top of page

الانتخابــات التشـريعيــة الجزائريــة لــ 12 جوان ؟ وحديــث عن الأخــلاق والتمكين ؟ الكفاءة المدنية والحكامة الانتخابية على المحك

السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات كاداة قانونية لحماية الحوكمة الانتخابية عقب فوز السيد عبدالمجيد تبون بالانتخابات الرئاسية بنسبة بلغت 66.80 % لم يمضـي عام على توليه سدة الحكم ووفاء بالتزامه بإجراء تعديل دستوري عميق فقد جرى الاستفتاء على...

Oct 14, 2023

أ.د. بوحنية قوي

الانتخابــات التشـريعيــة الجزائريــة لــ 12 جوان ؟ وحديــث عن الأخــلاق والتمكين ؟ الكفاءة المدنية والحكامة الانتخابية على المحك

      تتميز التجربة الجزائرية بخصوصية مهمة في مكافحة الإرهاب وإعادة صياغة  وبناء الامن و لعل  بناء السلم يظل رهين تحديات ورهانات اقيليمية تحيط بالفضاء الجيوسياسي الجزائري خلال العقدين السابقين والتي  يمكن ادراجها في المؤشرات التالية*

التحديات الأمنية الإقليمية:

      تعيش الجزائر حاليًا في وسط يعج بالتحديات الأمنية، حيث أصبحت محاصرة بـحزام ملتهب، نظرًا لموقعها الإستراتيجي كونها الدولة المغاربية الوحيدة التي تجمع حدودها كل جيرانها؛ ومن منطلق أن هذه الحدود أصبحت تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الجزائري. بدءًا بالنزاع المالي جنوبًا  وما ارتبط به من أزمات الساحل ومنطقة جنبو الصحراء وما  يميزها من انقلابات متواصلة على غرار ما حدث في النيجر المتاخمة للجزائر بحدود 900 كلم وصولاً إلى الأزمة الليبية شرقًا  بالإضافة إلى قضية الصحراء الغربية غربًا والتطبيع المغربي الإسرائيلي،  مع عدم اغفال الحالة التونسية التي تتميز بتوازن قلق وهو ما يضعها أمام تحديات أمنية كبيرة، تستدعي  التعاطي معها برؤية استباقية حفاظًا على أمنها القومي.

       إن التحديات الأمنية التي تشهدها الجزائر في تزايد مستمر خاصة على مستوى المحور الإقليمي، حيث لا تزال التوترات والنزعات الإقليمية تثير العديد من المخاوف، مهددة عامل الاستقرار، وثمة ما يبرر هذا التخوف الجزائري الأمني من إمكانية أن تدفع البلاد ضريبة الجوار الإقليمي الهش، حيث سبق أن عانت الجزائر لعشر سنوات عجاف من كل أنواع وأصناف القتل والإرهاب فيما عٌرف باسم "العشرية السوداء"، والتي تم من خلالها إبراز الدور الجزائري في إرساء عوامل الاستقرار وتأمين المنطقة، التي كانت عانت من ويلات الإرهاب خاصة بعد عملية "دَعْشنة" الساحل الأفريقي وانتقال عدوى العمليات العسكرية للتنظيم الدموي إلى هذه المنطقة عموما، وإلى الجزائر خاصة، تحديدًا بعد إعلان تنظيم "داعش" في نوفمبر 2014، الجزائر ولاية جديدة للتنظيم، وهذا رغم الخطط الأمنية المشتركة التي أقرتها دول الساحل آنذاك (الجزائر، ليبيا، مالي والنيجر وموريتانيا) سنة 2009، والتي ارتكزت أساسًا على بناء قوة عسكرية نظامية تعدادها 25 ألف جندي مشكّلة من الجيوش النظامية للدول الخمس.

      وقد برز دور المساهمة الجزائرية الكبير في هذا الشأن، كون أن الجزائر كانت ولا تزال من أكثر الدول التي امتلكت الحجج الكافية لتبرير موقفها من مكافحة الإرهاب، فقد ظلت طوال سنوات التسعينيات من القرن الماضي منكفئة على نفسها في محاربة هذه الظاهرة التي خلفت خسائر مادية بأكثر من 30 مليار دولار و200 ألف قتيل من ضحايا الإرهاب، إضافة إلى حصار طويل على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية وتحديدًا بمنعها من التسلح لمكافحة خطر الإرهاب، بالإضافة إلى الدور السلبي الذي لعبته دول غربية كفرنسا وسويسرا، بخصوص عمليات تحرير الرهائن ودفع الفدية، ما حتم على الدولة الجزائرية الدفاع وبشكل دائم عن مسألة سيادية ترتبط بعدم الخضوع للتنظيمات المسلحة، وفي إطار التصدي للتهديدات والمخاطر الأمنية، دافعت الجزائر عن تأسيس قوة إقليمية للرد السريع في الأزمات والنزاعات الأفريقية، وذلك خلال قمة الاتحاد الأفريقي التي انعقدت في أديس أبابا عام 2014، وفي ظل ذلك بقي منطق " الأمنَنَة " هو المحرك الرئيسي للخطاب السياسي الجزائري، وهذا سببه اعتبارات كثيرة، منها تنامي خطر الإرهاب، وتهديدات الجماعات المسلحة والمتطرفة في دول الجوار ومنطقة الساحل الأفريقي.([1])

      ولا يزال منطق "الأمننة" باعتقادنا، يهيمن على السياسية الأمنية الجزائرية وهاجس حماية التراب الوطني وتأمين الحدود حتى مطلع سنة 2021، خاصة بعد تنامي وتمدد ظاهرة العنف وزحف الإرهاب وتفشـي الانقلابات العسكرية في بعض دول الساحل، ما أصبح يشكل تهديدًا مضاعفًا على الجزائر. ولعل من أبرز الأزمات الآنية التي تعاني منها بعض دول الساحل، والتي تضع تحديات الأمن القومي الجزائري على صفيح المواجهة، الأزمة في مالي والنزاع المسلح الدائر على إقليم وحدود هذه الدولة، وكانت الجزائر قد دعت إلى التعجيل بتنفيذ "اتفاق السلام" في مالي، الذي يشهد تعثرًا منذ التوقيع عليه في الجزائر في 15 يونيو 2015، وذلك بسبب استمرار انعدام الثقة بين باماكو والمعارضة الطرقية في الشمال، التي تمثلها تنظيمات "أزواد"، حيث أكد وزير الخارجية الأسبق (صبري بوقادوم) بمناسبة رئاسته اجتماع وزراء خارجية "مجلس السلم والأمن" التابع للاتحاد الإفريقي، والذي تناول الأوضاع في مالي أن "تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة، الذي اكتسب زخمًا إضافيًا مؤخرًا، يحتاج إلى مزيد من التعجيل"، حسب ما جاء في بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، وأضاف البيان أن وزراء الخارجية "أكدوا في توصياتهم على دعم جمهورية مالي في جهودها الرامية لمكافحة الإرهاب، مع الحرص على تبني مقاربة شاملة ومتعددة الجوانب، قصد معالجة جذور وأسباب هذه الآفة"، وقد نص الاتفاق على دمج متمردين سابقين في القوات الدفاعية المالية، إضافة إلى منح قدر أكبر من الحكم الذاتي للمناطق التي تقع تحت سيطرة الطوارق المسلحين، والتي تقع بالقرب من الحدود مع الجزائر.([2])

تحدي تعزيز دور المؤسسة العسكرية في ظل الأدوار المتجددة خارج الجزائر:

      في ظل منطق "الأمننة" الذي لا يزال يهيمن على السياسية الأمنية الجزائرية وهاجس حماية التراب الوطني وتأمين الحدود، خاصة بعد تنامي وتمدد ظاهرة العنف والإرهاب والانقلابات العسكرية على المستويين الإقليمي والدولي، الوضع الذي أصبح يشكل تهديدًا مضاعفًا على الجزائر.

      وَضْعٌ دفع بالرئيس (عبد المجيد تبون) غداة اعتلائه لسدة الحكم نهاية سنة 2019، وبصفته كرئيس جمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة الجزائرية، إلى إعادة النظر في آليات ووسائل مواجهة التحديات الأمنية المستجدة والمتطورة، وكان على رأس هذه الآليات هو تعديل الدستور الجزائري بما يتماشى ورسم إستراتيجية أمنية وعسكرية جديدة، تحفظ حق الجزائر في الدفاع عن التراب الوطني داخليًا وخارجيًا، وتساهم بشكل فعال في الاندماج ضمن سياقات الخريطة الجيوسياسية على المستوى الدولي والتعاطي بشكل إيجابي في حل المعضلات الأمنية التي أصبحت دول الساحل الإفريقي خاصة مالي وليبيا مسرحًا لها، واقع فرض على الجزائر ضرورة الخروج من دائرة الحياد والاكتفاء بالتدخل السلمي والدبلوماسي لحلحلة الأوضاع الأمنية الحرجة، إلى الدفع نحو ضرورة المساهمة العسكرية المادية، وعلى هذا الأساس تم العمل على تغيير العقيدة الدفاعية للجيش الجزائري وسياسته في التعامل مع الراهن الدولي مستقبلاً حول كل ما يتعلق بالنزاعات العسكرية الإقليمية والدولية.

      ومن خلال ما ورد في كلمة قائد أركان الجيش الجزائري، يمكن استخلاص بعض النقاط المتعلقة بأهم التحديات التي تبرز وتعزز دور المؤسسة العسكرية وسبل مشاركتها على الصعيد الدولي والإقليمي خاصة لمواجهة أي أزمات أمنية في الوقت الراهن:

  • رغم الاحتواء والتقليل من حدة التهديدات ومخاطر النزاعات المسلحة بين فاعلين حكوميين تقليديين إلا أنه من الواضح أن التهديدات المعاصرة أصبحت عابرة للحدود، وغالبًا ما تكون متعلقة بفاعلين غير حكوميين.

  • تعاظم التهديدات الأمنية، في القارة الإفريقية عمومًا وفي فضاء الساحل الصحراوي والمغاربي بشكل خاص، حيث تعاني هذه المنطقة من ويلات الإرهاب، تهريب الأسلحة والمخدرات، الاتجار بالبشر والتهديدات السيبرانية وجرائم منظمة أخرى عابرة للحدود.

  • معاناة المنطقة من عواقب تغير المناخ المتجسدة من خلال فترات مناخية قاسية وتوترات ناجمة عن ندرة المياه وأخطار المجاعة وكذا التدفق غير المسبوق للمهاجرين المرتبط بهذه الاضطرابات المناخية.

  • من بين العوامل المتسببة في زعزعة الاستقرار في العالم بصفة عامة وبالمنطقة الإقليمية بصفة خاصة، تلك المتعلقة أيضًا بالمخاطر الوبائية، النزاعات القبلية ونزوح الشعوب فرارًا من مناطق يسودها العنف، زيادة على الفقر الذي يعانيه السكان المحليون، مما زاد من حدة الأزمة الأمنية التي تطبع هذه المنطقة.

  • ضرورة تضافر الجهود وتبني ردود مشتركة للتحديات، من أجل ضمان الأمن والاستقرار والرفاه الإقليمي، كما يتعين علينا كأولوية، مكافحة التهديد الإرهابي والجرائم العابرة للحدود دون هوادة، خاصة تهريب المخدرات مع تعزيز الحكم الراشد والمهام المؤسساتية للدول في ترقية ثلاثية الأمن والسلم والتنمية.

  • تبني مقاربة جديدة في وظيفة المؤسسة العسكرية بالجزائر من خلال إمكانية ارسال قوات من افراد الجيش الى مهام خارج الجزائر في مهمات إقليمية ودولية في اطار إحلال الامن ولأسباب إنسانية وبعد موافقة ثلثي البرلمان حسب التعديل الدستوري الاخير.

تحديات من أجل الوقاية من ظاهرتي التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتها لتجاوز خطاب الجهوية والعنصرية:

      مع تنامي ظاهرة العنف وتفـشي خطاب الكراهية والتمييز في الجزائر، خاصة في الآونة الأخيرة التي تلت الحراك الشعبي يوم 22 فيفري 2019، وهو ما يعد كمؤشر خطير أصبح يهدد النسيج الاجتماعي الجزائري، الذي ظل لسنوات متماسك رغم تعدد الانتماءات والاختلاف العرقي واللغوي، حيث شهدت الجزائر تصعيدًا مقلقًا للظاهرة سابقًا وازدادت حدتها مؤخرًا، ما استدعى ضرورة تدخل الدولة العاجل للحد منها وكافحتها حفاظًا على الاستقرار والأمن داخل البلاد، وفي هذا الصدد سنحاول تناول أهم الآليات القانونية والإجرائية التي رصدتها الدولة من أجل محاربة كل أنواع التمييز وخطابات الكراهية.

    ومن أجل الحد من خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، سارعت وزارة العدل إلى استحداث قطب جزائي متخصص في الجرائم المرتبطة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، حيث درست الحكومة خلال اجتماعها برئاسة الوزير الأول وزير المالية (أيمن بن عبد الرحمن)، مشـروع إنشاء قطب جزائي متخصص في الجرائم المرتبطة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، ويأتي مشروع القانون بعد أن تم إنشاء المرصد الوطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية مطلع شهر أفريل الماضي، في خطوة من أجل وضع حد لخطاب الكراهية الذي يهدف إلى التفرقة والمساس بمكونات المجتمع الجزائري.([3])

      وفي وقت سابق كان (بلقاسم زغماتي) وزير العدل حافظ الأختام السابق، قد صرح على أن "الجزائر الجديدة اليوم قوامها العدل والإنصاف دون إقصاء"، وأشار (زغماتي) إلى أن النيابة العامة يمكنها تحريك دعاوى قضائية ضد مرتكبي جرائم مندرجة ضمن خطاب الكراهية والتمييز، والتي تصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات، إضافة لغرامة مالية، وتشدد إذا كان الضحية طفلاً، بحسب صحيفة (الشروق الجزائرية)، وشدد أيضًا على أن الدولة تعمل على القضاء على كل أشكال التمييز العنصري:

      كما ولفت الوزير خلال عرضه لمشروعي قانون العقوبات والقانون المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية، أمام أعضاء اللجنة القانونية بالمجلس الشعبي الوطني، إلى ضرورة محاربة كل أشكال التمييز والكراهية التي تعيق حقوق الإنسان، وتهدم المجتمع الجزائري.

      وقال الوزير في هذا الصدد أن "محاربة خطاب التمييز لا يمس بحرية التعبير المضمونة في الدستور الجزائري، وعليه جاء هذا القانون ليحدد مفهوم الحرية ومفهوم التعدي على حرية الآخرين"، كما وأشار إلى أن وضع الدولة لإستراتيجية وطنية للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية، تكون بمشاركة ممثلي المجتمع المدني، وكل الفاعلين في البلاد، بهدف الإحساس بخطورة هذا الخطاب، وتأثيره في المجتمع، خاصة في حال استعملت الوسائط الاجتماعية والتكنولوجية للترويج له.([4])

من جهته أكد أيضًا وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج السابق  (رمطان لعمامرة)، بنيويورك أن "الجزائر تندد بالتصاعد الكبير للشعبوية التي تكرس خطاب الكراهية ورفض الآخر"، علاوة على "التصرف اللامسؤول" لبعض وسائل الإعلام التي تتهجم على جماعات وديانات بشكل خاص.

      وفي كلمة له بمناسبة الذكرى الـ 20 لإعلان "ديربان" لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، شدد (لعمامرة) على أن "الجزائر تندد بالتصاعد الكبير للشعبوية التي تكرس خطاب الكراهية ورفض الآخر، كما تندد بالتصـرف اللامسؤول لبعض وسائل الإعلام التي تتهجم على جماعات وديانات، متهمة إياها بأبشع الصفات مما يغذي الكراهية والتطرف العنيف".

      وأردف بالقول "إن الجزائر ومن منطلق وفائها للمبادئ والقيم التي ألهمت ثورتها وسياستها على المستويين الوطني والدولي قد كرست في دستورها مبدأ عدم التمييز بين المواطنين"، وأبرز رئيس الدبلوماسية الجزائرية "أن تشـريعات قد أصدرت بالجزائر من أجل تفعيل عدم التمييز والمساواة بين المواطنين وغير المواطنين أمام القانون وكذا مكافحة كافة أشكال التمييز وخطاب الكراهية ومحاربة ظهور أشكال جديدة للتمييز على شبكات التواصل الاجتماعي.([5])

      تعززت المنظومة القانونية في الجزائر بالقانون الذي تضمن جملة من العقوبات والتدابير الوقائية لتحصين المجتمع وإنشاء مرصد وطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتها.

      وقد أبرز وزير العدل حافظ الأختام (السابق) (بلقاسم زغماتي) أن هذا القانون سيكون له "الأثر المباشر في الحد من تفشي مختلف ظواهر وأشكال التمييز وخطاب الكراهية في بلادنا وسيكون له دور كبير في أخلقة الحياة العامة والحد من جرائم الكراهية والتمييز التي ترتكب يوميًا عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي".

وفي هذا الصدد صدر القانون رقم 20-05 المؤرخ في 28 أبريل 2020، المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتهما، والذي يتضمن إنشاء المرصد الوطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية.([6]) والذي جاء في أهم بنوده ما يلي:

      نص القانون على استحداث مرصد وطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية يوضع لدى رئيس الجمهورية، كهيئة وطنية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، وتتمثل مهامه في رصد كل أشكال التمييز وخطاب الكراهية، ووضع الإستراتيجية الوطنية للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية التي تمثل الجانب الوقائي.

      ويعرف النص التمييز بكونه كل سلوك يقوم على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني أو اللغة أو الانتماء الجغرافي وينص على أن العناصر المكونة لتجريم خطاب الكراهية تتعلق بجميع "أشكال التعبير التي تنشـر التمييز أو تحرض عليه أو تشجعه أو تبرره أو تلك التي تعبر عن الاحتقار أو الإذلال أو العداوة أو الكراهية أو العنف".([7])

ينطلق القانون من مراعاة المواثيق الدولية واحترام سوسيولوجيا المجتمع الجزائري، مع الأخذ بعين الاعتبار كون أغلب جرائم التمييز وخطاب الكراهية ترتكب باستخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال، مما يستلزم تحديد الأحكام المتعلقة بالمساعدة والتعاون الدوليين.

      ويتكفل المرصد بوضع برامج التحسيسية وتنشيط وتنسيق عمليات التوعية بمخاطر التمييز وخطاب الكراهية وآثارهما على المجتمع، وجمع ومركزة المعطيات المتعلقة بالتمييز وخطاب الكراهية، بالإضافة إلى إنجاز الدراسات والبحوث في مجال الوقاية من التمييز وخطاب الكراهية، ويقدم أي اقتراح من شأنه تبسيط وتحسين المنظومة القانونية الوطنية للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية.

      ويحرص أيضًا على تطوير التعاون وتبادل المعلومات مع مختلف المؤسسات الوطنية والأجنبية العاملة في هذا المجال، ويمكن له أن يطلب من أي إدارة أو مؤسسة أو هيئة أو مصلحة كل معلومة أو وثيقة ضرورية لإنجاز مهامه، عليها الرد على مراسلاته في أجل أقصاه 30 يومًا.([8])

      يتشكل المرصد الوطني يتشكل من ستة أعضاء من بين الكفاءات الوطنية، يختارهم رئيس الجمهورية ويتم تعيينهم بموجب مرسوم رئاسي لعهدة مدتها 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ويمثل هؤلاء الأعضاء كل من المجلس الأعلى للغة العربية، المحافظة السامية للأمازيغية، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة، المجلس الوطني للأشخاص المعوقين وسلطة ضبط السمعي البصـري، بالإضافة إلى أربعة ممثلين للجمعيات الناشطة في مجال تدخل المرصد يتم اقتراحهم من الجمعيات التي ينتمون إليها.

وينتخب الأعضاء فور تنصيبهم، رئيس المرصد الذي تتنافى عهدته مع ممارسة أي عهدة انتخابية أو وظيفة أو أي نشاط مهني آخر.([9])

     يرفع المرصد يرفع إلى رئيس الجمهورية تقريرًا سنويًا يضمنه لاسيما تقييم تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية واقتراحاته وتوصياته لتعزيز وترقية الآليات الوطنية المعمول بها في هذا المجال، ويتولى نشره وإطلاع الرأي العام على محتواه وفقا للكيفيات المحددة في نظامه الداخلي.([10])

      وقد جاء هذا القانون، الذي يستلهم من روح الدستور وقوانين الجمهورية التي تمنع أي مساس بالوحدة الوطنية وبثوابت الهوية الوطنية، أيضًا لتجسيد المعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر والتي تلزم الدول بضرورة إصدار قوانين للعقاب على خطاب الكراهية وذلك في إطار تجسيد حقوق الإنسان.

      في هذا الشأن، فقد صادقت الجزائر على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في ديسمبر 1989، الذي ينص في مادته الـ 20 على أنه "تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف".

تحدي تجديد النخب السياسية القادرة على بناء الذاكرة وتجاوز المأساة:

      يرجع بعض الباحثين  معضلة أزمة النخبة إلى الثقافة السياسية المستمدة من سنوات الأحادية والقهر السياسي، التي تظهر لدى بعض الناشطين، على شكل تضخم مرضي للأنا، بكل ما يمكن تصوره كمخرجات سياسية لها، تحول إلى عائق فعلي أمام التغيير السياسي الذي يطالب به الجزائريون، يعطل الوصول إلى توافقات، بين هذه النخب التي لم تتعود على العمل السياسي الجماعي، بالنقاشات الفكرية التي يتطلبها، والصراعات التي يفترضها، في الوصول إلى حلول يطالب بها المواطن الجزائري، الذي عبّر عن مستويات تجنيد قل نظيرها، لكنه فشل حتى الآن في الوصول إلى تحقيق ما خرج من أجله، مواطن بدأ في تحديد معضلة النخبة كعائق، كما يخبره تاريخه السياسي بذلك، تعلق الأمر بالحركة الوطنية، أو حرب التحرير، التي قادها شعب عملاق تحت قيادة متواضعة جدًا، كذّبت كل نظريات النخبة المعروفة، كما عكسته تجربة وجوه تاريخية، تحولت إلى إيقونات فعلية، بفعل زخم ثورة التحرير أساسًا وليس بفعل ما يميزها من خصائص فردية متواضعة جدًا.

      بدوره يرى النائب البرلماني السابق والناشط السياسي (محمد حديبي)، أن "أزمة الجزائر قبل أن تكون أزمة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية هي أزمة نخب"، كون أن هذه الأخيرة "لم تلعب دورها الريادي الوطني ليلتف حولها الشعب ويحدث التحول الحقيقي الجاد والهادف بعيدًا عن التشنجات التي تقوض أركان التحول أو تهدد استقرار البلد"، حيث يعتقد (حديبي)، أن "المرجعية الفكرية الجزائرية لم تكن في مستوى تطلعات شعبها، وكانت دومًا تنحاز إلى الأنا الفردية والبيئة الأيديولوجية"، ويذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يعتبر الناشط السياسي أن "النخب كانت غذاء لفتنة وصراعات هامشية وهمية انخرطت فيها بأجندات داخلية وخارجية بعيدًا عن مفهوم القيم السياسية وممارستها وقبلت بأدوار غير مقتنعة بها، وورطت أنصارها في مطبات جعلت الشعب يستقيل من الممارسة السياسية، ويسلم الحياة للرداءة والفساد لتستولي عليها".

      ويضيف أنه: "حتى السلطة وجدت نفسها أمام نخبة لا تستوعب التغييرات الجارية، ولا قادرة على لم الشمل وتجميع القوى الوطنية، لذلك استفردت بالقرار، واحتكرت الفعل السياسي من الإعلام إلى آلية التحول الديمقراطي".

      وحول أسباب تغييب دور النخب السياسية، ومن وجهة نظر سوسـيو - سياسية يرى الأستاذ (ناصر جابي)، أن التغيير الذي حصل على مستوى الوعي الشعبي، والذي تمخض عنه انتفاضة 22 فيفري، قد وجد أمامه تاريخ البلد بنقاط ضعفه المتعددة، بما فيها تلك المرتبطة بالشـروخ الثقافية، اللغوية والجهوية، التي استغلها النظام السياسي لعقود، لتخويف الجزائريين من بعضهم بعضًا، وهذه الشـروخ لم تسمح لمنسوب الوعي الشعبي بالتقدم إلى الأمام، شروخ طرحت بحدة مسألة النخبة التي تقود التغيير، وتتفاوض حوله، سواء تعلق الأمر بنخب النظام الرسمية، أو تلك التي أفرزها أو فشل في إفرازها الحَراك الشعبي حتى الآن، والتي كان يمكن لها أن تقود الحراك كنخبة سياسية متجددة، تعقلنه وتمنحه معنى سياسيًا، وتمهد له ورقة طريق متفق عليها. بعد رفض هذه الفكرة مدة طويلة، وصلت إلى حد تخوين كل من يبرز اسمه للسطح واتهامه بالتآمر على الحَراك والعمل مع السلطة، مستويات كثيرة، يمكن أن نسوقها لفهم هذا العجز في فرز وإبراز نخبة سياسية، تسند الحَراك، وتمنحه هذه المعاني السياسية التي يحتاجها، منها ما هو متعلق بالمستوى السوسيولوجي وحتى الجغرافي، في بلد قارة، كما يوصف، لكن من دون أن يصلوا إلى الاستنتاجات الواجب استنتاجها من هذه المعاينة لجغرافية البلد، لعل أولها أنهم أصغر من جغرافيتهم -كما تعكسه سكناتهم التي بنوها بعد الاستقلال- وأنهم لا يعرفون بعضهم بعضًا، بالقدر الكافي والمطلوب للتفاهم، وإنجاز التغيير السياسي المنشود.

على سبيل الختم:

      لعبت الجزائر دورًا مهمًا في مكافحة الراديكالية والإرهاب والجريمة المنظمة خلال العشرية السوداء وبعدها، لكن الإرهاب والجريمة المنظمة ظلتا متلازمتين لاعتبارات كثيرة، لعل من أهم هذه المتلازمات، أزمة الساحل التي لها علاقة وثيقة بأزمة الأمن والتنمية في ذات الوقت، لذلك تلعب الجزائر دورًا مهمًا جدًا، أولا: في محاولة تأمين حدودها، باعتبار أن استمرار نجاح الدول أو فشلها يؤثر على استقرار الدولة الجارة، ولذلك وفي هذا الصدد فالجزائر تدفع ضريبة المحافظة على أمنها وضريبة أمن جيرانها.

      فمن تجربة الجزائر في استقرار الأمن والسلم كسياسة وطنية، كان لابد من أن تلحق بتدابير وإجراءات قانونية وتنظيمية ولوجيستية، وهو ما فعلته سواء من خلال تبني مقاربة تم تبنيها منذ 2013 إلى الوقت الحالي، لمكافحة الراديكالية والإرهاب المنظم واستُند في هذه المقاربة على أبعاد متعددة الجوانـب، فيها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني والثقافي، وأيضًا القوانين التي تقضـي بتمثيل المؤسسات والسجون، وأيضًا المقاربة التي تعتمد على إعادة النظر في كثير من المناهج التربوية والثقافية والدينية على اعتبار أن الراديكالية لا يمكن أن تدحر بمقاربة أحادية الاتجاه وإنما بمقاربة متعددة الجوانب.

     إن مكافحة الراديكالية والجريمة المنظمة والإرهاب لم تنته بعد العشـرية السوداء، ولكن الجزائر استطاعت إلى حد كبير أن تقوض انتشارها وهو ما جعلها أيضًا تعتمد على مقاربات جديدة سواء قبل 2019 أو بعدها، أي بعد الحَراك الشعبي الذي عرفته الجزائر الذي بموجبه تم إعادة النظر في كثير من المنظومات القانونية والسياسية على اعتبار أنه تم انتخاب رئيس جديد في ديسمبر 2019، وما قام به من إجراءات مهمة في مجال الأمن واستقرار وإعادة الجزائر لمكانتها الدولية في مكافحة الجريمة المنظمة ومحاولة تصوير وتصدير صورة الجزائر كدولة مصدرة للأمن والاستقرار ورائدة في مكافحة خطاب الكراهية وأيضًا الحفاظ على الذاكرة من خلال سن القوانين بهذا الشأن، ولعل من أهم هذه القوانين مكافحة خطاب الكراهية ودحضه ومكافحة الفساد بشتى أبعاده، وتعزيز دور المجتمع المدني على اعتبار أنه رافعة مهمة جدًا من شأنه تفعيل دوره وتعزيزه أن يعمل على إعادة صياغة الذاكرة وفق مقاربة متكاملة يساهم فيها الجميع من مؤسسة الإعلام والمؤسسة الرئاسية والمؤسسة التشـريعية، وأيضًا حركات المجتمع المدني.


الملحق (1):

الجدول (1): يوضح الحصيلة الرسمية للجيش الوطني الشعبي لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة من 2015 إلى نوفمبر 2019

 المصادر: الجدول إعداد الباحث من خلال تجميع المعلومات في المصادر التالية:

  • وكالة الأنباء الجزائرية، الجيش الجزائري يحقق نتائج معتبرة في مكافحة الإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة، منشور بتاريخ: 03/01/2020 عبر الموقع: www.aps.dz.

  • الحصيلة العملياتية لسنة 2018 نتائج معتبرة في مكافحة الإرهاب، مجلة الجيش الوطني الشعبي، العدد 666، جانفي 2019، ص19-20.

  • بيان بموقع وزارة الدفاع الوطني، الحصيلة العملياتية للجيش الوطني الشعبي لسنة 2017، تاريخ النشر 27 ديسمبر 2017، عبر الموقع: www.mdn.dz.

  • الحصيلة العملياتية لسنة 2016، مجلة الجيش الوطني الشعبي، العدد 642، جانفي 2017، ص18.


الجدول (2): يوضح الحصيلة العملياتية للجيش الوطني الشعبي لسنة 2020

المراجع:

1. مهددات-الاستقرار-التحديات-الأمنية-ومستقبل-الأوضاع-في-الجزائر visiter le 04/07/2022, H22:24. https://futureuae.com/ar-AE/Activity/Item/20/ 

2. بوعلام غمراسة، قلق جزائري من تجاهل أطراف النزاع في مالي لـ: "اتفاق السلام"، متاح على الرابط التالي:   https://aawsat.com/home/article/2990421/ visiter le 04/07/2022, H21 :08.

3. على الرابط: http://elmihwar.dz/ar/233542/جريمة-قتل-جمال-تُعيد-خطاب-الكراهية-إلى/

4. على الرابط:  https://www.alkhaleej.ae/

5. الجزائر-تندد-بتصاعد-الشعبوية-التي-تكر/https://elghadeldjazairi.dz/

6. قانون رقم 20-05، يتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتهما، مؤرخ في 28 أفريل سنة 2020، الجريدة الرسمية، عدد 25، الصادرة بتاريخ 29 أفريل سنة 2020.

7. المادة 2 من القانون 20-05، مرجع سابق.

8. المادة 10 من نفس القانون.

9. المادة 11 من القانون 20-05، مرجع سابق.

10. المادة 14 من نفس القانون.



whatsApp.Icon-01.png
bottom of page