الصحافة العربية في مرحلة ما بعد الربيع العربي
يعتبر الربيع العربي سلسلة متتابعة من الاحتجاجات والانتفاضات التي بدأت من تونس عام 2010 وامتدت إلى عدد من الدول العربية كمصر وليبيا وسوريا واليمن، للمطالبة بالديمقراطية وتوفير سبل الحياة الكريمة، وغالباً ما كانت تقابل هذه الاحتجاجات بقمع ...
Jan 21, 2023
لانا أبو سالم

يعتبر الربيع العربـي سلسلة متتابعـة من الاحتجاجـات والانتفاضات التـي بدأت من تونس عام 2010 وامتدت إلى عدد من الدول العربية كمصر وليبيا وسوريا واليمن، للمطالبة بالديمقراطية وتوفير سبل الحياة الكريمة، وغالباً ما كانت تقابل هذه الاحتجاجات بقمع عنيف، ولذلك كانت وسائل الإعلام المنفذ الأوسع لنشر هذه المطالب. شهدت الصحافة العربية تحولات كثيرة في فترة ما بعد الربيع العربي، فبعد أن كانت معتادة على الوقوف إلى جانب الجهاز الحاكم أصبحت وسيلة تنادي بالديمقراطية وحرية التعبير وباتت غير مقتصرة على الإعلام الرسمي بل أصبح المواطن نفسه مصدراً للخبر؛ وبالرغم من هذا التحول إلا أنها عجزت عن التحرر من سلطة الدولة بشكل كامل، وهو ما سيتم بيانه في هذا المقال. الصحافة العربية يرى البعض أنّ الصحافة العربية مهنة جمع وتحرير ونشر الأنباء في الدول العربية، بيد أن هذا التعريف منتقد من قبل الكثير لأنه ينظر إلى جانب معين من الصحافة ويهمل الجوانب الأخرى، فكلمة الصحافة العربية تستخدم بعدة معانٍ وعلى درجات مختلفة من الشمول فقد تعني أحياناً الصحف الإخبارية وأحياناً أخرى المطبوعات والدوريات التي تنشر الكلمة المطبوعة في الوطن العربي، كما تستخدم للدلالة على جميع وسائل الإعلام الجماهيرية (إدريس، 2019: 10).
وتعتبر وظائف الصحافة العربية هي نفسها الوظائف العامة للصحافة، إلا أنها تختلف من بلد إلى آخر حسب القوانين التي تفرض عليها، فتكمن أهمية الصحافة في تكوين رأي ناضج عند الجماهير والتعبير عنه، وتساهم في الكشف عن الفساد الموجود في الدولة، وحل المشاكل التي تعاني منها بعض فئات المجتمع وتسليط الضوء عليها، أما عن سلبيات الصحافة في الوطن العربي اعتمادها إلى حد كبير في أخبارها على ما تنتجه وكالات الأنباء الوطنية أو الدولية، كما أنّها لا تمتلك مراسلين بدوام كامل يكتبون قصص إخبارية حصرية (علي، 2007: 43).
الربيع العربي، ما الذي تغير؟ انطلقت شرارة الربيع العربي عام 2010 بعد إضرام الشاب التونسي البوعزيزي النار في جسده رفضاً لظروف المعيشة في بلده ثم توالت المظاهرات والاحتجاجات في تونس وفي مختلف البلدان العربية كسوريا واليمن وغيرها مطالبة في نيل الديمقراطية والحرية وتحسين الوضع المعيشي لهم (الناجي، 2019). ولاقت التغطية الإعلامية في بداية هذه الثورات الكثير من العقبات التي تمثلت في القمع الأمني للمراسلين الصحفيين ومصادرة أجهزتهم، كما وانتشرت خلالها حملات استهدفت الصحفيين تراوحت ما بين القتل، والإصابة، والاختطاف، والاحتجاز العسكري، والتعذيب، ووصل عدد القتلى منهم إلى 65 صحفياً قتيلاً في مختلف دول الربيع العربي، ففي مصر على سبيل المثال وصل عدد الذين اعتقلوا حتى نهاية عام 2020 إلى ما يزيد عن 27 صحفياً، وقد استخدمت السلطات في عدة بلدان قوانين جديدة ومبهمة للرقابة بهدف فرض قيود على الإعلام الإلكتروني فحجبت العديد من المواقع الإعلامية في كل من الأردن ومصر والجزائر (Shilad, et.al, 2021).
وبالرغم من كل هذه المواجهات استطاعت وسائل الإعلام العربية أن تتحرر من قيود السلطة التي تهدف إلى حجب أحداث الثورات وأن تقدم تغطية شاملة لها، وساهمت في إيصال صوت الشعوب وكسر حاجز الخوف والرهبة لدى المواطنين، وصارت تعتمد في تمويلها على الإعلانات بدل حصولها على مواردها من الدولة؛ هذا الشيء ساهم بشكل كبير في تحرر الصحافة من قبضة الدولة، وبالتالي التمتع بنوع من الاستقلالية (الناجي، 2019). ما بعد الربيع العربي أصبحت وسائل الإعلام في فترة ما بعد الربيع العربي تنادي بالحرية والجرأة في التعبير عن الرأي مما أثار غضب الحكومات، الشيء الذي جعلها تدخل في علاقات توتر مع وسائل الإعلام وخاصة التقليدية كالإذاعة والتلفزيون والصحافة المطبوعة؛ ففي تقييم تقرير (بيت الحرية) على مقياس من 0 إلى 100 مع تصنيف الأكثر حرية في المرتبة 0 والأقل في المرتبة 100، سلّط التقرير عام 2017 الضوء على تراجع حرية الصحافة في عدد من الدول العربية من ضمنها دول الربيع العربي، وكانت الأسوأ هي سوريا برصيد 90 من 100 وأيضاً شهدت مصر تراجعاً كبيراً في حرية الصحافة مقارنة بعام 2016، فصنفت ضمن فئة "دول المشاهدة"؛ ويشير ذلك إلى أنه مع اشتداد الأزمات الأمنية والاقتصادية في البلاد تزداد محاولات النظام لفرض السلطة على وسائل الإعلام الخاصة لقمع الانتقادات الموجهة لأداء الحكومة؛ وأدى ظهور الإنترنت بشكل كبير في عالم الإعلام إلى توفير منصة مهمة للناشطين ووسائل الإعلام للتعبير عن آرائهم، إلا أنّها أعطت الأنظمة الحاكمة أداة قوية بنفس القدر لكبح وعرقلة هذا النشاط وإسكات المعارضة وأصبحت السيطرة على الإنترنت مرحلة جديدة للرقابة على تدفق المعلونات حيث طورت الحكومات أنظمة جديدة تعتمد على تقنيات وبرمجيات تجسس مثل بيغاسوس لخنق حرية التعبير (Khamis,2017).
الخاتمة
شكلت الصحافة العربية عاملاً هاماً من عوامل نجاح الثورات في مختلف بلدان الربيع العربي، ومرت بتحولات كبيرة في تلك المرحلة، فقد حظي الربيع العربي معالجة وتغطية إعلامية يمكن القول بأنها كانت شاملة، ساهمت في إيصال صوت الشعوب المقهورة، وفي كسر حاجز الخوف والرهبة التي كان يشعر بها المواطنون في مختلف الأوطان العربية، وبلا شك ساعد ذلك في خلق تحول في حالة الصحافة العربية التي نقلت صوت الشعوب دون التفات إلى قيود السلطة، فكانت هذه المرحلة تنادي بحرية الرأي والتعبير، الأمر الذي أغضب حكومات الربيع العربي، وأدخلها في علاقة توتر مع وسائل الإعلام، من خلال ما شهدناه من تضييق واعتداء ومنع واعتقال للصحفيين في تلك المرحلة، وبصورة أكثر وضوحاً فإن الإعلام العربي عموماً استطاع بعد الربيع العربي أن يحصل على تمويله من خلال الإعلانات بعيداً عن موارده من الدول، والذي خلق نوعاً من الاستقلالية لدى هذه الوسائل؛ ويمكن استخلاص عدد من النتائج التالية: أن وسائل الإعلام العربية لعبت دورًا هامًا في تغطية الربيع العربي، كما أنها ساهمت في بدايات الأمر في التأسيس لديمقراطية حقيقية. تعرضت الصحافة العربية في فترة الربيع العربي لانتكاسة في مجال حرية التعبير وأصبحت تتبع مجموعة من القوانين التي تفرض القيود على العمل الصحفي. بالرغم من التحديات التي واجهتها الصحافة العربية خلال الربيع العربي إلا أنها تمكنت من التحرر من قيود السلطة. أصبحت وسائل الإعلام في فترة ما بعد الربيع العربي تنادي بالحرية والجرأة في التعبير عن الرأي مما أثار غضب الحكومات.
المراجع:
إدريس، جنيد محمود علي. (2019). المسؤولية المدنية للصحفي. (رسالة ماجستير غير منشورة). جامعة الشرق الأوسط، عمان، الأردن.
علي، نبيلة محمد أحمد. (2007). دور الصحافة العربية في مواجهة الدعاية الصهيونية: دراسة تحليليـة علـى صحيفة القـدس العربـي للفترة من 2000 – 2001. (رسالة ماجستير غير منشورة). جامعة أم درمان الإسلامية، أم درمان، السودان.
الناجي، خليل. (2019). الصحافة وما بعد الربيع العربي، متاح: https://2u.pw/GWkPHQ. </p></li>
Shilad, J., Culebras, I., ElHaies, M., Mansour, S. (2021). Ten years after the Arab Spring, the region’s media faces grave threats. Here are the top press freedom trends, available: https://2u.pw/RytxJO. </p></li>
Khamis, Sahar .(2017). Press Freedom Reversals in Post-Arab Spring Countries, available: https://2u.pw/BIO6zr.</p></li>