التربية الإعلامية والمعلوماتية: عهد معلوماتي جديد
في ظل القدرات الهائلة لمنصات التواصل الاجتماعي على نقل المعلومات بين المستخدمين حول العالم، ومع غياب الرقابة، التي أدت إلى انفلات معلوماتي لا يمكن التعامل معه بمعزل عن التربية الاعلامية والمعلوماتية كأداة تمكين...
Jun 6, 2023
أيهم العتوم

في ظل القدرات الهائلة لمنصات التواصل الاجتماعي على نقل المعلومات بين المستخدمين حول العالم، ومع غياب الرقابة، التي أدت إلى انفلات معلوماتي لا يمكن التعامل معه بمعزل عن التربية الاعلامية والمعلوماتية كأداة تمكين. نعيش اليوم في قرية رقمية خلقت فجوة مفاهيمها كرست تعميق الاختلافات الثقافية والاجتماعية والسياسية في فضاء افتراضي فقدت فيه المرجعيات الثقافية تأثيرها في المجال العام، وأصبحنا أمام حاجة ملحة تحثنا على عقلنة المحتوى وإخضاعه لمعايير مهنية ذاتية لضبط الإيقاع المعلوماتي في المجال العام عبر شبكات التواصل الاجتماعي. رقعة فقدان التأثير تتوسع شبكياً أفقياً وعمودياً، مما يضع صانع القرار على المحك أمام هذه التحديات الكبيرة المتعلقة بتنشئة الأجيال القادمة على منظومة قيمية تحتاج لتمكين الشباب ليشكلوا درعًا حماية ووقاية وتوعية للمجتمعات.
أجيـــال الديجتال تحتاج لبناء معرفي وجــداني ينطلــق من معالجات جادة وعميقة لغــرس مفهوم التربية الاعلامية والمعلوماتية وتجذيره كقيمة ثقافية أصيلة، وقد خطى الأردن خطوات لا بأس بها في ادراج بعض الدروس في مناهج التعليم العام. ما نحتاجه اليوم في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة بصراعات مذهبية وسياسية وفكرية وإيدلوجية، مصارحة واقعية بالإقرار أن لدينا ضعف كبير في آليات الأدوات الثقافية التي يفترض أن تبدأ بإثراء رأس المال الثقافي للأفراد لتحقيق تنمية ثقافية مستدامة في قريتنا العالمية، التي نتطلع أن يسودها المحبة والسلام. "الجاهل عدو نفسه" كما يقول المثل. ولكن الأكثر جهلاً هذه الأيام هم الذين لا يمتلكون أدوات حقيقية للتعامل مع المعلومات والتحقق من مصادرها قبل نشرها.
نحــن أمام مفترق طـرق وفي أمـس الحاجـة لرؤيـة استراتيجيـة تشاركيـة بـيـن الحكومة والقطاع الخاص والمنظمات الدولية لخلق توازن معرفي يؤمن بحرية التعبير ضمن معايير قائمة على الحوكمة. كما أن العالم يواجه تحديات التغيير المناخـي، فـإن العالم العربـي أيضًا يعانـي مـن "احتبـاس بالتربيـة الإعلاميـة والمعلوماتية" ناتجًا عن تصحرٍ ثقافي تسببت فيه الغزو الكوني المعلوماتي لمنصات التواصل الاجتماعي، التي تحولت لمنابر للترهيب واستهداف الأمن الفكري والنفسي للمجتمعات.
الملف يحتاج إلى اهتمــام مكثف في ظل التحديات التـي تواجهها المجتمعات الإنسانية عمـومًا، وترتبـط بالغـالب بانتشار "معلومات مغلوطة أو تضليلية" التي يتم التعامل معها على أنها حقائق، وهذا ما يستدعي التشخيص الفوري دون مواربة. وتقوم بيوت العبادة والمدارس والجامعات والأسرة ووسائل الإعلام بدورها في مكافحة هذا الوباء المعلوماتي. لدينا فرصة لتدارك الثغرات المعرفية التي تستوجب بداية استعادة الثقة بصناع القرار في الأردن، وتحديدًا فيما يتعلق بالثقافة والشباب.
ويتطلب ذلك بناء ثقافة عميقة على مستوى الإدراك لأهمية التربية الإعلامية، وتشكيل تصورات مجتمعية تكرس بناء عهد معلوماتي جديد، وتغرس ثقافة القدوة الحسنة في المجتمع، وتعزز مهارات التفكير النقدي والتحليل والتقويم والإنتاج للوصول إلى حالة نموذجية في العلاقة مع المعلومة وآليات التعامل معها. ختاما يبرز أمامنا سؤالٌ جوهري للعشر سنوات القادمة: لماذا التربية الإعلامية والمعلوماتية؟ وما مآلات استمرار الجهل بها على مجتمعات متناحرة، متخندقة ضمن أوعية معلوماتية موبوءة انتجت المئات من الكانتونات لتصدير خطابٍ فيروسي يعاني من قصور في فهم ثقافة التربية الإعلامية المكتسبة.