top of page

أثر شبكات التواصل الاجتماعي على المؤسسة الزوجية

تتأثر العلاقات الاجتماعية بطبيعة العوامل البيئية المحيطة بالأفراد، ففي ظل تزايد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي - السلاح ذو الحدين - داخل الأسرة، كان لابد من الحديث عن تأثير هذه الشبكات على صحة العلاقات بين الأزواج، وبيان أهم الآثار ...

Jan 15, 2023

عرين ياسين

أثر شبكات التواصل الاجتماعي على المؤسسة الزوجية

       تتأثر العلاقات الاجتماعية بطبيعة العوامل البيئية المحيطة بالأفراد، ففي ظل تزايد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي - السلاح ذو الحدين - داخل الأسرة، كان لابد من الحديث عن تأثير هذه الشبكات على صحة العلاقات بين الأزواج، وبيان أهم الآثار النفسية والاجتماعية والصحية للإدمان عليها داخل المؤسسة الزوجية. وتؤثر الرسائل المبثوثة على وسائل التواصل الاجتماعي وما يقضيه الفرد من ساعات على هذه المنصات على طبيعة العلاقات الزوجية، ومدى فاعلية نقاط التواصل في نقل المعلومات والأفكار والمشاعر بين الزوجين، والتي تؤثر بدورها على طبيعة البيئة المهيأة لتربية الأبناء وصقل شخصياتهم في ظل عائلة سليمة قادرة على أن تكون جزءاً فاعلاً في المجتمع؛ ومن هنا تسلط الكاتبة الضوء على أثر شبكات التواصل الاجتماعي على المؤسسة الزوجية. أهمية المؤسسة الزوجية تعتبر الأسرة حجر الأساس لبناء المجتمع، ونواته وبذرة العطاء الأولى، فبنجاحها تنجح الأمة وبسقوطها يتصدع المجتمع؛ ومن أهم النقاط الأساسية التي تحدد نجاح المؤسسة الزوجية هي التفاهم والتعاون والتشاركية في كل الأمور، وأن يكون التواصل والتفاهم بين الزوجين مبني على التفاهم والوضوح؛ لما لذلك من أهمية في توفير بيئة صحية للطرفين حتى قبل التفكير في دخول فرد جديد إلى العائلة.

إن قرار الإنجاب لا بد أن يكون مدروساً من كافة النواحي النفسية والاجتماعية والاقتصادية لكلا الزوجين، وما إذا كانا مستعدين لتحمل هذه المسؤولية المشتركة بعيداً عن الأنانية لتأمين حياة صحية للأبناء، ولتكوين فرد سليم سوي قادرٍ على العطاء، على اعتبار أن الآباء والأمهات هم الباعث الأساسي والعامل الأكثر أهمية في تكوين شخصية هؤلاء الأبناء (شافعي، 2021). الأثر الذي تحدثه شبكات التواصل الاجتماعي شبكات التواصل الاجتماعي (Social media) هي مجموعة البرامج والمواقع التي تُستخدم من خلال أجهزة الكمبيوتر أو الهواتف الذكية بوجود الإنترنت للتواصل بين المستخدمين، تتم من خلالها تبادل الأفكار والمعلومات، وتوفير إمكانية الوصول للمعلومات، والمُستندات، والصور، ومقاطع الفيديو بأشكالها المختلفة. كان أول ظهور لمواقع التواصل الاجتماعي ﻓﻲ أواﺨر القرن العشرين إذ ظﻬر ﻤوﻗﻊ (Classmates.com) ﻋﺎم (1985) اﻋﺘﻤد ﻫذا الموقع ﻋﻠﻰ ﻓﺘﺢ ﺼﻔﺤﺎت ﺸﺨﺼﻴﺔ للمستخدمين، وﻋﻠﻰ إرﺴﺎل رﺴﺎﺌل لمجموعة ﻤن اﻷﺼدﻗﺎء، لكن ﺘم إﻏﻼﻗﻬﺎ، ﻷﻨﻬﺎ لم تأت ﺒﺄرﺒﺎح لمالكيها؛ وبقي الأمر كذلك إلى أن راﺠت ﺼﻨﺎﻋﺔ ﻤواﻗﻊ (اﻹﻨﺘرﻨت) التي ﺘﻘوم ﻋﻠﻰ ﺘزوﻴد ﻤﺴﺘﺨدﻤﻴﻬﺎ ﺒﻤﺎ ﻴﺒﺤﺜون ﻋﻨﻪ ﻤن ﻤﺤﺘوﻴﺎت ﻋﺒر ﺸﺒﻜﺔ ﺒث ﻤﻜوﻨﺔ ﻤن ﻤواﻗﻊ إلكترونية ﺨﻼل ﺴﻨوات التسعينيات، ورافق ذلك ﺘطﺒﻴﻘﺎت كالبريد الإلكتروني، والدردشة، وﻤﻨﺘدﻴﺎت الحوار، إلى أن ظهر الفيسبوك والانستجرام والتويتر والواتساب وغيرها من المواقع (أبو زيد، 2012: 26).

       ومما لا شك فيه أن لمواقع التواصل الاجتماعي دورٌ في تكوين وبناء العلاقات، فقد وفّرت للأفرد الفرصة للتعبير عن أفكارهم وجمعت لهم المهتمين من شتى أنحاء العالم، لتبادل الخبرات والآراء والمعارف، علاوة على انتشار المقالات والفيديوهات التعليمية في ما يخص العلاقات وكيفية التعامل مع شريك الزوجية والأبناء في الكثير من المواقف والتحديات والمشاكل اليومية، وأتاحت إمكانية المشاركة من قبل الجمهور في التعليق وإبداء الآراء والنقاش حول الموضوعات المطروحة (خديجة و عبدالجليل، 2022: 69) عدا عن ذلك لم يكن لدينا الفرصة في الماضي للبقاء على اتصال دائم مع الأصدقاء والعائلة في حالة وجودهم في دولة أو مدينة أخرى، ولكن الآن أصبح التواصل أكثر سهولة مع أي شخص وفي أي مكان، إضافة إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة ترفيه و تفريغ للطاقة بعيداً عن ضغوطات الحياة (جيوسي، 2015: 238).

       ولابد من التنويه إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تعد أحد أسباب التعارف وتتويج الكثير من العلاقات بالزواج حتى وإن كان هذا الأمر لن ينال إعجاب الكثير - حيث أن أغلب هذه العلاقات تبدأ بطريقة خارجة عن نطاق العادات والتقاليد - ولكن هذه هي الحقيقة (ساقني،2022: 69) وكما أن لمواقع التواصل الاجتماعي إيجابيات فيما يخص العلاقات بين الزوجين، فإن لها سلبيات كذلك، فلهذه المنصات دور في تأجيج المشاكلات بين الأزواج، إذ يتعمد كثير من رواد هذه المنصات على إظهار الصورة المثالية عن حياتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ مما يسبب الإحباط واليأس للبعض جراء تتبع الأقارب والمشاهير والمؤثرين وأخبارهم، وإجراء المقارنات بالمستوى الاجتماعي والمادي معهم، والتي تؤثر على الصحة النفسية وطريقة تعاطي الفرد مع معطيات الحياة المتاحة لديه، ليبدأ بالسخط على واقعه ويتبعها المشاحنات بين الزوجين على إثر ذلك، بالإضافة إلى تلك التي تحدث بسبب معايير الجمال التي يبثها رواد مواقع التواصل الاجتماعي والمقارنات في شكل ومواصفات الشريك مع غيره من رواد هذه المنصات والتي تضغط على الفرد ليكون أكثر مثالية لإرضاء الشريك (الردايدة، 2019).

       كما تقوم وسائل التواصل الاجتماعي بفتح مجال التعبير عن المشاعر في أوقات الفرح والحزن ونقل التفاصيل العائلية، مما يسمح بالتفاعل مع هذه المنشورات من قبل الأهل والأصحاب وأحيانا الغرباء، مما يفتح ذلك باب التدخل غير المبرر بحياة الزوجين في الكثير من الأمور الخاصة، ليزيد من احتمالية تفاقم المشاكل في أوقات المشاحنات بين الزوجين، واحتمالية تعكير صفو اللحظات الجميلة في أوقات الفرح بينهم (طراد، 2022). إن انشغال أحد الزوجين على مواقع التواصل الاجتماعي وقضائه الكثير من الوقت على هاتفه يزيد من الفجوة العاطفية عند جميع أفراد الأسرة بما فيهم الأبناء ويزيد من خيبة أمل الشريك، و الذي تنعكس آثاره على استقرار المنزل بشكل عام وعلى أداء الواجبات تجاه المنزل والعمل والأبناء، إضافة أنّ لهذه المنصات سهم في إثارة الشكوك بين الزوجين وتأجيج الغيرة بينهما، خاصة مع إمكانية تتبع الزوجين لنشاط كل منهما على هذه المنصات بسهولة (أبوعنزه، 2012).

       كما يزيد ذلك من المخاوف ويخلق لديهم المزيد من الشكوك التي من شأنها أن تهدم هذا البيت الذي يجمعهم، وأنه من الضروري أن تكون العلاقة الزوجية مبنية على التفاهم والشفافية بعيداً عن الحواجز، مع تبني ثقافة الشفافية الأسرية الرقمية بأن لا يكون هناك أرقام سرية على الهاتف المحمول لكلا الطرفين أو إذا كان ضرورياً فلا بأس بمشاركة بعضهما البعض تلك الأرقام بما لا يتنافى مع احترام الخصوصية، ولا بأس بالاتفاق مع الشريك بتحديد أوقات معينة لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي ضمن المساحة الصحيحة، ليقوم بذلك الآباء والأمهات بوضع قوانين للأبناء وتأطير استخدامهم لمواقع التواصل الاجتماعي بحيث لا يستطيعون وضع حد لذلك دون البدء بأنفسهم أولاً (طراد، 2022).

الخاتمة

       مواقع التواصل الاجتماعي بحر يجمع الكثير من الأفكار والمعتقدات من جميع الفئات والأعمار والجنسيات، والفرد هو من يتحكم بطبيعة الاستجابة للرسائل وكمية التأثير الواقع عليه تحت مسمى المسؤولية الفردية؛ ومما سبق يمكن استعراض النتائج التالية: إن سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يهدد الاستقرار الأسري، وان أساس العلاقات هو التفاهم والحوار المباشر بعيداً عن الحواجز التي من الممكن أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي أساسها. إن حياة أغلب رواد مواقع التواصل الاجتماعي ما هي إلا مثاليات يدعيها الكثيرون هروباً من واقعهم أو تباهياً بما لديهم. غياب ثقافة الشفاقية الأسرية الرقمية تزيد من الشكوك في مدى وفاء الطرف الآخر وتزيد من الفجوة العاطفية بينهما. انشغال أحد الزوجين عن الآخر ومكوثه ساعات طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي على حساب وقت العائلة يزيد من تفكك الأسرة ويضعف نقاط التواصل بينهم. تتأثر نفسية الأبناء وشخصياتهم في مدى مكوث الآباء والأمهات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يحتاج الأبناء إلى بيئة سليمة والكثير من الاهتمام من قبل الأهل.

المراجع:

  • جيوسي، مجدي راشد. (2015). واقع العلاقات الأسرية المترتبة على مواقع التواصل الاجتماعي من وجهة نظر أولياء أمور الطلبة في مدينة طولكرم. المجلة الأردنية للعلوم التطبيقية، مج 17، ع2: 235-252

  • شافعي، داليا. (2021). ظاهرة تفشي الاتكالية في الحياة الزوجية غياب المسؤولية بين الأسر الجديدة، متاح: https://2u.pw/Dv0gyn.&nbsp;</p></li>

  • خديجة، فدول وعبد الجليل، ساقني. (2022). واقع التعارف والزواج عبر الإنترنت: الفيسبوك نموذجاً، مجلة آفاق العلمية، مج14، ع4: 64-80.

  • أبوعنزه، مرام. (2012). إدمان مواقع التواصل الاجتماعي .. يشعل نار الخلافات الزوجية، متاح: https://2u.pw/qWzINw.&nbsp;</p></li>

  • طراد، عصام. (2022). أثر وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الأسرية، مقابلة على قناة رؤيا، متاح: https://2u.pw/TmmHZl.&nbsp;</p></li>

  • أبو زيد، طاهر حسن. (2012). دور المواقع الاجتماعية التفاعلية في توجيه الرأي العام الفلسطيني وأثرها على المشاركة السياسية: دراسة ميدانية. (رسالة ماجستير غير منشورة). جامعة الأزهر- غزة، غزة، فلسطين.

  • الردايدة، إسراء. (2019). منصات التواصل.. مقارنات اجتماعية تسرق الإحساس بالرضا والقناعة، متاح: https://2u.pw/7hC8FS.</p></li>



whatsApp.Icon-01.png
bottom of page