أبستمولوجيا الخطابات الاعلامية وأثرها على عملية صنع القرار السياسي
Oct 10, 2023

المقدمة
يُعتبر الإعلام حلقة الوصل بين صانع القرار والجمهور، وهو يتأثر ويؤثر في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إذ تعاني وسائل الإعلام في عالمنا الحديث من مشكلة التبعية للسلطة الحاكمة، من خلال الرقابة الشديدة التي تمارسها الأنظمة، حيث تشكل وسائل الإعلام الرأي العام من خلال سلسلة من التأثيرات، تمارسها على أفراد المجتمع، تنتهي بحشد رضاهم واتفاقهم على نقاط محددة حول قضايا معينة، كما يؤثر الإعلام على عملية صنع القرار عبر أربعة مراحل: أولهما، تحديد المشكلة ثم تحديد البدائل، واختيار المعلومات، ومن ثم تطبيق القرار، بحيث تعمل استراتيجية الإعلام على تقديم المعلومات المتناسقة في الاتجاه المؤثر في صنع القرار، أما العلاقة بين الرأي العام وصنع القرار السياسي فهي علاقة متبادلة، حيث يؤثر كلاهما في الآخر.
ومن العوامل المؤثرة في عملية صنع القرار السياسي نجد شخصية صانع القرار، التركيبة الاجتماعية والسياسية للمجتمع، المنظومة الأمنية، الرأي العام، وأخيراً الإعلام الذي يشير إلى عمليتين، الأولى هي استخراج المعلومات والحصول عليها، وتعني الكيفية التي تصاغ بها هذه المعلومات وتبث للجمهور المستهدف، والثانية إلى أي مدى تكون هذه المعلومات موضوعية، حيث تقوم وسائل الإعلام بهاتين العمليتين، لذا فإنها تساهم في صناعة القرار من خلال توفيرها المعلومات التي يحتاجها صناع القرار، كما تساهم في قبول أو رفض القرارات من طرف الرأي العام، إضافة إلى تعزيز الحوار بين الثقافات من خلال تبسيط الحوار بينهما، وتنمي الشعوب وتحفزها على التعاون والاتحاد([1]).
وتؤثر الخطابات الإعلامية على عملية صنع القرار السياسي من خلال تأثيرها على الجمهور والرأي العام، فعندما يتغير الرأي العام وتتحول الآراء والتوجهات السياسية، يمكن أن يتأثر صناع القرار السياسيون بتلك التغيرات ويضطرون للتكيف معها، قد تؤدي الخطابات الإعلامية أيضًا إلى زيادة الضغط على صناع القرار السياسيين لاتخاذ إجراءات محددة أو التراجع عن قرارات سابقة بناءً على التأثير العام والضغوط العامة التي يمكن أن تحدثها، كما تعتبر الخطابات الإعلامية أداة قوية تستخدم في الساحة السياسية لنشر الأفكار والمعلومات وتأثير الرأي العام، إذ تستخدم الخطابات الإعلامية عدة استراتيجيات للتأثير على عملية صنع القرار السياسي، مثل([2]):
تشكيل الرأي العام: يهدف الخطاب الإعلامي إلى تشكيل وتوجيه آراء الجمهور والرأي العام نحو قضايا معينة أو وجهات نظر سياسية محددة. يتم ذلك من خلال استخدام تقنيات التأثير اللغوي والإشعاعي والعاطفي لإقناع الجمهور وتشكيل مفاهيمه وتوجهاته.
إبراز الأجندة السياسية: تستخدم الخطابات الإعلامية لرفع قضايا سياسية محددة وتبرزها كأولويات في جدول الأعمال السياسي. يتم ذلك من خلال التركيز على بعض القضايا وتكرارها وتسليط الضوء عليها في وسائل الإعلام المختلفة، مما يؤثر في اهتمام الجمهور ومشاركته في النقاش السياسي.
إنشاء الهوية السياسية: تعمل الخطابات الإعلامية على بناء هوية سياسية للشخصيات السياسية والأحزاب والمجموعات، وذلك عن طريق استخدام أساليب الإقناع والتلاعب اللغوي لإبراز صفات معينة وقيم ومبادئ سياسية ترتبط بهذه الهوية. ويهدف ذلك لتعزيز التواصل والتعاطف بين الجمهور والشخصيات السياسية.
ومن هنا تبينت أهمية دراسة أبستمولوجيا الوسائل الاعلامية التي أحدثت تأثيراً في الفضاء الاعلامي والإتصالي للأفراد والمجتمعات، وكيفية توظيفه في عملية التواصل السياسي وآثاره المختلفة على صنع القرار السياسي، ومن الجدير بالذكر أن أثر الخطابات الإعلامية على عملية صنع القرار السياسي قد يختلف من شخص لآخر ومن سياق إلى آخر، فالتأثير يتعلق بعوامل مثل الثقة في وسائل الإعلام، وتوافر مصادر معلومات متعددة، والثقافة السياسية والتعليمية للفرد، والتجارب السابقة، وغيرها من العوامل النفسية والاجتماعية التي تؤثر على استجابة الفرد للخطابات الإعلامية([3]).
يظهر مصطلح "الأبستمولوجيا" Epistemologies في اللغة الفرنسية Epistemology في اللغة الإنجليزية ، ويتضح علاقته بنظرية المعرفة عند تحليله لغويًا .. فمصطلح Epistemology في اللغة الفرنسية مشتق من الكلمة اليونانية Episteme التي تعني "العلم" أو "المعرفة العلمية" والمقطـع "Logie" الـذي يعني في أصله اليوناني"Logos" أي "نظرية" ، وبالتالي فإن كلمة "أبستمولوجيا" تعني حرفيًا "نظرية العلم".
ويقدم "أندريه لا لاند" تعريفاً للأبستمولوجيا يرى فيه أن هذه الكلمة تعني فلسفة العلوم، والتي تعني دراسة نقدية لمبادئ العلوم وفروضها ونتائجها بغية تحديد أيها المنطقي "لا النفساني"، وقيمتها ومداها الموضوعي .
نظرية المعرفة أو الابستمولوجيا Epistemology كلمة مؤلفة من جمع كلمتين يونانيتينepisteme بمعنى علم وlogos بمعنى: حديث، علم، نقد، دراسة فهي اذا دراسة العلوم النقدية، كما تعتبر نظرية المعرفة أحد فروع الفلسفة الذي يدرس طبيعة و منظور المعرفة، المصطلح بحد ذاته (ابستمولوجيا) يعتقد أن من صاغه هو الفيلسوف الاسكتلندي جيمس فريدريك فيرير .
يعرفها لا لاند في معجمه الفلسفي بأنها فلسفة العلوم ، وهي تختلف بهذا عن علم مناهج العلوم (ميثولوجيا) لأن الابستمولوجيا تدرس بشكل نقدي مبادئ كافة انواع العلوم و فروضها و نتائجها لتحديد أصلها المنطقي و بيان قيمتها .
المراجع:
([1]) محمد، صبار. (2023). دور وسائل الاعلام في صنع القرار السياسي. مجلة سبل، ع17.
([2]) الزبيدي، منذر. (2013). دور وسائل الاعلام في صنع القرار السياسي. دار الحامد للنشر والتوزيع، ص228.
([3]) عبد المعطي، نها. (2018). دور وسائل الاعلام الجديد في صنع القرار السياسي في مرحلة التحول الديمقراطي. مجلة البحوث والدراسات الاعلامية، ع6.