top of page

النظرية البنائية الوظيفية

Oct 11, 2023

النظرية البنائية الوظيفية

    تعتبر النظرية البنائية الوظيفية من النظريات السوسيولوجيه التي تناولت علم الانثروبولوجيا وعلم الاجتماع، حيث شغلت حيزا كبيرا في أدبيات علماء الاجتماع خاصة في بدايات القرن العشـرين، واحتلت مكانه مرموقة بين نظرياته، فهي لم تأت نتيجة جهد عالم بعينه بل تضافرت جهود العديد منهم في مجالي علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الاجتماعية. 

    فالنظريَّة الوظيفيَّة من أقوى نظريات الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع في الوقت الحاضـر، فهـي تتميَّز بعـدم اهتمامهـا بالماضـي أو بتاريخ النظـم الاجتماعيَّـة، وإنما ينصب اهتمامها على الكشف عن وظائف هذه النظم، وقد ركَّز الاتّجاه البنائي الوظيفي على دراسة الثقافات كل على حدة في واقعها وزمانها الحالي، فالوظيفة إذ ليست دراسة متزامنة، وإنما هي دراسة آنيَّة. 

    وتعتبر النظريَّة البنائيَّة الوظيفيَّة The Stuctural Functional Theory أحد الاتجاهات الرئيسيَّة في علم الاجتماع المعاصر، وعندما تستخدم كإطار لفهم موضوعات الأسرة، فإنها تواجه متطلّبات عديدة نظراً لتعدّد الاهتمامات والموضوعات المتاحة داخل نطاق الأسرة مثل العلاقات بين الزوج والزوجة والأبناء، وكذلك التأثيرات المنبعثة من الانساق الأخرى في المجتمع الكبير كالتعليم والاقتصاد والسياسة والدين والمهن على الحياة الأسريَّة وبالتالي تأثير هذه الحياة على تلك الأنساق. 

    وقد استمدَّت هذه النظرية أصولها من الاتجاه الوظيفي في علم النفس وخاصَّة النظـريَّـة الجشطلتيَّـة، ومـن الوظيفـة الأنثروبولوجيَّـة كمـا تبـدو فـي أعمـال مالينوفسكي وراد كليف بروان ومن التيارات الوظيفيَّة القديمة والمحدثة في علم الاجتماع عند تالكوت بارسونز. 

    وينظر معظم أصحاب النظريَّة إلى المجتمعات الإنسانيَّة على أنها نسق اجتماعي تعتمد أجزاؤها بعضها على بعض ويدخل كل جزء منها في عدد من العلاقات الضـروريَّة للوصول إلى القوانين التي تنظم الحياة الاجتماعيَّة والمقصود بوصف المجتمع الإنساني بأنه نسق أي إن الحياة الاجتماعيَّة يسودها نوع من الترتيب والتماسك والاستمرار، لا يتيسـر للفرد بدونه أن يشبع أبسط حاجاته الأوليَّة والثانويَّة ويرجع هذا الترتيب إلى تجمع العلاقات الاجتماعيَّة إلى مجموعات، تتخذ كل مجموعة صورة نظام اجتماعي. 

    فالنظرية تناقش نظام العلاقات الذي يَعكس أساس المجتمع، وهذا النظام عبارة عن هيكل يُساعد على تَحديد طبيعة حياة الأفراد وتَشَكل شخصياتهم، وتَدرس النظرية الواقع الاجتماعي الذي يَمنع ظُهور الفرد الحر والحرية الفردية، ومن جهة أخرى تَدرس القوانين الهيكلية التي تُشكل المُجتمع الواحد، و يُعد اميل دوركهايم الأب الروحي للمدرسة النَّظرية الوظيفية في علم الاجتماع، من خلال إطلاقه صفة العضوية على التَّضامن الاجتماعي في المُجتمعات الحديثة، وذلك بشكل واضح في كتاباته حول نظام تقسيم العمل، وما له من علاقة متينة بظاهرة التضامن الاجتماعي والشُّعور الجمعي، واعتبرَ دوركهايم قيام أعضاء المجتمع (المؤسسات، النظم، الطبقات، الأفراد) بالوظائف الموكلة إليهم شرطًا لبقاء المجتمع واستمراره، تماما كما يُعد قيام أعضاء الكائن الحي بوظائفه شرطا لبقاء ذلك الكائن([1]). 

    والبنائية الوظيفية هي النظرية التي تم تطويرها في ثلاثينيات القرن العشـرين، من قبل عدة من العلماء أمثال: أميل دوركايم، وماكس فيبر، وتالكوت بارسونز، واستخدمت بشكل واسع لوصف النظم الاجتماعية ووصف الوظيفة التي يجب أن يضطلع بها كل نظام لتحقيق الفكرة الرئيسية لهذا الاتجاه النظري المتمثل في الحفاظ على تماسك المجتمع وتوازنه، والذي يتحقق من خلال المحافظة على توازن النظام وتكامله مع بقية نظم المجتمع([2]). 

    ويرجع تسمية النظرية البنائية الوظيفية لاستخدامها مفهومي البناء Structure والوظيفة Function، وتنطلق الوظيفية من عدة قضايا مترابطة، فهي تسلم بأن المجتمع يمثل كلاً مؤلفاً من أجزاء مترابطة يؤدي كل منها وظيفة معينة من أجل أهداف الكل، ومعنى ذلك أن المجتمع ما هو إلا نسق يضم مجموعة من العناصر المتساندة التي تساهم في تحقيق تكامله([3]). 

    ومصطلــح البنائية يُعد جديداً نسبياً لذلك لا يوجد تعريف محدد وشامل لها بما يضمن المفاهيم والمعاني والعمليات النفسية، إلا أن منظري البنائية حاولوا تعريفها على أنها: الفلسفة المتعلقة بالمتعلم والتي تفترض حاجة المتعلمين لبناء فهمهم الخاص على أفكار جديدة، أو هي عملية استقبال تتضمن اعادة بناء المتعلمين لمعاني جديدة داخل سياق معرفتهم الآتية مع خبراتهم السابقة وبيئة التعلم([4]). 

    كما تُعرف النظرية البنائية على أنها عملية تفاعل بين ثلاثة عناصر في الموقف التعليمي: الخبرات السابقة، المواقف التعليمية المقدمة للمتعلم، والمناخ البيئي الذي تحدث فيه عملية التعلم، وذلك من اجل بناء وتطوير تراكيب معرفية جديدة، تمتاز بالشمولية والعمومية مقارنة بالمعرفة السابقة، واستخدام التراكيب المعرفية الجديدة في معالجة مواقف بيئية جديدة. 

    ويُعرفها ويتلي بأنها نظرية التعلم الذي يعني التكيفات الحادثة في المنظومة المعرفية الوظيفية للفرد من أجل معادلة التناقضات الناشئة من تفاعله مع معطيات العالم التجريبي. 

    وتًعرف أيضاً بأنها توجه فلسفي يفترض أن التعلم يحدث داخلياً عند المتعلم حيث أنه هو الذي يبني المعرفة عن طريق اعادة تشكيل بنيته الفكرية والمعرفية. 

    ويتضـح مـن التعريفات السابقـة أنهـا تتفق علـى أن الفكـر البنائي يشمل كلاً من البنية المعرفية والعمليات العقلية التي تتم داخل المتعلمين، وأن التعلم يحدث نتيجة تعديل الأفكار التي بحوزة المتعلمين، أو أضافة معلومات جديدة، أو اعادة تنظيم ما هو جديد من أفكار لديهم، كما وتتفق على أن المتعلمين هم محور العملية التعليمية، وأنهم يعملون على بناء معرفتهم الجديدة بشكل جماعي([5]). 

نشأة النظرية البنائية الوظيفية في علم الاجتماع 

    لقد ظهرت البنائية الوظيفية في نهاية القرن التاسع عشـر وبداية القرن العشـرين، وكانت بمثابة رد فعل للمعوقات والانتقادات والمشكلات التي وجهت لكل من النظرية البنائية والنظرية الوظيفية، ان النظرية البنائية الوظيفية جاءت لتكمل الاعمال التي بدأت بها كل من البنائية والوظيفية، ذلك ان النظرية البنائية الوظيفية تعترف بأن لكل مجتمع او مؤسسة او منظمة بناء والبناء يتحلل الى اجزاء وعناصر تكوينية، ولكل جزء او عنصـر وظيفة تساعد على ديمومة المجتمع او المؤسسة او المنظمة، لذا فالفكر البنائي الوظيفي يعترف ببناء الكيانات أو الوحدات الاجتماعية ويعترف في الوقت ذاته بالوظائف التي تؤديها الاجزاء والعناصر الاولية للبناء أو المؤسسة ووظائف المؤسسة الواحدة لبقية المؤسسات الاخرى التي يتكون منها المجتمع، علماً بأن النظرية البنيوية الوظيفية تعتمد على النظرية البيولوجية التي جاء بها جارلس دارون في كتابه "أصل الانواع" اذ ان دارون تناول دراسة الاجزاء التي يتكون منها الكائن العضوي والترابط بينها ودرس وظائفها للكائن العضوي ككل . 

    وقد استفاد علماء الاجتماع البنائيون الوظيفيون من الافكار البيولوجية والعضوية التي جاء بها دارون عند دراسته للكائن الحيواني من حيث البناء والوظيفة والتطور، ذلك ان للمجتمع بناء ووظيفة، وان هناك تكاملا بين الجانب البنيوي للمجتمع والجانب الوظيفي اذ ان البناء يكمل الوظيفة والوظيفة تكمل البناء، فكيف يمكن التحدث عن البناء دون ذكر وظائفه، وكيف يمكن اتحدث عن وظائف الجماعات والكيانات دون تناول بنائها، وهنا يقول تالكوت بارسونز في كتابه "النسق الاجتماعي" لا بناء بدون وظائف اجتماعية ولا وظائف بدون بناء اجتماعي، وهذا يدل على وجود علاقة متفاعلة بين البناء والوظيفة، وان هناك درجة عالية من التكامل بينهما، اذ لا نستطيع الفصل مطلقاً بين البناء والوظيفة، وبناء على هذه المسلمة نستطيع توجيه الانتقاد الى النظرية البنيوية والنظرية الوظيفية، فالبنيوية ترى بأن الموجود هو البناء والأجزاء التركيبية للبناء، بينما ترى الوظيفية بأن الموجود هو الوظائف التي تفيد المجتمع وليس البناء، الأمر الذي دفع البنيويين الوظيفيين الى الربط العلمي الغائي بين الوظيفة والبناء اذ لا بناء بدون وظيفة ولا وظيفة بدون بناء، اما علماء الاجتماع الذين درسوا البناء والوظيفة جنباً الى جنب دون التحيز الى ركن دون الركن الاخر فهم هربرت سبنسـر وتالكوت بارسونز وروبرت ميرتون وهانز كيرث ورايت ميلز وجون ريكس وكينكزلي ديفيز وغيرهم . 

    ومن المؤكد ان الاتجاه البنيوي الوظيفي قد ظهر في علم البيولوجي وفي علم النفس وفي علم الانثروبولوجي الثقافي قبل ان يظهر في علم الاجتماع، فعلم البيولوجي يعتقد بأن الكائن العضوي الحي يتكون من اجزاء او تراكيب بنيوية، ولهذه الاجزاء او التراكيب وظائفها الخاصة، والوظائف هذه تساعد على بقاء الكائن العضوي الحي وديمومته، حيث استُعمل الاتجاه البنيوي الوظيفي في علم النفس في بداية القرن العشرين عندما ظهرت أدوات تحليلية مختلفة تحاول أن تصف بدقة الاجزاء أو العناصر التي تتكون منها العمليات العقلية كالإرادة والانفعال والدافع والإحساس والإدراك …الخ، غير أن الاتجاه البنائي الوظيفي لم يعين الوحدة الاساسية التي تربط العناصر الفرعية، ففي العشـرينات والثلاثينيات من القرن الماضي ظهرت نظرية الجشطالت التي تعتقد بأن اي عنصر من عناصر العملية العقلية يجب أن يدرس في ضوء الكل الذي تتكون منه الاجزاء أو العناصر على الرغم من وجود الاختلافات بين الكل والأجزاء. 

    وبالتالي استثمر علم الاجتماع فكرة البناء والوظيفة في دراسته للمجتمعات والجماعات والمؤسسات والمنظمات، فالمؤسسة أو النسق الفرعي له بناء يتحلل إلى عناصر بنيوية يطلق عليها الأدوار، ولكل دور وظيفة، وهذه الوظائف مكملة لبعضها البعض، لأن التكامل يكون بين البنى وبين الوظائف كما تعتقد النظرية البنائية الوظيفية([6]). 

أهم مبادئ النَّظرية البُنيوية الوظيفية 

  1. أن المجتمع، الجماعة أو المؤسسة هو بناء يتكون من أجزاء ولكل جزء وظيفة، ووظيفة كل جزء تكون مُكملة لوظائف الأجزاء الأخرى، مثلا: العمل في المصنع أو المدرسة أو المؤسسات الأخرى. 

  2. كل قسم من هذه الأقسام يؤدي وظائف مُتخَصِصة، تُساعد على الاستمرارية والقدرة والفاعلية في تحقيق الأهداف المُخططة والمُحسوبة. 

  3. يوجد نظام اتصال، وعلاقات إنسانية تُمرر عن طريقه المعلومات، من المراكز القيادية المتمثلة بالمدير والمسؤول إلى العمال أو العكس. 

  4. يوجد نظام لتقسيم العمل، يحدد واجبات كل فرد وحقوقه، كما يحدد أساليب اتصاله وتفاعله مع الآخرين. 

بعض أعلام النظريَّة البنائيَّة الوظيفيَّة: 

    يرجـع الفضـل للعلامـة البريطاني "هـربـرت سبنســرHerbert Spencer " والعلامة الفرنسـي أميل دوركهايم Emil Durkeim في توجيه انتباه الأنثروبولوجيون نحو التحليل الوظيفي، فقد لاحظ سبنسـر أن هناك تشابهاً بين المجتمع والجسم الحي ولكنه تشابه غير كامل، إذ يستمد كل منهما كيانه ووحدته وتماسكه من عوامل خاصة به، فالعوامل التي تؤدي إلى وحدة الجسم هي عوامل ماديَّة داخل الجسم أما المجتمع فيستمد وحدته من عوامل خارج جسم الأفراد، مثل العادات والتقاليد والعرف، وقد أطلق على تلك العوامل الاجتماعيَّة اصطلاح ما فوق العضوي، وقد لاحظ "سبنسـر" أن الجماعات الإنسانيَّة تميل دائماً إلى النمو، فيكبر حجمها ويزداد فيها التنظيم والتكامل وكلما ازداد التباين البنائي ازداد تساند أجزاء الكائن الاجتماعي واعتمد بعضه على بعض([7]). 

    حيث أن الاتجاه البنائي الوظيفي في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الاجتماعيَّة والثقافيَّة قد تأثر بالاتجاه الوظيفي في علم الأحياء أي أن علم الأحياء منقسم حول فكرة أن كل عضو يقوم بوظيفة أو وظائف ضروريَّة لحياة الكائن الحي ويؤكد على مبدأ الاعتماد المتبادل للأعضاء وبصفة مماثلة يتكون المجتمع من أعضاء وكل عضو يقوم بوظيفة أو وظائف تسهم في بقاء النظام الاجتماعي واستمراريته على أساس الترابط والتأثير المتبادل([8]). 

    ويرى العالم راد كليف بروان Rad Cliffe Brown أن وظيفة أي نظام اجتماعي يكمن في الدور الذي يلعبه في البناء الاجتماعي الذي يتألف من أفراد يرتبطون بعضهم ببعض في كلٍ واحد متماسك عن طريق علاقات اجتماعيَّة محدَّدة، ويتحقق استمرار هذا البناء بعمليَّة الحياة الاجتماعيَّة ذاتها، بمعنى أن الحياة الاجتماعيَّة في أي مجتمع هي التي تخلق ذلك البناء وتحافظ على كيانه، وتبعاً لهذا التصور يكون للنسق الاجتماعي وحده كيان وظيفي، فهو ليس مجرد تجمع أو حشد وإنما هو كلٌ متكامل([9]). 

    ويـــرى بارسونز أن البنى الاجتماعيَّة تشتمــل على أنظمة من القيم والمعايير الاجتماعيَّة الشـرعيَّة المتأصِّلة في مؤسَّسات المجتمع وهو بذلك يستخلص هذه الأنظمـة المعياريَّة مـن العلاقات والسلوكيـات الاجتماعيَّة التـي يمـكن ملاحظتـها ويتعامل معها كبناء فرعي يشكل الحياة الاجتماعيَّة داخل النظام الكلي وهذه القيم والمعايير المؤسسيَّة هي في رأيه التي تنظم سلوك أعضاء المجتمع وتحافظ على النظام بينهم، ولم يكن بارسونز مهتماً بالنظام الاجتماعي في حد ذاته فقط وإنما كان مهتماً أيضاً بعلاقته بأنظمة الفعل الأخرى وخاصة نظامي الشخصيَّة والثقافة، حيث نظر بارسونز إلى المجتمع على أنه شبكة واسعة من الأجزاء المترابطة كل جزء منها يساعد في المحافظة على النظام ككل، ويزعم المدخل الوظيفي أنه إذا لم يسهم جانب ما من جوانب الحياة الاجتماعيَّة في استقرار المجتمع أو بقائه، أي إذا لم يقم بوظيفة مفيدة محددة أو يعزِّز من الإجماع القيمي بين أعضاء المجتمع فلن ينتقل هذا الجانب من جيل إلى الجيل الذي يليه([10]). 

    حيث يعتمد المنظور الوظيفي على افتراض أساسي يدور حول فكرة تكامل الأجزاء في كلٍ واحد والاعتماد المتبادل بين العناصر المختلفة للمجتمع، ويرى هذا المنظور أن المجتمع نسق يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة ويهتم بدراسة العلاقة بين مختلف هذه الأجزاء وبين المجتمع ككل. 

    ويرى أصحاب المنظور الوظيفي أن النظام الاجتماعي يقوم على مبدأ الاعتماد المتبادل بين هذه الأجزاء، وإن أي تغير يحدث في أي جزء من أجزاء المجتمع يصاحبه بالضرورة تغير مماثل في الأجزاء الموجودة في النظم الأخرى وفي المجتمع ككل على أن أجزاء النسق الاجتماعي تعد كلها مترابطة بعضها مع بعض([11]). 

أهم الانتقادات التي وجهت إلى النظرية البنائية الوظيفية 

    تعرضت البنائية الوظيفية إلى ثورة كبرى من الانتقادات، إذ أخذت على هذا الاتجاه انه أحادي النظرة، بمعنى أنه لا يرى ويبحث في النسق الاجتماعي إلا أبعاد التوازن والوظائف وتحقيق الأهداف، فلا يهتم بتحليل أبعاد أخرى للظاهرة الاجتماعية، مثل أبعاد التغير والاضطراب والأمراض والمشكلات الاجتماعية، كما انصب التركيز على الجوانب الثابتة من النسق الاجتماعي والابعاد الثقافية للنسق كانت أكثر استخداماً في التفسير من غيرها من مكونات النسق، وهناك اهمال غير مقبول لعنصـر أساسي في فهم تغير وتطور المجتمعات والمتمثل في موضوع الصرع الاجتماعي، وبذلك فهي تركز على الثبات الاجتماعي أكثر من اهتمامها بقضايا التغير الاجتماعي([12]). 

    كما أخذ عليها تطرفها الشديد في التركيز على محاكاة نماذج العلوم الطبيعية، والاهتمام المفرط بالجوانب الثابتة على حساب الجوانب الحركية المتغيرة، حيث اعتبرها "داهرندورف" من قبيل اليوتوبيا بينما رأى عالم الاجتماع "بوبوف" السوفيتي أنه تصور المجتمع على أنه نظام أبدي لا يعرف التطور والانتقال إلى وضع جديد، بينما رأى "رايت ميلز" في كتابه: "التصورات السوسيولوجي" أن "بارسونز" قد قدم مبررات أخلاقية لاستمرار القوى المتحكمة في السلطة؛ من خلال التركيز على الاستقرار وتحقيق التوازن ومراقبة الأفراد؛ بفرض قيم ومعايير فوقية تحارب مسبقاً أي محاولة للتغير أو أي شكل من أشكال التمرد، كما أخذ عليه استخدامه لمفاهيم مركبة ولغة غامضة زادت من تعقيد الظاهرة الاجتماعية أكثر مما فسرتها([13]). 

ويمكن تلخص تلك الانتقادات بالنقاط التالية: 

  1. اهتمام النظرية بالتنسيق الاجتماعي وبالجوانب الثابتة ولم تهتم بالأبعاد والمتغيرات الديناميكية في التنسيق الاجتماعي، على الرغم من أن الأبعاد هي الكائنات التي كانت أكثر استخدماً عن غيرها من مكونات التنسيق. 

  2. المبالغة في التواصل مع العلوم الطبيعية وبالأخص علوم الحياة اليومية، والاهتمام بالتنسيق الاجتماعي على أنه عضو يحكم كل الأساسيات التي تسيطر على حركة الكائنات الحية. 

  3. نظرتها إلى الأشياء نظرة أحادية، أي لا يُنظر إلى أي شيء أخر في التنسيق الاجتماعي إلا التوازن فقط، فهو لا يهتم بكيفية حل المشاكل والأمراض التي توجد في المجتمع. 

  4. ابتعاد النظرية عن كيفية التغيير الاجتماعي، فهو لا يعطي أي وجه من العناية بالعوامل التي توجد داخل التنسيق ولا يهتم أيضاً بالتغيير الذي يحدث في المجتمع ولكن ينظر إلى بعض الأشياء الخارجية. 

  5. عدم التركيز على فكرة الخلافات الاجتماعية على الرغم من انها نقطة أساسية ومهمة حتى تساعد في تنمية المجتمع الصناعي والانسان. 

  6. عدم اهتمام النظرية بالاستفسارات الأساسية حول المجتمع وغايته ولكن تهتم دائماً بالنتائج التي تنتج عن هذه الأفعال فقط([14]). 

الخاتمة:

    ان المنظور البنائي الوظيفي كان ذا خلفية سياسية وأيديولوجية وعلمية مكنت المجتمعات الغربية من فهم ظواهرها المجتمعية ومن ثمة المساهمة في بناء أنظمة اجتماعية ونماذج نظمية حققت التطور والاستقرار المطلوبين والتحول الايجابي في السياق المنشود، وهذا يعني أن بناء المجتمعات في مرحلة ما بعد التحولات لا يتطلب قيم ومعايير وقواعد تأسيسية وضمير جمعي مبني على وعي مشترك وتوجهات مجتمعية متساندة فقط، وإنما يحتاج قبل ذلك إلى نظام مجتمعي مبتدع، وإلى نسق تصوري ومنهجي يضع الافتراضات الأولية للبناء، ومعالجتها منهجياً، ووضعها أخيراً في سياق التحول المجتمعي. 

النتائج: 

  1. تعتبر النظرية البنائية الوظيفية من الأشياء التي تمثل أكثر الأساسيات التي تهتم بالاتجاه في علم الاجتماع. 

  2. تعتبر النظرية البنائية الوظيفية مصدر رئيسـي ومهم لسياسة علم الاجتماع الذي يدرسه الكثير من الأشخاص في حياتهم. 

  3. تقوم النظرية على مبدأ أن المؤسسة أو النسق الفرعي له بناء يتحلل إلى عناصر بنيوية يطلق عليها الأدوار، ولكل دور وظيفة، وهذه الوظائف مكملة لبعضها البعض، لأن التكامل يكون بين البنى وبين الوظائف. 

المراجع: 

  • كريب، أيان (1999). النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس. سلسلة عالم المعرفة، مركز الثقافة والآداب والفنون، الكويت. 

  • جبريل، ليلى (2021). بحث عن النظرية البنائية الوظيفية. على الرابط: https://2u.pw/tzzlp

  • غربي، محمد وقلوزا، ابراهيم (2019). النظرية البنائية الوظيفية نحو رؤية جديدة لتفسير الظاهرة الاجتماعية. مجلة التمكين الاجتماعي، مج1، ع3، ص162-185 

  • عبد الجواد، مصطفى (2009). نظرية علم الاجتماع المعاصرة، ط1، دار المسيرة للنشر والتوزيع: عمان، الأردن. 

  • لطفي، طلعت والزيات، كمال. النظرية المعاصرة في علم الاجتماع، دار الغريب: القاهرة، مصر. 

  • عمرو (2022). النظرية البنائية: تعريفها، مبادئها، خصائصها، أسسها، انتقاداتها ودور المعلم والمتعلم فيها. على الرابط: https://2u.pw/t4ParDE 

  • الملاح، امل (2019). نظرية البنائية الوظيفية في علم الاجتماع، مجلة روزا اليوسف المصرية. 

  • لوطي، محمد (2020). النظرية البنائية الوظيفية، على الرابط: https://2u.pw/z0awZs 

  • العثمان، وسام (2002). المدخل إلى الانثروبولوجيا، ط1، الأهالي: دمشق، سوريا. 

  • الأحمر، أحمد (2004). علم اجتماع الأسرة بين التنظير والواقع المتغير، ط1، دار الكتاب الجديد: بيروت، لبنان. 

  • صغير، عطاف (2021). نظريات علم الاجتماع: نشوء علم الاجتماع التربوي مجالات اهتمامه وأهم نظرياته. مدونة تعلمي جديد، على الرابط: https://2u.pw/25G8x.

  •  McMahon, M. (2021). Structural Functionalism. Salem Press Encyclopedia. Riley, Alexander (2015). The Social Thought of Emile Durkheim. SAGE Publications, Inc. 

  • ([1])صغير، عطاف (2021). نظريات علم الاجتماع: نشوء علم الاجتماع التربوي مجالات اهتمامه وأهم نظرياته. مدونة تعلمي جديد، على الرابط: https://2u.pw/25G8x. 

  • ([2]) McMahon, M. (2021). Structural Functionalism. Salem Press Encyclopedia. Riley, Alexander (2015). The Social Thought of Emile Durkheim. SAGE Publications, Inc. 

  • ([3]) الملاح، امل (2019). نظرية البنائية الوظيفية في علم الاجتماع، مجلة روزا اليوسف المصرية. 

  • ([4]) عمرو (2022). النظرية البنائية: تعريفها، مبادئها، خصائصها، أسسها، انتقاداتها ودور المعلم والمتعلم فيها. على الرابط: https://2u.pw/t4ParDE. 

  • ([5]) عمرو (2022). النظرية البنائية: تعريفها، مبادئها، خصائصها، أسسها، انتقاداتها ودور المعلم والمتعلم فيها. على الرابط: https://2u.pw/t4ParDE. 

  • ([6]) لوطي، محمد (2020). النظرية البنائية الوظيفية، على الرابط: https://2u.pw/z0awZs 

  • ([7]) العثمان، وسام (2002). المدخل إلى الانثروبولوجيا، ط1، الأهالي: دمشق، سوريا. 

  • ([8]) الأحمر، أحمد (2004). علم اجتماع الأسرة بين التنظير والواقع المتغير، ط1، دار الكتاب الجديد: بيروت، لبنان. 

  • ([9]) العثمان، وسام (2002). المدخل إلى الانثروبولوجيا، ط1، الأهالي: دمشق، سوريا. 

  • ([10]) عبد الجواد، مصطفى (2009). نظرية علم الاجتماع المعاصرة، ط1، دار المسيرة للنشر والتوزيع: عمان، الأردن. 

  • ([11])لطفي، طلعت والزيات، كمال. النظرية المعاصرة في علم الاجتماع، دار الغريب: القاهرة، مصر. 

  • ([12])غربي، محمد وقلوزا، ابراهيم (2019). النظرية البنائية الوظيفية نحو رؤية جديدة لتفسير الظاهرة الاجتماعية. مجلة التمكين الاجتماعي، مج1، ع3، ص162-185. 

  • ([13])كريب، أيان (1999). النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس. سلسلة عالم المعرفة، مركز الثقافة والآداب والفنون، الكويت. 

  • ([14]) جبريل، ليلى (2021). بحث عن النظرية البنائية الوظيفية. على الرابط: https://2u.pw/tzzlp.

whatsApp.Icon-01.png
bottom of page