top of page

النظرية العامة للالتزام

Oct 11, 2023

دعاء نجيب

النظرية العامة للالتزام

    يُعد الإنسان كائناً اجتماعياً بطبعة، فلا تستقيم حياته داخل المجتمع دون نظم وقواعد وشرائع تتماشى مع طبيعته، الأمر الذي استدعى وجود هذه النظم والقواعد القانونية في حياته الاجتماعية على مر العصور ومختلف الأزمان، باختلاف أشكالها ومصادرها، فلا يُعد عيش الإنسان ضمن مجتمع مقنن نكراناً لفرديته واستقلاليته، وإنما جاء القانون لحفظ حقوق وحريات الأفراد من خلال الزامهم ببعض القيود التي تضمن حفظ العلاقات فيما بينهم. 

    وقد ساهم تنظيم القانون للحياة الاجتماعية وللمجتمع الاعتراف بحقوق الأفراد دخل الجماعات والمجتمع ككل، ومن ضمن الحقوق التي نظمها القانون حقوق مالية وحقوق غير مالية، فالحقوق المالية تشمل على الحقوق العينية والحقوق الشخصية، وينصب الحق العيني على عين معينة، في حين أن الحق الشخصي يكون عبارة عن حق مالي للدائن يقع في ذمة المدين، مما يُلزم الدائن لمدينة تقديم عطاء أو تقديم عمل أو الامتناع عن عمل لصالحه، وبذلك يكون الحق الشخصي مقابل للالتزام ومرادف له، وسنتناول في هذا المقال الحديث عن النظرية العامة للالتزام بداية بـ : 

أولاً: مفهوم الالتزام 

    عُرِّف الالتزام على أنه رابطة قانونية توجد بين شخصين يتمثل الأول بالدائن والأخر بالمدين، وعلى أثرها يترتب على الشخص المدين نقل حق عيني أو أداء عمل أو الامتناع عن عمل للطرف الدائن، حيث يكون محل الالتزام عبارة عن نقل حق عيني، كالتزام الشخص البائع بنقل ملكية الشيء المبيع إلى الشخص المشتري، اضافة إلى أن محل الالتزام قد يتمثل القيام بعمل معين، كالتزام مقاول ببناء بيت عهد إليه القيام ببنائه، وقد يتمثل محل الالتزام بالامتناع عن عمل معين، كقيام منظمة تجارية بالامتناع عن فتح مؤسسة مشابهة تهدف إلى تنافس المؤسسة المبيعه، أو امتناع ممثل عن أداء التمثيل مع شركة جديدة مغايره للشركة التي تعاهد معها بالتمثيل، الأمر الذي يُظهر أن الالتزام قد يكون إيجابياً وقد يكون سلبياً، حيث يكون إيجابي في حال هدف إلى نقل حق عيني، أو تضمن اداء عمل، وسلبي في حال كان بقصد الامتناع عن أداء عمل. 

    ووفق الفقه القانوني يُقصد بالالتزام أنه الرابطة القانونية التي تقع بين طرفين يلتزم أحدهما ويُسمى المدين، القيام بتأدية قيمة مالية لمصلحة الطرف الأخر الذي يُسمى الدائن، وبذلك فإن الالتزام رابطة قانونية شخصية بين الدائن والمدين ذات طابع وقيمة مالية([1]). 

    وينظر معظم الفقهاء إلى الالتزام على انه مرادف ومقابل للحق الشخصjي، حيث أن الرابطة القانونية التي تربط الشخص المدين بالشخص الدائن عبارة عن التزام في حال نُظر إليها من طرف المدين، كما انها تُعد حقاً في حال نُظر إليها من طرف الدائن، وعليه فإن الحق الشخصي عبارة عن رابطة بين طرفين أحدهما دائن والأخر مدين، يتوجب من خلالها على الدائن للمدين إما بنقل حق عيني أو بتأدية عمل أو الامتناع عن تأديته([2]). 

    فلا يعني أن يكون الالتزام رابطة قانونية بين طرفين دائن ومدين، أن يتوجب بالضرورة توفر شخص دائن وشخص مدين، حيث يمكن تصور الالتزام من دون وجود طرف دائن عند نشوئه، كما في حال الوعود بجوائز معينة للجمهور، وفي حال الاشتراط لمصلحة طرف يكون هذا الطرف إما شخصاً أو جهة لم يحدد وقت الاشتراط، أو أن يكون طرفاً مستقبلاً سواء أكان شخصاً أو جهةً معينة، وفي مثل هذا النوع من الالتزام المترتب على الطرف المدين دون وجود الطرف الدائن لا يظهر أثره الفعلي ولا تظهر ثمرته العملية، إلا إذا ظهر الطرف الدائن، ووجدت الرابطة القانونية بين الطرفين، الملتزم له والملتزم([3]). 

    ويُقصد بالنظرية العامة للالتزام مجموع الوسائل القانونية الفنية التي يتسنى بها تنظيم علاقات الأشخاص فيما بينهم وتسمح لهم بأن يكتسبوا حقوقاً مالية من بعضهم البعض، وبالتالي فإن النظرية العامة للالتزام تتضمن القواعد التي تحكم الحقوق الشخصية أو الالتزامات وهي أحد نوعي الحقوق التي ينظمها القانون المدني([4]). 

    وفي الواقـع أن عـبارة الالتـزام ليست شاملـة، فهـي لا تدل إلا علـى أحـد وجهي حالة قانونية وهو وجهها السلبي، يعني الحالة القانونية منظور إليها من جانب المدين مع ان كل حالة قانونية لها وجهان إيجابي وسلبي، فهي كما تتعلق بالدين (الالتزام) تتعلق بالحق المقابل، لذلك الالتزام إذا نظرنا إليه من جانب الدائن، ليس إلا وسيلة تكفل الحق أي تضمن للدائن الحصول على حقه([5]). 

ثانياً: أهمية نظرية الالتزام وتطورها 

    تُعتبر نظرية الالتزام المجال الرئيسي للدراسات القانونية، فهي بمثابة العمود الفقري للقانون، كما لها صلة وثيقة بسائر أجزاء القانون المدني وفروع القانون الأخرى، ولعل مرد ذلك يكمن في كون الالتزام له صلة بالحياة اليومية للأفراد فهو وسيلة كل شخص للحياة، يستعين بها لإشباع حاجاته، فمن يشتري شيئاً يبرم عقد شراء، ومن يستقل سيارة أجرة يبرم عقد نقل، مما يعني أن الإنسان ينتج يومياً شبكة من الالتزامات العديدة التي تمكنه في العيش ومزاولة نشاطاته، وهي التزامات تبقى محكومة بنظرية الالتزام باعتبارها وسيلة قانونية تنظم علاقات الأشخاص المالية، كما تعتبر أساس القانون المدني بل وأساس القانون الخاص بفروعه المختلفة([6]). 

    ومقابل الأهمية العملية لنظرية الالتزام نجد أنها تحظى بأهمية علمية بالغة، ذلك أن مادة الالتزامات مجال لاستخدام المنطق القانوني، وتتسم بتناسق كامل مما يجعل دراستها أداة لتكوين الملكة القانونية، فهي من جهة تؤسس المبادئ القانونية لاتصافها بالتجريد والعموم، نظراً لمنطق قواعدها ووحدة مدلولها؛ إذ هي تتكون من مجموع القواعد العامة الكبرى التي تستخلص منها تطبيقات جزئية وذلك لطريق الاستنساخ، ولعل هذه الخاصية هي التي جعلت نظرية الالتزامات لها صلة بأجزاء القانون المدني الأخرى وخاصة مادة العقود وبالحقوق العينية عامة، كما تتصل بالقانون التجاري الذي يتكون في معظمة من التزامات تنشأ بين التجار، بل إن نظرية الالتزام تتصل بجزء من أجزاء القانون العام وهو القانون الإداري، ففي العقود الإدارية هناك مجال واسع لتطبيق القواعد العامة للالتزامات، نفس الأمر ينطبق على قواعد المسؤولية التقصيرية ومبادئ الإثراء بلا سبب التي يجري تطبيقها في مجال المسؤولية الإدارية مع العلم أن قانون الالتزامات والعقود أفرد أحكاماً خاصة لمسؤولية الدولة وأشخاص القانون العام عن الأضرار الناشئة عن أنشطتها بمناسبة تدبير وتسيير مرافقها الإدارية([7]). 

    ولعل توسع نطاق تطبيق النظرية العامة للالتزامات جعلها في تطور نتيجة ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حيث أخذت التشريعات المدنية الحديثة بفكرة الغبن في العقود واستوجبت اعادة النظر في العقد الذي يصير غير عادل بالنسبة لأحد الطرفين، وحرمت التعسف في استعمال الحق أو إساءة استعماله، وسنت التزامات الجوار مع توسيع نطاق تطبيق نظرية الظروف الطارئة التي تخول للقاضي سلطة تعديل العقد متى توافرت شروط معينة، وفقاً لهذا السياق فإن النظرية العامة للالتزامات قابلة لمسايرة ظروف العولمة وإن كانت من النظريات الأكثر ثباتاً لما تتصف به من التجريد والعمومية وإعمال التفكير المنطقي([8]). 

ثالثاً: خصائص الالتزام 

    من خلال مفهوم الالتزام نجد أنه ينصب حول حق ذو قيمة مالية وهذا الحق له خصائص تتمثل فيما يلي([9]): 

  1. الالتزام واجب محدد من قبل القانون: فالالتزام يتحدد بالقانون ويكون محلة إما إيجاباً وإما سلباً، فيكون إيجاباً في حال نقل حق عيني وفي حال اداء عمل ما، ويكون سلباً في حال الامتناع عن أداء العمل، ويعني أن الالتزام واجب قانوني أي أن احترام الملتزم لالتزامه مربوط بالجزاء الذي يوجبه القانون عند الإخلاء به والذي يختلف باختلاف نوع الالتزام، فجوهر الالتزام أن يكون المدين ملتزماً بعمل شيء أو بالامتناع عن عمل شيء، ويقتصر على الواجب القانوني دون غيره من الواجبات الأخرى الغير قانونية كما هو الشأن بالنسبة للواجبات الأخلاقية والدينية([10]). 

  2. الالتزام واجب قانوني يقع على شخص معين: اي يتطلب الالتزام وجود شخص معين يتحمل هذا الالتزام وقت نشوئه، وهو المدين، فالمدين يجب أن يكون معيناً، إذ أن الالتزام يرتبط بشخص معين بذاته وهو ما يميزه عن الواجب القانوني العام، والذي مقتضاه أن يمتنع كل شخص عن القيام بأعمال من شأنها منع صاحب الحق من الانتفاع بحقه أو الإضرار بالغير([11]). 

  3. الالتزام ينشـئ واجب ذو قيمة مالية: فالالتزامات ليست ذات طبيعة واحدة أو جنس واحد، بل هناك التزامات مالية وهناك التزامات غير مالية، وعليه يُفسـر الالتزام بأنه يُوجد حقاً ذو قيمة مالية، وبالتالي فإن الالتزام يرادف الحق الشخصي ويقابله([12]). 

رابعاً: أركان الالتزام وعناصره 

    قسـم الفقهـاء الالتـزام إلـى عنصــرين رئيسيين هما: عنصـر المديونية، وعنصر المسؤولية، وفيما يلي توضيح لهذين العنصرين العناصر([13]): 

  1. عنصـر المديونية: فالمديونية هي تكليف وإلزام قانوني يقع على عاتق المدين للقيام بشـيء أو بعمل معين ذا قيمة مالية، فعند قيام المدين بتنفيذ هذا العمل ينتهي عنصـر المديونية في الحال، كما الحال في عنصـر المسؤولية ففي حال عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه يظهر عنصر المسؤولية ويتوجب علية الالتزام به. 

  2. عنصـر المسؤولية: وهو العنصر الذي يُعبر عن السلطة المخولة للدائن، ففي حالة عدم تأدية المدين لالتزامه يتم لجوء الدائن إلى التنفيذ القهري، فيكون له حرية التصرف. 

خامساً: تقسيمات الالتزامات وأنواعها 

    ينقسم الالتزام إلى عدة أنواع وذلك حسب المعيار المعتمد في تقسيم الالتزامات، فهي تنقسم من حيث مصدر نشوء الالتزام إلى التزامات إرادية واخرى غير إرادية، كما تنقسم من حيث محلها إلى الالتزام بأداء عمل معين أو الامتناع عن أداء العمل، أو التزام بإعطاء، وينقسم الالتزام من حيث مضمونه إلى التزام بتحقيق نتيجة والالتزام ببذل عناية، وينقسم كذلك إلى التزام شخصـي والتزام عيني، فضلاً عن بروز أنواع جديدة من الالتزامات التي نص عليها المشـرع في أنظمة خاصة ببعض العقود أهمها الالتزام بالإعلام، وفيما يلي بيان لأنواع الالتزام([14]): 

    ينقسم الالتزام حســب مصدر نشوئه إلــى التزام إرادي وآخــر غيـر إرادي، وينقسم من حيث محله ومضمونه إلى التزامات عديدة، وفيما يلي بيان لهذه الأنواع والأقسام: 

اولاً: التزامات إرادية والتزامات غير إرادية: 

    فالالتزامات تنقسم من حيث مصدرها إلى إرادية وأخرى غير إرادية، وفيما يلي توضيح لذلك([15]): 

  1. الالتزامات الإرادية: هي الالتزامات التي تكون إما من خلال اتحاد إرادتين؛ أي من الإرادة المشتركة بين الطرف الدائن والطرف المدين، وهو ما يُسمى بالالتزام التعاقدي، أو التزامات تكون من إرادة منفردة، فلا يكون التصرف القانوني بإرادتين وإنما بإرادة منفردة واحده، كالوعد بجائزة مثلاً. 

  2. الالتزامات غير الإرادية: هي التزامات لا دخل للإرادة في نشؤها، أي أنها تترتب خارج نطاق إرادة الطرف الملتزم، كمسؤولية الإنسان تجاه تقصيره في اداءة الشخصي أو تقصيره بحق الأشياء التي تكون ضمن حراسته ومسؤوليته، أو كأن يثري طرف على حساب الطرف الأخر بدون حق، أو أن ينتفع طرف من عمل الطرف الأخر، كالفضولي الذي يأتي شأنا مستعجلاً يعود لغيره دون أن يكون مأموراً أو منهياً عن إتيانه، ففي هذه الحالات المذكورة نقف أمام التزامات قانونية بشكل واسع تكون ناشئة عن القانون بشكل مباشر، فعندما لا تكون إرادة الطرف المدين هي التي أوجدت الالتزام فإن المشـرع هو الذي يوجده، وبالتالي يحدد طرفاً دائنا وآخر مدينا، بل إن القانون قد يُوجد الالتزام دون فعل إيجابي أو سلبي من جانب الطرف المدين رغم إرادته، ومثال ذلك الالتزام بتأدية النفقة والتزام الأشخاص الخاضعين لنظام الضريبة بأداء الضريبة، حيث نكون أمام التزامات قانونية بالمعنى الضيق. 

ثانياً: الالتزام بإعطاء، والالتزام بعمل أو بالامتناع عن عمل: 

    ففي هذا النوع إما أن يكون التزام إيجابياً، حيث يكون فيه الأداء الواجب على الطرف المدين القيام به إيجاباً مثل الالتزام بإعطاء والالتزام بأداء عمل، وإما يكون التزاماً سلبياً، حيث يمتنع فيه الطرف المدين من أداء عمل معين([16]). 

أ. الالتزام بإعطاء: 

    وهو التزام ايجابي، مضمونه التزام بإنشاء أو نقل حق عيني سواء أكان الحق العيني حقاً أصلياً كحق الملكية أو كان الحق تبعياً كحق الرهن، وسواء كان الحق العيني متعلقاً بعقار أو منقول، ومثال ذلك التزام الطرف المدين بإنشاء حق عيني على شيء، والتزام المالك بإنشاء حق ارتفاق على عقاره لفائدة شخص أخر، أو التزامه بإنشاء رهن على عقاره لفائدة دائنة. 

    أما التـزام المديـن بنقل حـق عينـي، فيختلـف حكمه بحسب ما إذا كان موضوعه نقل منقول أم نقل عقار، فإذا كان موضوع الالتزام عقارا وجبت التفرقة بين العقار المحفظ والعقار غير المحفظ، إذ في العقار المحفظ لا ينشأ الحق ولا ينقل سواء فيما بين الطرفين أو في مواجهة الغير إلا بتسجيله في السجل العقاري بالمحافظة العقارية. 

    أمـا إذا كـان العقـار غيـر محفـظ فتنتقـل ملكيـة الشـيء المبيـع إلـى المشتري بمجرد أن تتم عمليه البيع عن طريق الكتابة بتاريخ محدد، غير ذلك لا يكون له أي أثر في مواجهة ومطالبه الغير إلا في حال سجل في الشكل المحدد وفق القانون (المقصود هنا التسجيل لدى إدارة التسجيل وليس المحافظة العقارية كما هو الشأن في العقار المحفظ)، وإذا كان موضوع التزام المدين يتعلق بحق عيني على منقول معين بذاته فإن هذا الحق موضوع الالتزام ينتقل فور نشوء هذا الأخير إذ أمكن تنفيذه بمجرد انعقاد العقد، أما إذا كان الالتزام يتعلق بنقل حق عيني على منقول غير معين سوى بنوعه، فلا ينقل الحق إلا بإفراز هذا المنقول. 

ب. الالتزام بتأدية عمل: 

    وهو أن يكون الطرف المدين ملتزماً للقيام بعمل معين لصالح الطرف الدائن، وبالتالي هو عبارة عن نشاط مادي أو معنوي، يتعين فيه على الطرف المدين تأديته لصالح الطرف الدائن، ولا يكون فيه نقل حق ملكية أو إنشاء حق عيني آخر، مثل التزام المحامي بحماية موكله والدفاع عنه، والتزام المقاول بعملية البناء والتزام الأجير بتأدية العمل الذي تم تحديده والاتفاق عليه مع مشغله. 

ج. الالتزام بالامتناع عن تأدية عمل: 

    الامتناع عن تأدية عمل هو التزام سلبي، يمتنع فيه الطرف المدين عن القيام بعمل معين، كان يجوز له القيام به لولا وجود التزام، مثل التزام ممثل الامتناع عن التمثيل لدى شركة أخرى غير الشـركة التي تعاقد معها، والتزام التاجر بالامتناع عن فتح محل منافس لتاجر آخر في منطقة معينة، والتزام الأجير بعدم منافسة مشغله بعد انتهاء عقد شغله. 

ثالثاً: الالتزام بتحقيق نتيجة والالتزام بتقديم عناية 

    حيـث ينقسـم الالتـزام من حيـث محلـه إلى التزام بتحقيق نتيجة والتزام ببذل عناية([17]). 

أ. الالتزام بتحقيق نتيجة: هو أكثر أنواع الالتزامات عددا والجاري العمل بها، وفيه يكون الطرف مدينا بتحقيق نتيجة، مثل التزام سائق بتوصيل شخص أو بتوصيل بضاعة إلى مكان معين في وقت محدد، والتزام المقاول الذي يتعهد بإقامة بناء، والتزام البائع بنقل الملكية وتسليم الشيء المبيع، والتزام المستأجر برد الشيء المؤجر بعد انتهاء مدة الإيجار، وفي هذه الالتزامات وأشباهها تكون النتيجة محددة بذاتها ولا يكون النشاط الذي يبذله المدين لتحقيق هذه النتيجة إلا مجرد وسيلة ليست لا محل الالتزام، ففي حال لم تتحقق النتيجة يتحمل المدين المسؤولية، حيث يُفترض الخطأ من جانبه دون الحاجة إلى إثباته من قبل الدائن، ولا يتخلص من المسؤولية إلا في حال أثبت أن هناك سبباً حال بينه وبين تحقيق النتيجة. 

ب. الالتزام بتقديم عناية: ففي هذا النوع يكون محل الالتزام ليس في النتيجة بل في النشاط الذي يجب عليه أن يبذله ويقدمه، والذي بالتالي يؤدي إلى تحقيق النتيجة المطلوبة. 

    مثل التزام الطبيب، فهو لا يكون ملتزماً بمعافاة المريض وإنما يكون ملتزماً بتقديم العناية له والاهتمام به وفقاً للأسس العلمية المقررة، وبتعبير آخر فإن محل التزام الطبيب لا يكمن في شفاء المريض وإنما في تقديم العناية والرعاية الواجبة في علاجه. 

رابعاً: الالتزام المدني والالتزام الطبيعي: 

ينقسم الالتزام من حيث قوته إلى التزام مدني وآخر طبيعي([18]): 

أ. الالتزام المدني: فهو الذي يجوز معه للدائن عند عدم تنفيذ المدين للالتزام إجباره عن طريق القضاء على الوفاء به وتنفيذ ما التزم به بعينه أو بمقابـل، والالتــزام فـي هــذه الصـورة يستجمــع عنصــري المديونيـة والمسؤولية، ويُقصد بعنصـر المديونية الواجب الذي يقع على عاتق المدين القيام به لمصلحة الدائن، بحيث إذا وفى ما بذمته تنقضـي المديونية وينقضـي الالتزام بذمته دون أن يتحرك عنصـر المسؤولية، وفي حال لم يقم المدين بتنفيذ التزامه فإن عنصـر المسؤولية يتحرك من خلال إجبار المدين على التنفيذ، فالمسؤولية على هذا النحو تكمن في الإجبار الذي يسمح للدائن أن يجبر المدين على الوفاء بالتزامه من خلال المطالبة بحقه قضاء. 

ب. الالتزام الطبيعي: على خلاف الالتزام المدني الذي يستجمع عنصـري المديونية والمسؤولية فإن الالتزام الطبيعي لا يتوفر على عنصـر المسؤولية بحيث لا يستطيع الدائن به إجبار المدين على الوفاء بهذا الالتزام عن طريق القضاء، غير أن المدين إذا وفي الدين اختيارا، فإن وفاءه يكون صحيحاً ولا يجوز له المطالبة باسترداد ما وفاه، وهكذا فإن القانون لا يوفر سوى حماية ناقصة وغير مباشرة لهذا الالتزام، فهي حماية ناقصة لأن القانون لا يعطي الدائن بهذا الالتزام أي دعوى ليجبر بها المدعي على التنفيذ إلا إذا تعهد المدين بالتنفيذ، وهي حماية غير مباشرة لأن القانون لا يعطي الدائن بهذا التنفيذ إلا مجرد دفع بعدم جواز استرداد ما وفاه المدين اختياراً، ومثال ذلك الدائن الذي يسقط حقه بالتقادم وإن كان من حقه اللجوء إلى القضاء للمطالبة به، فإنه لا يستطيع إجبار المدين على تنفيذ التزامه متى دفع المدين بالتقادم، غير أن المدين إذا قام بتنفيذ التزامه بإرادته فإنه لن يكون باستطاعته استرداد ما اداه بدعوى جهله بواقعة التقادم وأنه أدى ديناً سقط بالتقادم ولم يعد مجبراً على الوفاء به، فمثل هذا الالتزام يصبح التزاماً طبيعياً يكون الوفاء به صحيحاً ولا يجوز للمدين المطالبة باسترداد ما وفاه اختياراً. 

خامساً: الالتزام أو الحق الشخصي والحق العيني: 

    يُسمى الالتزام من جانب الدائن حقاً، وهو رابطة قانونية تكون بين طرفين أحد الأطراف دائن والآخر مدين، حيث يترتب على المدين تجاه الدائن نقل حق عيني، أو أداء عمل معين أو الامتناع عن أدائه، وهو بهذه الصورة يتطلب توافر ثلاثة عناصر وهي: دائن صاحب الحق- مدين ملتزم به، وإعطاء شيء أو عمل يكون محلاً لهذا الالتزام أو الحق، والحق الشخصي على هذا النحو يعتبر حقاً نسبياً بحيث أن الدائن لا يستطيع الاحتجاج به إلا اتجاه المدين الذي التزم بأداء هذا الحق([19]). 

    أما الحق العيني فهو السلطة المباشرة التي يقوم بها الشخص تجاه شيء معين، حيث يحصل من خلالها على المنفعة المستهدفة والمرجوة بشكل مباشر دون واسطة، وعليه فإن الحق العيني وعلى خلاف الحق الشخصي لا يتطلب وجود ثلاث عناصر بل عنصرين فقط هما صاحب الحق وشيء محل هذا الحق، كما أن الحق العيني عباره عن حق مطلق، يستطيع صاحبه الاحتجاج به تجاه الكافة، حيث يمنحه حق التتبع أي تتبع الشيء واسترداده من يد الشخص الذي انتقلت حيازته إليه، كما يمنحه حق الأفضلية الذي يجعله مقدماً على أي شخص يتوفر على مجرد حقوق شخصية في استيفاء حقه، فالدائن صاحب الحق العيني كالرهن الرسمي يقدم على سائر الدائنين العاديين ذوي الحقوق الشخصية في استيفاء حقه بالأولوية، هذا ويكون الحق العيني إما أصلياً أو تبعياً، فالحق العيني الأصلي هو حق يقوم بذاته من غير حاجة إلى أي حق يستند إليه. 

    أما الحــق العيني التبعي فهو حق لا يقوم بذاته وإنما يستند على وجود حق شخصـي، ويكون ضماناً للوفاء به، والحقوق العينية التبعية هي الامتيازات باعتبارها حجة على الناس كافة، والرهن الحيازي والرهون الرسمية([20]). سادساً: الالتزام الشخصي والالتزام العيني: يميز الفقه بين الالتزام الشخصي والالتزام العيني، فالالتزام الشخصي هو علاقة بين شخصين أحدهما دائن والأخر مدين، يجب بمقتضاه أن يقوم المدين بتقديم شيء أو عمل أو بالامتناع عن عمل لصالح الدائن، أما الالتزام العيني فهو أداء يجب أن يقوم به شخص بسبب أنه مالك لشيء أو صاحب حق عيني عليه، أي أن الالتزام العيني لا يلحق الشخص بصفته الشخصية بل باعتباره مالكاً لشيء أو صاحب حق عيني عليه، اما الخاصية الثانية التي تميز الالتزام العيني فتكمن في كونه ينتقل بانتقال الشيء بغض النظر عن الطريقة التي انتقل بها هذا الشيء أو الحق العيني الذي يرد على هذا الشيء، فالتزام مالك العقار المرتفق به ينتقل إلى من تنتقل إليه ملكية العقار المرتفق، والالتزام العيني الذي كان قائماً في ذمة صاحب الشقة ينتقل إذا باع شقته إلى المالك الجديد بحيث يصبح هو الملتزم بنفقات الصيانة، تلك إذن خاصية يتميز بها الالتزام العيني عن الالتزام العادي الشخصـي، وهي أن الالتزام العيني ينتقل إلى من حل محل المالك السابق إي الخلف الخاص، أما في الالتزام الشخصـي فإن الدين يتحمله المدين بصفته الشخصية بحيث يكون جزءاً من ذمته ولا ينتقل منه إلا إلى خلفه العام دون خلفه الخاص. سادساً: مصادر الالتزام يُقصد بمصادر الالتزام الأسباب القانونية المباشرة أو الوقائع المولدة للالتزام، فمصدر التزام البائع بتسليم الشيء المبيع وضمانه هو عقد البيع، ومصدر التزام الموصي هو إرادته المنفردة ومصدر التزام المسؤول المدني عن تعويض الضرر الذي أحدثه للغير هو العمل غير المشروع أو المسؤولية التقصيرية، ومصدر التزام المثري برد ما أثرى به هو العمل النافع أو ما يُسمى بالإثراء بلا سبب، وأخيراً مصدر التزام الأب بالنفقة على أبنائه أو الزوج على زوجته هو القانون. وبالتالي فإن مصادر الالتزامات تُحدد في (العقد، والإرادة المنفردة، والإثراء بلا سبب، والمسؤولية التقصيرية، والعمل غير المشروع، والقانون)([21]). وتنقسم مصادر الالتزام حسب النظرية الحديثة إلى مصادر إرادية وأخرى غير إرادية، فالتصرفات القانونية سواء كانت من جانبين كالعقد أو من جانب واحد مثل الوصية والوعد بجائزة هي مصادر إرادية، أما المصادر غير الإرادية فهي التي لا تتدخل إرادة المدين في نشوء الالتزام وتشتمل العمل غير المشروع والإثراء بلا سبب والقانون، ويُطلق عليها أسم الواقعة القانونية أي الواقعة التي يرتب عليها القانون أثراً قانونياً لمجرد وقوعها دون اكتراث بعنصري الإرادة أو بالنية حتى لو وجدتا. هكذا فمصادر الالتزام عديدة ومتنوعة وقد عرف تصنيفها وترتيبها تطوراً تشـريعياً مسايرة للنظريات الفقهية التي تم تأصيلها في هذا الشأن([22]). الخاتمة: تُعد نظرية الالتزام من اكثر النظريات التي تظم قواعد ثابته ومجردة، حيث تقوم قواعدها على المنطق، كما وتعتبر أساساً لغالب المعاملات المالية وفق ما تُحدثه من تدخل كبير في حياة الأشخاص، مما جعلها تتميز بالاستقرار على عكس القوانين الأخرى. وتكمن أهمية دراسة قانون الالتزامات والعقود، كونه يُعد العمود الفقري الذي تستند عليه، بالإضافة إلى أن التمكن من فهمه ودراسته والاحاطة به يساعد على استيعاب وفهم ما تبقى من قوانين، فالمبادئ الأساسية المترتبة عن نظرية الالتزامات لا تحكم فقط القانون المدني، بل تحكم أيضا مجموعة من المواد القانونية الخاصة. النتائج: للالتزام مصادر متعددة، فمصادرها وفق الفقه والتشريع هي: العقد والارادة المنفردة والإثراء بلا سبب والعمل غير المشروع والقانون. لا يتطلب في الالتزام وجود طرفي الدائن والمدين معاً؛ حيث يمكن حصوله من جانب طرف واحد كالوعد بجائزة للجمهور مثلاً. يُعد الالتزام واجب قانوني يقع على شخص معين، حيث يتطلب وجود شخص معين يتحمل هذا الالتزام وقت نشوئه، وهذا الشخص هو المدين. الالتزامات ليست ذات طبيعة واحدة أو جنس واحد، بل هناك التزامات مالية وهناك التزامات غير مالية. للالتزام عنصرين، هما: عنصر المديونية وعنصر المسؤولية، فالمديونية هي عباره عن تكليف قانوني يقع على عاتق الطرف المدين للقيام بشيء معين ذا قيمة مالية، ففي حال قام الطرف المدين القيام بهذا الأداء فإن عنصر المديونية يُعتبر منتهياً، بينما يتمثل عنصر المسؤولية بالسلطة المُعطاة للدائن، ففي حالة عدم أداء المدين لالتزامه يمكن للدائن أن يلجأ إلى التنفيذ القهري. تنقسم الالتزامات إلى عدة أنواع حسب المعيار المعتمد، فهي تنقسم من حيث مصدر نشوء الالتزام إلى التزامات إرادية واخرى غير إرادية، كما تنقسم من حيث محلها إلى الالتزام بأداء عمل أو بامتناع عن أداء عمل، وينقسم الالتزام من حيث مضمونه إلى التزام بتحقيق نتيجة والالتزام ببذل عناية، وينقسم كذلك إلى التزام شخصي والتزام عيني. قائمة المرجع حجازي، عبد الحي (1982). النظرية العامة للالتزامات وفقاً للقانون الكويتي دراسة مقارنة. مطبوعات جامعة الكويت: الكويت. الخطيب، مصطفى (2019). الموجز في النظرية العامة للالتزامات. قرطبة حي السلام: أكادير، المغرب. قاسم، محمد حسن (2018). القانون المدني: الالتزامات – المصادر – العقد. ط1، منشورات الحلبي الحقوقية: بيروت، لبنان. الكزبري، مأمون (1972). نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي. ط2، مطابع دار القلم: بيروت، لبنان. العطار، المختار (2007). الوسيط في القانون المدني (مصادر الالتزامات). ط2، دار النجاح الجديدة: المغرب العطار، المختار (2011). النظرية العامة للالتزامات في ضوء القانون المدني المغربي. مطبعة النجاح الجديدة: الدار البيضاء، المغرب. صالح، فواز (2009). القانون المدني النظرية العامة للالتزامات: مصادر الالتزام. دار الكتاب الحديث: القاهرة، مصر. صبار، عمر (2022)، ملخص مادة قانون الالتزامات والعقود (الالتزام بوجه عام-النظرية العامة للالتزام). المغرب عربي، بلحاج (2001). النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني الجزائري. ط1، ديوان المطبوعات الجامعية: الجزائر. ([1]) قاسم، محمد حسن (2018). القانون المدني: الالتزامات – المصادر – العقد. ط1، منشورات الحلبي الحقوقية: بيروت، لبنان. ([2]) الكزبري، مأمون (1972). نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي. ط2، مطابع دار القلم: بيروت، لبنان. ([3]) العطار، المختار (2007). الوسيط في القانون المدني (مصادر الالتزامات). ط2، دار النجاح الجديدة: المغرب ([4]) العطار، المختار (2011). النظرية العامة للالتزامات في ضوء القانون المدني المغربي. مطبعة النجاح الجديدة: الدار البيضاء، المغرب. ([5]) حجازي، عبد الحي (1982). النظرية العامة للالتزامات وفقاً للقانون الكويتي دراسة مقارنة. مطبوعات جامعة الكويت: الكويت. ([6]) الخطيب، مصطفى (2019). الموجز في النظرية العامة للالتزامات. قرطبة حي السلام: أكادير، المغرب. ([7]) حجازي، عبد الحي (1982). النظرية العامة للالتزامات وفق القانون الكويتي: دراسة مقارنة. مطبوعات جامعة الكويت، الكويت. ([8]) الخطيب، مصطفى (2019). الموجز في النظرية العامة للالتزامات. قرطبة حي السلام: أكادير، المغرب. ([9]) الخطيب، مصطفى (2019). الموجز في النظرية العامة للالتزامات. قرطبة حي السلام: أكادير، المغرب. ([10]) حجازي، عبد الحي (1982). النظرية العامة للالتزامات وفق القانون الكويتي: دراسة مقارنة. مطبوعات جامعة الكويت، الكويت. ([11]) العطار، المختار (2011). النظرية العامة للالتزامات في ضوء القانون المدني المغربي. ط1، مطبعة النجاح الجديدة: الدار البيضاء، المغرب. ([12]) العطار، المختار (2011). النظرية العامة للالتزامات في ضوء القانون المدني المغربي. ط1، مطبعة النجاح الجديدة: الدار البيضاء، المغرب. ([13]) عربي، بلحاج (2001). النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني الجزائري. ط1، ديوان المطبوعات الجامعية: الجزائر. ([14]) العطار، المختار (2011). النظرية العامة للالتزامات في ضوء القانون المدني المغربي. مطبعة النجاح الجديدة: الدار البيضاء، المغرب. ([15]) حجازي، عبد الحي (1982). النظرية العامة للالتزامات وفق القانون الكويتي: دراسة مقارنة. مطبوعات جامعة الكويت، الكويت. ([16]) حجازي، عبد الحي (1982). النظرية العامة للالتزامات وفق القانون الكويتي: دراسة مقارنة. مطبوعات جامعة الكويت، الكويت. ([17]) حجازي، عبد الحي (1982). النظرية العامة للالتزامات وفق القانون الكويتي: دراسة مقارنة. مطبوعات جامعة الكويت، الكويت. ([18]) حجازي، عبد الحي (1982). النظرية العامة للالتزامات وفق القانون الكويتي: دراسة مقارنة. مطبوعات جامعة الكويت، الكويت. ([19]) الخطيب، مصطفى (2019). الموجز في النظرية العامة للالتزامات. قرطبة حي السلام: أكادير، المغرب. ([20]) حجازي، عبد الحي (1982). النظرية العامة للالتزامات وفق القانون الكويتي: دراسة مقارنة. مطبوعات جامعة الكويت، الكويت. ([21]) صبار، عمر (2022)، ملخص مادة قانون الالتزامات والعقود (الالتزام بوجه عام-النظرية العامة للالتزام). المغرب ([22]) صالح، فواز (2009). القانون المدني النظرية العامة للالتزامات: مصادر الالتزام. دار الكتاب الحديث: القاهرة، مصر.

whatsApp.Icon-01.png
bottom of page