top of page

تحديات تجاوز الراديكالية وتعزيز منظومة الامن خلال عقدين في الجزائر: تجربة مهمة وسط تحديات إقليمية ودولية – ملاحظات أولية

تعيش الجزائر حاليًا في وسط يعج بالتحديات الأمنية، حيث أصبحت محاصرة بـحزام ملتهب، نظرًا لموقعها الإستراتيجي كونها الدولة المغاربية الوحيدة التي تجمع حدودها كل جيرانها؛ ومن منطلق أن هذه الحدود أصبحت تشكل تهديدًا...

Oct 14, 2023

أ.د. بوحنية قوي

تحديات تجاوز الراديكالية وتعزيز منظومة الامن خلال عقدين في الجزائر: تجربة مهمة وسط تحديات إقليمية ودولية – ملاحظات أولية

السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات ([1]) كاداة قانونية لحماية الحوكمة الانتخابية

      عقب فوز السيد عبدالمجيد تبون بالانتخابات الرئاسية بنسبة بلغت 66.80 % لم يمضـي عام على توليه سدة الحكم ووفاء بالتزامه بإجراء تعديل دستوري عميق  فقد جرى الاستفتاء على الدستور  في تاريخ 1 نوفمبر 2020 وهو تاريخ يحمل رمزية عالية في المخيال الجمعي الجزائري .

      للإشارة فقد شهد الاستفتاء على التعديل نسبة مقاطعة متوسطة  إذ بلغ عدد الأصوات المعبر عنها 5 مليون فقط من أصل 23 مليون مسجلاً في الهيئة الناخبة وهو ما يمثل نسبة 23 % .

      لقد ساهم إقرار الدستور الذي كان نفقا ضروريا لا بد للعبور خلاله في تدارك الدولة من الانهيار ورفض سياسة القفز في المجهول. ([2])

      للإشارة فقد عرفت الجزائر محطات دستورية متفرقة تراوحت بين التعديلات العميقة والدساتير الجديدة وكانت على التوالي دستور 1963، دستور 1976، دستور 1989 ، دستور 1996 الذي عدل 3 مرات في سنوات 2002و 2008 و 2016 وصولا إلى الاستفتاء حول التعديل الدستوري لسنة 2020 .

      واستعداد للانتخابات التشـريعية أكد رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات السيد  محمد شرفي أن القوائم المقبولة كليا ودون تحفظ لخوض غمار تشـريعيات 12 جوان القادم  بلغ عددها 1483 قائمة منها 646 قائمة حزبية و837 قائمة من المترشحين الأحرار.

      وأوضح شرفي في لقاء صحفي عقب الاجتماع الذي جمعه بممثلي 16 حزبا سياسيا بمقر السلطة يوم 09 ماي أن هذه الأخيرة استقبلت 4900 قائمة عبرت عن رغبتها في المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة وسحبت الاستمارات.

      وبلغ عدد القوائم التي أودعت الاستمارات 2490 من بينها 1237 تابعة لأحزاب سياسية و1253 قائمة حرة - حسب شرفي- الذي أشار إلى أن  عدد ملفات المترشحين التي تم إيداعها لدى السلطة بلغ 25416 ملفا من بينهما 12854 ملفا تقدمت به أحزاب و12562 من الأحرار.

      وأضاف  أن القوائم المقبولة "كليا و دون تحفظ"  بلغ عددها 1483 قائمة منها 646 قائمة حزبية و 837 قائمة من الأحرار.

      ولدى تطرقه إلى الأسباب المؤدية إلى رفض قوائم عن غيرها، قال  شرفي بأنها تتمثل في الصلة مع أوساط المال والأعمال المشبوهة (1199 قائمة مرفوضة) والمحكوم عليهم نهائيا بعقوبة سالبة للحرية (281 قائمة) ونقص الوثائق المطلوبة (410 قائمة).

      كما عدد ذات المسؤول أسبابا أخرى أدت إلى  رفض  بعض القوائم منها شرط السن الذي تم بموجبه رفض 89 حالة وعدم التسجيل في القائمة الانتخابية (رفض 129 مترشح) والوضعية تجاه الإدارة الضـريبية (رفض 72 حالة) والخدمة الوطنية (62 حالة) إلى جانب سبب صلة القرابة بين أكثر من شخصين في القائمة الواحدة الذي تم بموجبه رفض 7 حالات ترشح وسبب شغل وظيفة غير قابلة للترشح (3 حالات)([3]).

      تعهد رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في الجزائر محمد شرفي، بحماية الأصوات في الانتخابات البرلمانية المقررة 12 حزيران/ يونيو الجاري، وذلك خلال مؤتمر صحفي له خصص لتقييم الأسبوع الثاني من الحملة الدعائية للبرلمانيات.

      وأعلن شرفي أن "عهد العلبة السوداء انتهى، وانطلاق الجزائر الجديدة - وهو شعار الولاية الرئاسية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبـون - سيكون خلال هذا البرلمان"، مشيراً إلى أن "سلطة الانتخابات جاهزة من كل النواحي بما فيها الالتزام القانوني والأخلاقي لحماية أصوات الناخبين".

      وأوضح شرفي، أن "الحملة الانتخابية الجديدة عرفت منذ بدايتها وإلى حد الآن تنظيم 6.098 نشاط منها 2.786 خاص بالأحزاب السياسية و3.309 خاص بالقوائم المستقلة".

      وكشف أن عدد التجاوزات المسجلة خلال هذه النشاطات قدّر بـ"400 تجاوز تتعلق أساساً بالملصقات العشوائية وعدم احترام البروتوكول الصحي في الجزائر خلال التجمعات الشعبية، ما أدى في بعض الحالات إلى تدخل مندوبي السلطة الوطنية المستقلة    للانتخابات لتوقيفها". ([4])

استمدت  الانتخابات التشـريعية خصوصيتها من خلال الملامح التالية :

  1. هي أول انتخابات تشـريعية تأتي في ظل حكم الرئيس عبد المجيد تبون بعد قرار اتخذه الرئيس بحل البرلمان السابق بتاريخ 01 مارس 2021 بموجب مرسوم رئاسي رقم 21/77 والذي اعتبر بمثابة برلمان غير شرعي في نظر المعارضة  إذ على مدار أكثر من عقد تم تمرير عديد القوانين بمراسيم رئاسية دون العودة إلى المؤسسة التشـريعية وهو ما غيّب حالة المشاركة السياسية الحقيقية وتفشـي ظاهرة شراء الأصوات وغياب ما أضحى لاحقا يسمى"الأخلقة" السياسية وهو قرين للكفاءة المدنية السياسية المطلوبة .

  2. تعتبر أول انتخابات تتم دون اسناد من المنظمات الجماهيرية التي كانت تملا الفضاء السياسي وتمارس التخوين السياسي ضد من يعارض مسار السلطة ، وبروز أقطاب سياسية وجمعيات وحركات مجتمع مدني جديدة مختلفة المشارب ومتعددة الاهتمامات  بسبب تسهيل السلطة إجراءات الترخيص ومنح الاعتماد لآلاف الجمعيات الوطنية و الولائية والمحلية.

  3. تتميز الانتخابات بأجواء يطبعها حالة عدم اليقين وعدم التأكد uncertainty ففي المواعيد السابقة الانتخابية كانت أحزاب السلطة تضمن نصيبها بالغالبية النسبية أو المطلقة وهو ما هو غير موجود في هذه المحطة الانتخابية بل إن بعض أحزاب السلطة على غرار حزب جبهة التحرير أُسِقطت كثير من قوائمها في ولايات مهمة وبعضها أُسقطت منها رؤوس ثقيلة تنتمي إليها  بدعوى شبهة المال الفاسد نتيجة التحقيقات الإدارية الأمنية وتم تعويضها لاحقا بأسماء جديدة.

  4. هذه الانتخابات استدعت  مفاهيم القبيلة والعرش والجهة بقوة وهو ما برز في الولايات الداخلية والتي تعطى فيها الأولوية في السلوك التصويتي للدوائر الضيقة والحساسيات الجهوية على حساب الانتماء الحزبي بل أن استدعاء هذا المعطى يبرز حتى داخل القائمة الواحدة بسبب استحدث نظام انتخابي جديد([5]) اعتمد نظام "القائمة المفتوحة" وهو ما جعل أغلب المترشحين داخل القائمة الواحدة يمارسون الدعاية الانتخابية لصالحهم على حساب القائمة الواحدة.

  5. مكَّن نظام الانتخابات الجديد من إعطاء الأولوية للمشاركة للشباب بهدف التمكين السياسي لهم وألغى الإجراءات المعمول بها في النظام القانون العضوي السابق والمسمى بقانون توسعة حظوظ المرأة في المجالس المنتخبة والذي اثبت عدم كفاءته التشـريعية في ظل هيمنة السلطة التنفيذية.

  6. مكن النظام الانتخابي الجديد من التخلص من وجوه قديمة عشّشت في مبنى زيغود يوسف لأكثر من عهدتين فقد منع النظام الانتخابي الجديد إمكانية الترشح لأكثر من عهدتين وهو ما أقصـى رؤساء أحزاب وشخصيات سياسية راديكالية حسبت على اتجاهات بعينها مثل زعيمه حزب العمال السابقة لويزة حنون وكثير من نواب الولايات الداخلية.

  7. تماهت الحدود بين مختلف التشكيلات السياسية في الحملة الانتخابية والتي استمرت لثلاث أسابيع بحيث لم يظهر في الخطاب أي ملامح يتمكن الباحث من خلاله من الفصل بين الاتجاهات السياسية الوطنية والإسلامية والعلمانية ، المعارضة، والمؤيدة وبرزت الخطاب السياسي في أغلبه هش لا يحمل ملامح واضحة ، غير سياسات الوعود العامة بحيث أن قراءة عميقة في الخطاب من الناحية السميولوجية يظهر أن كثيرا من المترشحين لا يفرقون بين دور نائب البرلمان ودور المنتخب في المجالس المحلية.

  8. ارتفاع عدد المترشحين في الولاية الواحدة رغم كون عدد المقاعد الانتخابية محدودا ويعود ذلك إلى اعتبارات كثيرة منها ما ارتبط بالوعود التي قطعها الرئيس تبون بضمان نزاهة العملية الانتخابية ومنها ما ارتبط بالمترشحين أنفسهم والذين يُعّدون أنفسهم لموعد الانتخابات المحلية والمتوقع إجراؤها قبل نهاية 2021 إذ تمثل هذه الانتخابات "تربصاً مغلقاً" استعدادا للموعد المقبل والذي يشهد عادة احتداما كبيرا ولغطا سياسيا واجتماعيا واسع الانتشار.

  9. تقديم تسهيلات كبيرة للقوائم الحرة من حيث عدد التوقيعات المطلوبة للترشح  على عكس ما سبق والتي ارتبطت بنظام العتبة الانتخابية التي كانت عائقا كبيرة أمام انخراط الوجوه الجديدة في العملية السياسية .

  10. بالنظر إلى قانون الانتخابات الجديد فقد لوحظ غياب التجمعات الجماهيرية الضخمة والتي كانت تتم تحت أشراف الإدارة لغرض توجيه السلوك الانتخابي لصالح توجه بعينه والاستعاضة عنها باللقاءات الجوارية والتجمعات الصغيرة لغلبة منطق الاتصال الشفوي والوجاهي على حساب التجمعات الاستعراضية المكلفة وغير المجدية خصوصا مع تفعيل وتعزيز أحكام المرتبطة بالجرائم الانتخابية ناهيك عن ظروف جائحة كورونا التي حتّمت الالتزام بالبرتوكول الصحي الخاص بالتباعد الجسدي وهو ما لم يتم التقيد به في لقاءات كثيرة.

حديث ما بعد الانتخابات التشريعية - الحصيلة والقراءة:

بالنظر  إلى ما سبق بهذا الصدر أقر التعديل الدستوري وميّز بين فرضيتين في مسالة "ترؤس الحكومة" :

  • من قبل وزير أول في حالة ما أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية أي نفس أغلبية رئيس الجمهورية وهنا يكون رئيس الجمهورية حرا في اختيار الوزير الأول وليس هناك ما يقيد الرئيس في اختياره للوزير الأول ولا تقيده باستشارة الأغلبية البرلمانية وهنا يكلف الرئيس الوزير الأول باقتراح تشكيل الحكومة ويقوم ها الأخير بإعداد مخطط عمل الحكومة وليس برنامج الحكومة ويقدم المخطط إلى المجلس الشعبي الوطني للموافقة عليه.

  • الفرضية الثانية فيترأس الحكومة رئيس حكومة في حالة ما أسفرت الانتخابات التشريعية على أغلبية مغايرة للأغلبية الرئاسية وفي هذه الحالة يعين رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية ويكلفه الرئيس بتشكيل الحكومة في أجل أقصاه 30 يوما بإعداد برنامج الحكومة من برنامج الأغلبية أللبرلمانية وإذا لم يصل رئيس الحكومة و إلى تشكيل حكومة في غضون 30 يوما يعين رئيس حكومة جديد ويكلفه بتشكيل الحكومة وفي هذه الحالة يعرض برنامج الحكومة على مجلس الوزراء ثم يعرض على المجلس الشعبي الوطني  وفي هذه الحالة رئيس الحكومة له صلاحيات تشكيل الحكومة ويقدم برنامج الحكومة وليس مخطط العمل وبهذا يكون المشرع وفق الدستور الجديد قد عزز إمكانية التعايش بين الرئيس المنتخب  والحكومة.([6])

       من ناحية ثانية أمام البرلمان المقبل عملية صعبة تتمثل في تطوير وتعزيز العملية التشريعية والتخلص من هيمنة السلطة التنفيذية والخروج من القراءة الأحادية للنصوص .

       نسجل بهذا الصدد الدور المهم والايجابي الذي تلعبه السلطة الوطنية للانتخابات وإمكانية النظر في تشكيلتها وتعزيز مهامها وتمكينها من الارتقاء القانوني الأخلاقي الذي يفرض ويعزز استقلاليتها المالية والتنظيمية والأخلاقية بعيدا عن الوجوه التي شكلت مشهدا سياسيا بائسا غير محايد.

      بعد الانتخابات التشـريعية بدأ الحديث عن  دور المحكمة الدستورية([7]) الذي يجب أن يُفَّعل وتفعيله يكون بالتسـريع بتأسيسها وفق ما ينص عليه الدستور في مادته ورغم إن الدستور الجديد أورد في أحكامه الانتقالية انه يتم العمل بالمؤسسات الدستورية وفق أحكام القانون في انتظار تنصيب المؤسسات الدستور الجديدة ، مما يجعل المجلس الدستوري مكبلا في الوقت الحالي إذ لا يمكن أن يمارس دوره ودور المحكمة الدستورية معا. فالمجلس يمارس مهامه وليس مهام غيره خصوصا عندما يتعلق الأمر بالعملية الانتخابية وإجراءات الطعن التي اقرها قانون الانتخابات الجديدة والتي يجب أن تتم ضمن الآجال وأمام المحكمة الدستورية ناهيك على أن المجلس الدستوري لا يصدر قرار اً وإنما آراء بينما إصدار القرارات من صلاحيات المحكمة الدستورية.

      هذا من الناحية الدستورية وهذا الشق تحديدا يرتبط بالشق الهام والذي تم استحداثه كميكانيزم لمراقبة التمويل والتمويل المشبوه للحملات الانتخابية  درء للشبهات ولانتشار المال الفاسد الذي تفشـى طيلة العقود السابقة.

      ومن ناحية إدارة نظام الحكم يبدو الرئيس تبون أمام مهمة مستقبلية ترتبط حسب الباحثين في نظريات الحكم وإدارة السلطة بفحص القواعد القانونية التي تنظم هذه المسالة وتعقب السوابق التاريخية التي جرى العمل بها وتواترت عليها الممارسة الفعلية وتتمثل في التقنين الكامل والتحديد الصارم لكيفية إتمام هذه العملية بكافة إجراءاتها دون ترك مجال للصدفة ([8]) مع فتح المجال للخبرات الخلاقة التي تساهم في إغناء المشهد السياسي والانتخابي ويكون ذلك بتعزيز مؤسسات الشفافية  وحقوق الإنسان والمجتمع المدني باعتبارها قوى فاعلة .

      إن تساؤلات ومهمات عويصة وملفات معقدة تنتظر البرلمان المقبل منها ما هو مرتبط باسترجاع الأموال المنهوبة وإعادة صياغة قوانين مكافحة الفساد و التي وعد بها الرئيس بالإضافة إلى ملف الذاكرة باعتباره أحد الملفات حساسية في التعاطي مع الموروث التاريخي المرتبط بملف التعامل مع المستعمر الفرنسي .

      لا تزال فئات واسعة من الشعب الجزائري تؤمن بعدم جدوى العملية الانتخابية ويبدو العمل السياسي والانتخابي في حاجة ماسة إلى حوكمة انتخابية حقيقية تراعي امتلاك النظام القدرة على إرساء ثقافة سياسية ديمقراطية تبدأ بتغيير النظرة إلى العملية الانتخابية في معناها وآلياتها وأهدافها لأن العقلية السياسية السابقة الحاكمة اتخذت من احتكار السلطة والبقاء فيها بمثابة والخلفية الحاكمة لكل تصـرفات السلطة السابقة إلى درجة حولتها إلى مجرد سلطة انتخابية ([9]) توظف كل طاقاتها مثلما تستغل امكانيات الدولة لخدمة أغراض انتخابية للسلطة السابقة كعمل يومي يمتد على طول الفترة الفاصلة بين كل عملية انتخابية وأخرى.

قراءة  في نتائج الانتخابات التشـريعية الجزائرية وسؤال إعادة الهندسة؟

مدخل إعادة بناء المجال السياسي  والانتخابي  في المستقبل

أ) قراءة في النتائج النهائية المعلنة من طرف المجلس الدستوري:

إن الانتخابات عملية متعددة الأطراف تقتضي التكامل والتوازن وذلك بقيام كل طرف بما عليه ليضمن ماله وإن أي انحراف أو خلل في هذا التناغم  يخلّ بالسير الحسن  لمجمل العملية الانتخابية ، الشـيء الذي ينعكس سلباً على الشـرعية وقدرة المسؤول على التصدي للشأن العام بثقة واقتدار، وقد شكل الوضع الذي تميزت به الانتخابات التشريعية حالة غريبة مقارنة بمحطات انتخابية كثيرة ومتعددة إذ أن هذه الانتخابات سجلت أدنى نسبة مشاركة منذ عهد التعددية الحزبية وقد شكل حزب " الصامتين المقاطعين " أعلى نسبة في الوقت الذي سجل فيه حزب الأوراق الملغاة التي تجاوزت المليون صوتاً  ظاهرة جديرة بالبحث والدراسة .

      لقد جاء السياق العام لهذه الانتخابات مفتوحا على جميع الاحتمالات بسبب المناكفات السياسية بين الاتجاهات المتضاربة بين الخيارين السياسي والدستوري  وقد صرح الرئيس بعد أدائه لواجبه الانتخابي أن نسبة المشاركة لا تعنيه على اعتبار أنها ظاهرة طبيعة في كل الديمقراطيات في حين رآه خصومه رفضاً صريحاً لأحد عناصر مقومات الشرعية السياسية.

      من الناحية اللوجستية شكلت الهيئة الناخبة ما يتجاوز 24 مليونا  بلغ المصوتون منها نسبة 23 بالمائة لأغير في حين بلغ عدد الأوراق الملغاة مليون و 16 ألفا في عميلة أطرها 113100 فردا تحت يافطة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.

وقد أشار رئيس السلطة إلى 156 تجاوزا خلال يوم الاقتراع منها ما ارتبط بتكسير صناديق الاقتراع  وتسريب القسيمات وقد تم إحالة العشرات على النيابة العامة.

      ورغم حجم التذمر والطعون من طرف جهات من الحراك وبعض التشكيلات السياسية التي عمّرت تحت قبة زيغود يوسف وخرجت خالية الوفاض في هذه الانتخابات ، فقد بلغت الطعون التي وصلت المجلس الدستوري 348 طعنا تم قبول 48  طعنا في الموضوع باعتبارها طعوناً مؤسسة ذات سند قانوني فيما تم رفض 300 طعناً في النتيجة وفي ضوء دراسة الطعون تم إلغاء النتائج المسجلة في بعض الدوائر الانتخابية وهو ما نتج عنه تعديل في توزيع المقاعد وبالنظر إلى تطبيق القانون 01-20 المتعلق بنظام الانتخابات والقاضي بالإلغاء الضمني للكوتة المخصصة للمرأة وتمكين الشباب ومحاربة المال الفاسد ، فقد حصلت فئة الشباب على 136 مقعداً و 35 مقعدا للمرأة و 274 مقعدا لذوي المستويات الجامعية وهو ما يعد بلغة الأرقام إضافة تحسب للمؤسسة التشـريعية الحالية بغض النظر عن درجة فعالية أدائها مستقبلا.

ب) قراءة تعقيبية على الأرقام :

تشير نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية إلى كونها أخفض نسبة تعرفها عميلة المشاركة السياسية في الجزائر إذ شهدت نسبة المشاركة في تشريعيات 2012 ما نسبته 43.14  بالمائة  في حيت انخفضت النسبة إلى 35.37 بالمائة في 2017 لتبلغ القيمة الدنيا في 2021 لتصل 23 بالمائة .

      بقي عدد الأصوات الملغاة في حدود المليون صوتا يزيد ولا يقل منذ تشـريعات 2012 وهو ملمح مهم فحواه أن جزءً كبيراً من الهيئة الناخبة ترى في الورقة الملغاة أو المشطوبة أداة مهمة للتصويت العقابي والتعبير عن التذمّر من الحياة السياسية.

      من ناحية أخرى شكل الأحرار صعودا في الغرفة السفلى بـ 84 مقعدا لكنهم سرعان ما تداعوا لمؤازرة الرئيس في توجهاته السياسية الراهنة لإعادة تشكيل  الجزائر الجديدة كما ورد مختلف في البيانات المساندة الصادرة عنهم بمجرد إعلان فوزهم في الانتخابات .

      ووفق هذه الرؤية وجد  الرئيس عبدالمجيد تبون نفسه في حل من أي تبعات و اكراهات حزبية تلزمه بتبني خيار الأغلبية البرلمانية التي لم تتشكل وإنما التزم بتعيين وزير السابق في حكومة عبد العزيز جرد "أيمن عبد الرحمن "- كوزير أول باعتباره يمتلك ما سمي في الدستور المستفتى عليه الأغلبية الرئاسية وهو خيار تم تبنيه طبقا لأحكام الدستور لا سيما المادة 91 الفقرتان 5 و 7 منه.

      تعد المؤسسة التشـريعية الجزائرية ذات مسار تاريخي حافل فقد عاش البرلمان 9 عهدات تشـريعية ب 11 رئيسا وهي مسيرة كللت 59 عاما من العمل السياسي التشـريعي الذي ظلت المؤسسة التنفيذية مهمينة فيه على مجمل قراراتها رغم سن كثير من النصوص القانونية التي كان يفترض أن ترتقي بعمل المؤسسة التشريعية  على غرار قانون توسعة تمثيل حظوظ المرأة في المجالس المنتخبة أو قانون حالة التنافي في العهدة البرلمانية حتى يتمكن النائب من التفرغ لعهدته النيابية ولكن رغم ذلك ولطبيعة النظام الرئاسوي المشدد بقيت المؤسسة التشـريعية شبه مشلولة لاعتبارات عديدة لعل أولها سيطرة المال السياسي الفاسد ناهيك عن دور مؤسسة الرئاسة في العملية التشـريعية والتي استندت إلى مختلف الدساتير السابقة بتعديلها للتشريع بأوامر رئاسية .

      وعند ملاحظة نسبة المشاركة سيتضح أن الحواضر الكبرى شهد مشاركة دون المتوسطة عن الفعل الانتخابي على غرار العاصمة وسطيف وقسنطينة وبومرداس وقد امتد هذا السلوك إلى الحواضر الداخلية  ناهيك على المقاطعة الكبيرة لمنطقة القبائل خصوصا ولايات تيزي وزو وبجاية والبويرة والتي سجلت أخفض نسبة لم تصل 1 بالمائة حسب الحصيلة المثبتة من طرف المجلس الدستوري إذ سجلت نتائج شبه معدومة بلغت في بجاية (0.42 %) وتيزي وزو (0.90 %) والبويرة (11.42 %).

      كما شكلت النسب الصفرية التي حصلت عليها تشكيلات عمرت طويلا في البرلمان علامة جديرة بالدراسة سواء تعلق الأمر بالأحزاب ذات الاتجاه الجمهوري والوطني على غرار حزب التحالف الوطني الجمهوري  وصولا إلى الجبهة الوطنية الجزائرية  وصولا إلى حزب تاج و حركة النهضة أو حركة الإصلاح الوطني وهو ما أكد المقاربة السياسية التي ترى أن كثيراً من الأحزاب بمثابة "أحزاب الحقائب " وهي تلك الأحزاب التي لا تملك جمهورا ولا مقرات وإنما مجرد سجلات انتخابية يتم فتحها في كل سوق انتخابي . وهنا يجب الإشارة الى أهمية الدور الاستراتيجي الذي تلعبه الأحزاب السياسية مستقبلا بعيدا عن المناسبات الانتخابية العابرة. لان الأحزاب لها دور مهم في الرفع من الكفاءة المدنية للمواطنين .

      لقد تآكل الوعاء الانتخابي حقيقة بسبب جملة من السلوكيات السابقة للسلطة التي أحدثت ارباكا في عنصر الثقة بين السلطة والناخب ناهيك عن تشظي مفهوم الأحزاب السياسية وتعدد الولاءات وانزياحاتها بشكل مستمر واستشراء الفساد الانتخابي بشكل متراكم فقد تزلزلت القناعات لدى كثير من أحزاب السلطة والمعارضة كما حدثت فجوة لا يمكن إنكارها بين قيادة كثير من قادة الأحزاب ومناضليها ناهيك عن التحشيد الكبير للقوائم الحرة لغرض دعم  تيار سياسي ضخم يشكل حمولة سياسية وانتخابية للرئيس تبون في إعادة هندسة الخارطة السياسية والانتخابية بأريحية كبيرة ، وهو ما أكد عليه الرئيس تبون مراراً في تجمعاته لاحتواء وإعادة صياغة المجتمع المدني الجزائري الذي التهمته المنظمات الجماهيرية السابقة و التي شكلت رافداً كبيراً من روافد الفساد الانتخابي والتسويق له في مختلف المواعيد الانتخابية، لذلك لا يحتفظ الناخب الجزائري بمواقف كثيرة راسخة في المؤسسة التشريعية لكثير من النواب عدا بعض التدخلات المدوّية التي شكلت صخرة في وادي غير ذي زرع  للأسف الشديد . ولعل هذا هو الرهان المعول عليه في برلمان يعتقد كثير أنه سيمثل حالة من الهشاشة السياسية .

جدول 1 : النتائج النهائية لانتخاب أعضاء المجلس الشعبي الوطني الذي جرى يوم أول ذي القعدة عام  1442 الموافق 12 يونيو سنة 2021 هي كالآتي (الهيئة الناخبة):

 جدول 2 : النتائج النهائية للانتخابات التشريعية 12 جوان 2021 حصيلة الأحزاب والقوائم الحرة :

 جدول 3 : تمثيل الشباب والمرآة والمستوى الجامعي :

 

     في المجمل تبدو النتيجة منطقية بالنظر إلى أن الطبيعة تأبى الفراغ، كما أن نسبة المقاطعة المرتفعة تجعلك أمام صنفين من التوجهات إما أفضل الخيارات أو أقل الخيارات سوءاً ، لكن  الاتجاه الرافض يرى أن الناخب كان أمام الخيار السـيء والخيار الأسوأ وفي جميع الأحوال فان الماكنة الدستورية هي التي فرضت منطقها وإيقاعها في التغيير الحالي  لكن الخيارات السياسية  تبقى مهمة في المستقبل على اعتبار أن المشكلة التنموية في الجزائرية مشكلة بنيوية ترتبط بعدة أبعاد.

المراجع: 

1. تشكلت السلطة الوطنية السمتقلة للانتخابات بموجب القانون العضوي 19- 07 الصادر بتاريخ 14 سبتمبر 2019 كما تضمن القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات 21- 01 المؤرخ بتاريخ 10 مارس 2021

2. نصـر الدين بوسماحة ، الجزائر قراءة قانونية في التعديل الدستوري 1 نوفمبر 2020 المنظمة العربية للقانون الدستوري، يناير 2021.

3. ف . ن ، القوائم المقبولة والمرفوضة في تشريعيات المقبلة ، 9 ماي 2021 .

4. على الرابط: https://cutt.us/jiYog

5. كرس النظام الانتخابي 21- 01 نقلة نوعية في تجسيد مؤشرات الحكامة الانتخابية كما كرس رقابة الأحزاب السياسية على العملية والرقابة على التمويل والزامية تكريس عنصـر الشباب في قوائم الترشيحات للاطلاع اكثر:

  • حنان خذيري . رقابة الأحزاب ااسياسية على الاستحقاقات الانتخابية- دراسة تحليلية في قانون الانتخابات 2021. مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية  المجلد 15 العدد 1/ 2022 https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/315/15/1/186261

  • الياس بودربالة و عمر زرقط . الضمانات القانونية الجديدة لنزاهة العملية الانتخابية  وفقا للامر 21- 01. مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية المجلد 14العدد3 /2021  https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/315/14/3/164023

6. محمد ضيف طبيعة نظام الحكم في ظل التعديل الدستوري مجلة المجلس الدستوري ، عدد خاص عن أشغال الملتقى الدولي حول الدستور في خدمة المواطن المحاور الكبرى للتعديل الدستوري 2020 يومي 5 و 6 أكتوبر 2020  العدد 14 – 2020.

7. تم تكريس المحكمة الدستورية كمؤسسة دستورية جديدة بدل المجلس الدستوري، من خلال التعديل الدستوري الأخير لسنة 2020، هذا وقد صدر المرسوم الرئاسي رقم 21 ــ 304 المؤرخ في 4 غشت سنة 2021، الذي يحدد شروط وكيفيات انتخاب أساتذة القانون الدستوري، أعضاء في المحكمة الدستورية، ج ر، العدد 60، الصادرة بتاريخ 5 غشت سنة 2021.

وفي هذا الإطار تم بتاريخ 14/10/2021، إجراء انتخابات أعضاء المحكمة الدستورية، حيث تمخضت قائمة المترشحين التي أعلنت عنها اللجنة الانتخابية الوطنية عن قوائم الترشيحات النهائية الخاصة بالندوات الجهوية(غرب، وسط، شرق)، بعد دراسة ملفات المترشحين وضمان استيفاءهم للشروط المنصوص عليها في أحكام المرسوم الرئاسي رقم 21 ــ 304، وتحسبا لهذا الموعد الانتخابي تم تخصيص 51 مكتب اقتراع متواجدا بمقر كليات الحقوق على المستوى الوطني، وقد تم تسخير 102 قاض و 255 أستاذ مؤطر، في حين بلغ عدد الهيئة الناخبة والتي تتمثل في أساتذة القانون العام الممارسين لنشاط التدريس الفعلي في المؤسسات الجامعية والبالغ عددهم 2250 أستاذ. وقد أسفرت النتائج المؤقتة طبقا عن فوز كل من الأساتذة الآتية أسماءهم: ( عمار بوضياف ــ فتيحة بن عبو ــ عبد الوهاب خريف ــ عبد الحفيظ اسوكين ــ محمد بوطرفاس ــ عمار عباس).

8. صلاح سالم زرنوقة، نظرية انتقال السلطة المركز العلمي للدراسات السياسية، عمان - الأردن 2014، ص 84.

9. محمد العجمي ، بين ثورة المجتمع وتأسيس الساسة مشروع دستور خارج السياق مجمع الأطرش ، تونس ، 2014 ص 6.



whatsApp.Icon-01.png
bottom of page