مؤتمر الأعمال العربي الصيني المقام بالسعودية كنموذج للعمل الاستثماري الاستراتيجي
العلاقات العربية الصينية علاقات تاريخية قديمة بدأت منذ أن كان طريق الحرير شريان للتجارة بين العرب والصين، وفي عام 2004 أسّس "منتدى الحوار الصيني العربي" بين الصين وجامعة الدول العربية، وفي عام 2013، طرحت بكين مبادرة الحزام والطريق كأضخم...
Aug 16, 2023

مقدمة
تعتبـر الدراسـات والأبحاث العلمية مـن المواضيع الرئيسية التـي ساهمـت وساعدت بشكــل كبير فـي تطور وتقدم البشريـة، وتمكنت من دراسة مشاكلها وتقديم الحلول لها، وما كان التقدم العلمي الذي توصلنا إليه حالياً إلا ثمـرة انجازات كبيـرة وجهود نشطـة قدمها الباحثين من خلال تجاربهم وأبحاثهم وخبراتهم العميقة، وتكللت هذه الجهود بالنتائج التي أدت إلى إثـراء العلم وتقدمـه في شتى المجالا ت.
فلم تكن هذه الأبحاث والدراسات مجرد نتاج للتقدم العلمي الحديث وإنما هي جزء من الثقافة البشـرية وتفسير للعملية المستقبلية، مما يدل على أنها تستند إلى أسس علمية متعددة، فهي ذات طابع قائم على الجدل والإثارة وتُركز على الأهمية الحاسمة للبدائل.
والدراسات تشكل علماً وجهداً علمياً منظماً لتوضيح التحديات الحالية والمستقبلية، وميداناً من ميادين المعرفة يزداد الاهتمام بها في الدول المتقدمة فهي تشهد بذلك تطورات متلاحقة في مناهجها وأساليبها وتطبيقاتها حتى صارت لها مكانة مرموقة بين سائر ميادين المعرفة.
وهي وسيلة وأداة لوصف المستقبل ورسمه وتحديده بواسطة معطيات الحاضر وتطلعات المستقبل، فكانت أسسه الفكرية مستندة بشكل رئيسي إلى المعطيات العلمية؛ لتمكنه من الاستحكام والتثبت من معلوماته التي تخص الظواهر المتعددة والظاهرة المراد استشرافها على وجه الخصوص، من خلال اعتمادها على مناهج علمية مهمة قائمة على مبدأ التحليل وعلى استخدام أدوات علمية مثل الاستنتاج والتحليل والمقارنة والمنطق، إضافة إلى التزامها بالم وضوعية واستخدامها لوسائل المعرفة المختلفة لتحقيق الغاية التي تسعى إليها (نقاز، 2017).
وحسب قول ألبرت جيورجي عن البحث فهو "رؤية ما رآه شخص آخر، والتفكير فيما لم يفكر فيه شخص آخر"؛ فالحياة التي يستمتع بها الناس في الوقت الحالي والأشياء التي نقوم بها في دقائق والتي ظهرت في وقت سابق مستحيلة هي نتيجة الأبحاث والدراسات التي أُعدت لهذا الغرض، فالبحث العلمي له أهمية كبيرة تنعكس على المجتمع والعالم بأكمله، حيث تقوم البحوث العلمية بتحقيق التقدم والتطور في مختلف المجالات، كما وتساهم الأبحاث في دراسة الظواهر الطبيعية، والكشف عن أسباب حدوثها، وعن ماهيتها، ودراسة الكثير من الأمور التي تحيط بها وذلك بهدف الوصول إلى التبريرات المنطقية والتفسيرات الواقعية لها (تيسير، 2023).
ونظراً لحداثة الاهتمام بالعمل المستقبلي نسبياً، وعلى الأخص من قبل الدول النامية فإنه من الضـروري الإشارة إلى أهم المفاهيم والمصطلحات المُستخدمة أو ذات العلاقة باستشراف المستقبل والدراسات المستقبلية، حيث تتباين هذه المفاهيم في إشارتها للدراسات المستقبلية والتي من اهمها ما يلي (العجمي، 2019):
أولاً: علم المستقبل: فقد ظهر في الولايات المتحدة عام 1944م على يد السياسي الألماني أوسيب فلختايم لإدانة الماركسية، وهو مشتق من الكلمة اللاتينية Futurms"" التي تعني المستقبل، ومن الكلمة اليونانية Logos"" التي تعني العلم، وبالتالي فإن علم المستقبل Futurology ارتبط تاريخياً بالتبشير بمستقبل التكنولوجيا وتأثيرها الحاسم في تحديد صورة المستقبل بالنسبة للعالم ككل، كما أنه يعني التبشير الجزئي ببعض جوانب المستقبل.
ثانياً: الدراسات المستقبلية: وهو المصطلح الأكثر انتشاراً في العالم والذي تغلب على مصطلح علم المستقبل كونه يقتصر في مفهومه على التكنولوجيا وإهماله للجوانب الاجتماعية، فالدراسات المستقبلية هي جهد علمي منظم لدراسة صياغة مجموعة تنبؤات مشروطة تشمل المعالم الرئيسية للأوضاع في مجتمع أو أكثر عبر مرحلة زمنية مقبلة، فهي دراسات منظمة للمستقبلات المحتملة والممكنة والمرغوبة.
من خلال التعريف السابق يتضح لنا ثلاث انواع للمستقبل والتي تتمثل في: المستقبل الممكن، المستقبل المحتمل، ال مستقبل المرغوب.
ثالثاً: المستقبلات البديلة: وهو مفهوم يفترض أن الأفراد أو الجماعات ليسوا مقيدين بمسار محدد بذاته إلى مستقبل واحد، وأنه باستخدام قدراتهم على التنبؤ وصنع القرار يمكن أن تتوفر لهم الإرادة الحرة للاختيار من بين تشكيلة واسعة من المسارات والاختيارات المستقبلية.
رابعاً: الاستشـراف The Foresight: هو مصطلح لا يعني ضمان وقوع المستقبل بقدر ما يعطي قراءات تساعد في التحسب والتوقع، ويستند إلى طرق محسوبة ونظريات لها بعدها الرقمي، كنظرية الاحتمالات والتنبؤات الإحصائية.
أهداف الدراسات المستقبلية
محاولة استشـراف المستقبل تهدف إلى السيطرة عليه والتحكم فيه، والتي تفضـي في النهاية إلى صناعة عالم أفضل يتمكن الإنسان من العيش فيه، كما أنها تهدف إلى مساعدة صانعي القرار على اتخاذ قراراتهم ضمن سياسات حكيمة، فلم يكن الهدف منها هو الإنباء عن المستقبل، وتقديم تنبؤات غير شرطية وغير احتمالية بأحداث المستقبل، وبمنطلق أكثر تفصيلاً يمكننا القول أن الدراسات المستقبلية وسيلة تساعدنا على خلق مستقبل أفضل، من خلال ما تحقيقها للأهداف التالية (منصور، 2016):
تفسير الماضي وأخذ العبرة والحكمة منه، وتوجيه الحاضر من خلال تقديم معطيات والعمل على تحقيقها، تقديم المقترحات التي تساهم في تكيف المجتمع مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية السـريعة، فهي عبارة عن محاولة تقديم صور للمجتمع من حيث العادات والقيم الاجتماعية، ومحاولة تقديم نظم واتجاهات سياسية متوقع حدوثها في المستقبل، ومدى تأثيرها على النظم التعليمية التي ستسود المجتمع في المستقبل، توفيرها لقاعدة بيانات معرفية لازمة لتحديد الاستراتيجيات ورسم الخطط، فالعمل التخطيطي الجاد غالباً ما يكون مسبوقاً بنوع ما وبقدر ما من العمل الاستشـرافي، كاقتراح بدائل أولية مثلاً لمعدلات الزيادة السكانية، تقديم منهج زمني طويل الأمد لما قد يُتخذ من قرارات، فهو لا يقوم على أسلوب اتباع الماضي ولا على أسلوب العيش يوماً بيوم، أو حل المشكلات ومواجهة الأزمات بعد وقوعها؛ بل قائم على أسلوب العمل بنظرة طويلة الأمد وبحدود زمنية واسعة، إعادة اكتشاف قدراتنا ومواردنا وإمكاناتنا، واكتشاف طرق جديدة تقودنا لتحقق تنمية شاملة سريعة ومتواصلة، مساعدة أفراد المجتمع للعيش ضمن عالم مختلف، من خلال تقديم خبرات وتجارب سابقة، حتى لا ينصدم بالمستقبل، إضافة إلى تحقيق التوازن بين متطلبات الحاضر ومعطيات المستقبل.
يتضح مما سبق أن الأبحاث المستقبلية تكتسب طابعها وأهدافها وميزاتها النوعية داخل مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، فهذه الأبحاث لا تهدف إلى التكهن والتنبؤ بأحداث المستقبل أو بتقديم تكهنات غير مشـروطة وغير احتمالية؛ وإنما تعمل على تقديم فهماً واضحاً وحتمياً ومشروطاً للمستقبل، لذا تتعدد التوقعات التي يقدمها الاستشـراف، فهي لا تسعى لوضع الخطط والاستراتيجيات، حتى وإن كانت تفيد في توفير الأسس المعرفية اللازمة ورسم الخطط وتحديد الاستراتيجيات، كما أنها تفيد في الكشف عن المشكلات قبل حدوثها والاستعداد لمواجهة التغيرات المستقبلية والتعامل معها، إضافة إلى ذلك فهي تساعد في التنقيب عن الموارد والطاقات وبلورة الخيارات والامكانات المتاحة، وتسهيل المفاضلة بينها (Varum, Celeste & Melo, 2010).
فالدراسات المستقبلية عملية مدروسة تخضع لأساليب علمية واضحة، تقدم تصوراً مستقبلياً وفقاً لقاعدة علمية وبيانات وإحصاءات، وتهدف إلى تحديد عوامل واضحة في تشكيل المستقبل، وكيفية التعامل مع تلك العوامل وتوجيهها من أجل تحقيق الأهداف المنشودة التي تم وضعها مسبقاً، والاستعداد لمستقبل قادم بكل بما يحمله من مخاوف ومخاطر.
أهمية الدراسات والأبحاث المستقبلية
أصبح استشـراف المستقبل في عالم اليوم ضرورة ملحة في جميع الأمور وعلى كافة المستويات، فبعد أن كان صناع القرار يتعاملون مع قضايا محلية أو إقليمية، اكتسبت اليوم طابعاً أكثر عالمية وأبعد مدى وباتت أسبابها معقدة أو مرتبطة فيما بينها، ولأن السمة المميزة للعصـر الحالي هي التغير السـريع والمضـر، فإنه يتوجب على البشـرية الاستعداد له ومواجهته بجهد جماعي علمي يستشـرف هذه التغيرات وما تنذر به من تحديات، كما توجب على المنظمات والكيانات المختلفة التعرف على الاتجاهات المستقبلية وتغيرات السوق للبقاء والاستمرار، ويرى ألفين توفلر في كتابه صدمة المستقبل أننا سنواجه مصاعب متزايدة في فهم المشكلات إذ لم نستعن بالمستقبل كأداة للفهم ولتوضيح ما يمكن أن نفعله، ويتوجب علينا أن لا ننظر للماضي بحد ذاته بل ننظر إليه في ضوء معناه بالنسبة للحاضر والمستقبل، وقد زادت أهمية دراسة المستقبل بسبب ما يواجه عالم اليوم من مشاكل معقدة ومتشابكة، فالبحث المستقبلي يشكل أساس تطوير وتنمية المجتمع الحديث، ويرسم سياسات مستقبلية مرغوبة للتنمية في كافة المجالات والميادين (الساعدي، 2011).
كما أن الدراسات المستقبلية تساهم في خلق مستقبل أفضل بكثير لما تؤمنه من منافع متعددة التي من أهمها ما يلي (بل، 2016)، (بريش، 1989):
تساعد الدراسات المستقبلية في التخفيف من الكوارث والازمات من خلال التنبؤ بها قبل حدوثها والاستعداد لمواجهتها، الأمر الذي يؤدي إلى السبق والمبادأة للتعامل مع المشكلات قبل أن تحدث الكوارث، فقد كان واضحاً أن كثيراً من الأزمات الدولية كان يمكن بقدر قليل من التفكير والجهود المدروسة احتواؤها ومنع حدوثها، أو على الأقل التقليل من آثارها السلبية وتوابعها.
تنمية وتطوير الوعي للاهتمام بالمستقبل وتحريك العقل العلمي والفكر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بل والنفسـي العام، وتقدم رؤية طويلة المدى ومعارف متعلقة بها لأوجه متعددة للمستقبل.
القدرة على تحليل الظواهر، ودراستها بشكل أفضل عن طريق التفكير العلمي المنطقي، ومن خلال علاقة السببية: "لكل حدث سبب"، فمن هذا المنطلق يتم جمع المعلومات حول الظاهرة، ودراستها ثم تحليلها باستخدام الأدوات الدراسية المتعددة مثل الاستبيان والملاحظات والاختبارات والمقابلات وغيرها... للوصول إلى نتائج ذات قرائن واضحة وحلول جذرية.
التنبؤ بالأحداث المستقبلية، حيث يعد التنبؤ مساعداً في التعرف على أسباب تطور الظواهر من خلال وضع تصورات لها؛ بتحديد أرقام واقعية، ومن الأمثلة على ذلك الأرصاد الجوية وما تقدمه من توقعات خاصة بدرجات للحرارة في المستقبل، وكذلك تحديد أرقام اقتصادية خاصة بالأوضاع المالية خلال السنوات القادمة.
م عالجة ظواهر اجتماعية سلبية، من مشكلات اجتماعية تظهر في العديد من الدول، مثل انتشار المخدرات، أو زيادة نسبة البطالة، والزواج المبكر...، وإمكانية تحليل تلك الظواهر السلبية التي تمثل حاجز في سبيل تطور المجتمع وتطوره من خلال دراسة تلك الظواهر بأسلوب واضح ومنظم، ومن خلال وضع حلول أفضل، ذات كلفة أقل.
حل الإشكاليات العلمية المستعصية، بإجراء تجارب واختبارات علمية وفق طرق وأساليب دراسية محددة، فلم يتوقع أحد وجود علاج لحالات الصلع بطرق تكنولوجية حديثة، ولم يكن أحد يتوقع أن هناك من سيصل إلى أعماق الكون الواسع... وغير ذلك من مُكتشفات عديدة.
الخاتمة
تمكن الإنسان بما يمتلكه من قدرات ذهنية وإمكانات عقلية وفكرية من تحقيق التقدم على كافة الأصعدة والمجالات، من خلال محاولاته المتعددة والمتكررة بهدف البحث عما يجري من حولة من ظواهر والعمل على تفسيرها، في محاولة جادةً منه للوصول إلى عناصرها ومعرفة الأسباب التي تؤثر فيها وتتأثر بها، بهدف التحكم بها وتسيير أحداثها وتسخيرها لمنفعته.
ومن دون شك أن علم المستقبليات حاول وصف المستقبل ورسمه وتحديده بواسطة الحاضر واهتم ببناء الأسس الفكرية التي لا جدال فيها والتي تستند إلى معطيات علمية، والتي توصلنا إلى التحكم والتثبت من معلوماته التي تخص جميع الظواهر المراد استشرافها.
النتائج:
أهمية الأبحاث والدراسات المستقبلية في صنع مستقبل أفضل بفضل ما تؤمنه من منافع وخصائص على مختلف الأصعدة.
أنَّ محاولة استشراف المستقبل تساعدنا في السيطرة عليه، وصناعة عالم أفضل للعيش فيه ضمن إمكانيات وتطلعات أكبر.
أهمية الدراسات والأبحاث المستقبلية في تنمية وتطوير الوعي للاهتمام بالمستقبل وتحريك عجلة الفكر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي العام.
أهمية استشـراف المستقبل في تقديم رؤية طويلة الأمد ذات معالم واضحة متعلقة بها للاستفادة منها في أوجه متعددة بالمستقبل.
المراجع:
الساعدي، رحيم (2011). المستقبل في الفكر اليوناني والإسلامي: مدخل إلى علم الدراسات المستقبلية. دار الفراهيدي، بغداد.
العجمي، محمد (2019). واقع الدراسات المستقبلية في العلاقات العامة. المجلة العلمية لبحوث الإعلام وتكنولوجيا الاتصال، ع5.
جودة، محفوظ (2011). أسال يب البحث العلمي. جامعة العلوم التطبيقية الخاصة،
نقاز، شيماء (2017). الدراسات المستقبلية في العلوم السياسية. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة قاصدي مرباح، الجزائر.
بل، ويندل (2016). الدراسات المستقبلية وفلسفة العلم الحديث. ترجمة أمنية الجمل ومحمد العربي، مكتبة الإسكندرية، مصر.
بريش، محمد (1989). المدخل إلى علوم المستقبل. مجلة الهدى، ع21.
منصور، محمد (2016). توطين الدراسات المستقبلية في الثقافة العربية: الأهمية والصعوبات والشـروط، سلسلة أوراق، ع20.
تيسير، محمد (2023). أهمية البحث العلم ي وفوائده. مؤسسة المجلة العربية للعلوم ونشـر الأبحاث، على الرابط: https://2u.pw/wwCATgM
Varum, Celeste & Melo, Carla, Directions in scenario planning literature,Futurs, 42,2010, p:355 .