربية، ع183، ج3.
([10]) جاويش، علياء. (2016). العلاقة بين الدولة ومحيطها الاجتماعي الثقافي في إطار التعددية الثقافية. المركز الديمقراطي العربي، دراسات وأبحاث.