top of page

نظرية النخبة السياسية

Oct 11, 2023

دعاء نجيب

نظرية النخبة السياسية

    إنَّ النخب السياسية وما تملكه من سلطة اتخاذ القرارات في دولها يجعلها الفاعل في إدارة المرحلة الانتقالية لعملية التحول الديمقراطي، لا سيما بعد التحولات السياسية التي عرفتها بعض دول المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، والتي يؤكد واقعها باستمرار على محورية النخب السياسية والأدوار المهمة التي تضطلع بها، حيث أدى حراك الشعوب فيها إلى إسقاط الأنظمة السياسية الحاكمة ودخول هذه الدول في مراحل انتقالية، والتي تعبر عن وضع مؤقت وهو وضع غير مرغوب فيه استمر لفترة طويلة ويسعى لتغييرة عبر عمليات تغيير وتحول، فنجاح المرحلة الانتقالية مرهون بالأدوار الايجابية التي تؤديها النخب السياسية، ذلك من خلال فتح حوار شامل مع جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاتفاق على خارطة طريق تنقل الدولة في المرحلة الانتقالية إلى مرحلة الترسيخ الديمقراطي. 

    ويُعد دراسـة الـدور السياسـي للنخـب موضـوعاً هاماً للبحث في العلوم الاجتماعية والسياسية منذ أواخر القرن التاسع عشـر فلقد جذب دور تلك الأقليات الصغيرة في التأثير على المسائل السياسية والاجتماعية اهتمام علماء السياسة، والاجتماع، بل لا نبالغ إذا قلنا أنه لفت أنظار المفكرين الاجتماعيين على مر العصور، إذ أعتقد بعضهم أن النخب تمثل الجماعات التي تتولى اتخاذ القرارات المؤثرة في سياسة المجتمع، ولها من القوة والنفوذ ما يتعدى نطاق أية جماعة أخرى في المجتمع بأسرة وتصور آخرون أن هذه النخب هي مصدر القيم ومنبع المعايير والاتجاهات، من ثم فهي العامل الاساسي لتحقيق التماسك والتكامل الاجتماعي والسياسي في دولة ما. 

    وتأتي النخبة السياسية كمفهوم حاول المختصون من خلاله تسليط الضوء على جماعة بشـرية معينة، تعيش في إطار النظام السياسي وتمارس نمط من انماط العلاقة السلطوية بين الحاكم والمحكوم، إذ ان الحاكم الفرد عبر مر التاريخ لا يستطيع ممارسة السلطة بمفردة دون وجود مجموعة من الأفراد يشاركونه بنسب متفاوتة في ممارسته للسلطة علي باقي مكونات الدولة التي يحكمها، وقد اصطلح المختصون لذلك تسمية (النخبة السياسية). 

    مما أدى إلى انتشار هذه النخبة بفاعلية أكثر من غيرها من طبقات المجتمع في رسم الحراك السياسي داخل الدولة ومجتمعها السياسي بمختلف الاتجاهات سلباً أو إيجاباً انطلاقاً مما تمتلكه من ميزات مقارنة بغيرها من طبقات المجتمع ومن جملة هذا الحراك عملية التنمية السياسية، التي تشهدها بعض المجتمعات النامية في أنظمتها السياسية، وعليه فإن نظرية النخبة تُعد من اهم النظريات لدراسة النظم السياسية وتحليلها، حيث أن طبيعة المجتمعات السياسية تبين أن السلطة لا يمكن أن تمارس بواسطة الجميع، مما يحتم وجود نخبة على شكل هيئات تتولى إدارة المجتمع، وهذا ما استقر عليه التاريخ البشري في كل المجتمعات فالتركيز على الأقلية الحاكمة يعود إلى بداية الفكر السياسي، إذ أن البحث دائما كان يتجه إلى نوع النظام السياسي الحاكم، والتفرقة بين انواع الأنظمة أمر قديم، وهذا الأمر مستمر في الخبرات التاريخية والإنسانية والمعرفية إلى حد الأن([1]). 

    وقد عكس الحديث حول ظاهرة النخبة جدلاً فكرياً في المجتمعات الغربية عموماً وفي الولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً ولعل انطلاقة هذا الجدل كانت ترتكز على تساؤل رئيس هو هل ان وجود النخبة بقوة في المجتمع وممارستها للحكم يشير إلى حقيقة ان حكم الأغلبية قضية شكلية او نظرية وان الواقع يشير إلى فشل هذه الألية مهما كان تطبيقها ديمقراطياً، وذهب البعض إلى القول أن وجود النخبة وممارستها للسلطة لا يتقاطع مع حكم الأغلبية بل العكس وجود هذه النخبة يرتبط بالجماهير التي تختار اشخاصاً يشكلون في المستقبل نخبة حاكمة وفقاً لأراداتهم وبالتالي تشكل النخبة ظاهرة صحية في المجتمعات سواء كانت متقدمة أم نامية، ومع كل ما تقدم لا يمكن نكران الخلاف الذي دار حول تحديد مفهوم النخبة في المجتمعات النامية الذي ذهب إلى لصق صفة السلبية، والاستغلالية في النخبة في البلدان النامية والكفاءة والتمييز والتطور في البلدان المتقدمة رغم استغلالها في بعض الاحيان لجهود المجتمع والحكومة([2]). 

    وقد كان أول ظهور لمصطلح النخبة في فكر الفيلسوف الإغريقي أفلاطون الذي دافع عن حكم ذوي العقول النيرة والحكمة، كما عبرت عنه مذاهب ومعتقدات دينية كان لها تأثير في النظريات الاجتماعية، وفي الفكر الحديث يبرز عمل المفكر الفرنسـي سان سيمون الذي أكد بضرورة حكم العلماء ورجال الصناعة للمجتمع، غير أن الميلاد النظري لهذا المفهوم كان مع نهاية القرن التاسع عشـر وبداية القرن العشـرين، وذلك بفضل علماء الاجتماع الايطاليين: "فلفريد باريتو" و "جيتانو موسكا"، و "ميشلز"، ويمثل باحثون أخرون أمثال "راي ميلز" و "جيمس برنهام" امتداد لهؤلاء الثلاثة، والذين أرسوا دعائم اتجاه جديد في الدراسة والتحليل السياسي والسوسيوجي، وينطلق من فكرة النخبة كأداة لمقاربة الأداء والبناء الاجتماعي العام، فدراسة المنظومة الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية يمكن أن تتم انطلاقاً من دراسة الفاعلين الرئيسيين في سلوكياتهم واتجاهاتهم، وأهدافهم ومدى نجاحهم أو فشلهم في أحدث تغييرات في مجتمعاتهم، بحكم مواقعهم وقدراتهم على صنع القرار وتنفيذ اختياراتهم في جميع الميادين([3]). 

    ويرتبط مفهوم النخبة بتوزيع السلطة والقوة والنفوذ داخل المجتمع، وتُعرف بأنها: جماعة من الأشخاص يتم الاعتراف بعظمة تأثيرها وسيطرتها في شؤون المجتمع الذي تؤلف النخبة فيه أقلية حاكمة يمكن تمييزها عن الطبقة المحكومة وفقاً لمعيار القوة والسلطة بدلالة تمتعها بسلطان القوة والنفوذ والتأثير في المجتمع أكثر مما تتمتع به الطبقة المحكومة فيه، وذلك بسبب ما تمتلكه هذه الأقلية من مميزات القوة والخبرة في ممارسة السلطة والتنظيم داخل المجتمع الأمر الذي يؤهلها لقيادته([4]). 

    والنخبة هي مجموعة تتمتع بأكبر وسط من أي قيمة، ويرى روبرت دال بأن النخبة مجموعة من الأفراد يشكلون أقلية تسود تفضيلاتهم عند حدوث أزمات تكون متعلقة بالقضايا الأساسية في المجتمع، وعند رايت مليز النخبة هي "نخبة القوة" والتي يقصد بها الدوائر الاقتصادية، السياسية والعسكرية التي تتدخل وتشترك في اتخاذ القرارات الرئيسية في المجتمع([5]). 

    ويُنظر إلى النخبة السياسية عادة بدلالة (الفئة الحاكمة)، ويرتبط وجودها في تحليل آلية عمل النظام السياسي من خلال فهم علاقة السلطة بالمجتمع أو بشكل أخر علاقة القوة بين الحكام والمحكومين([6]). والنخبة هي مجموعة من الأفراد متميزين بقدرات فردية ومواهب متميزة عن غيرهم ذهنياً وأخلاقياً([7]). 

    ومنهم من عرف النخبة على انها جماعه من الأشخاص يتم الاعتراف بقوة تأثرهم وسيطرتهم في شؤون المجتمع الذي تشكل النخبة فيه أقلية حاكمة يمكن تمييزها عن الطبقة المحكومة وفقاً لمعيار (القوة والسلطة)، بدلالة تمتعها بسلطات القوة والنفوذ والتأثير في المجتمع أكثر مما تتمتع به الطبقة المحكومة فيه، وذلك بسبب ما تمتلكه هذه الأقلية من مميزات القوة والخبرة في ممارسة السلطة والتنظيم داخل المجتمع المر الذي يؤهلها لقيادته([8]). 

    وبذلك تكون النخبة السياسية هي النخبة (القائدة) و (المخططة) لحركة المجتمع ومؤسسته الرئيسة (الدولة) بكل هياكلها ومسمياتها الفرعية. 

إن تبرير وجود النخبة يستند إلى أمرين أساسيين هما: 

  1. إن المجتمعات لا يمكن لها أن تقاد وتحكم من خلال شخص واحد، إذ مهما بغت إمكانات هذا الشخص فإنه سيبقى عاجزاً عن السيطرة داخل مجتمعه دون وجود طبقة تعمل على فرض احترام أوامره وتنفيذها، وان حاول الاستغناء عنها فأنه سيستبق ذلك بتأمين بديل لها يقوم بنفس مهامها. 

  2. إن الجماهير غير قادرة على حكم نفسها لأنها أغلبية، فهي تبقى عاجزة عن تنظيم نفسها والتحكم بدرجة تماسك تؤهلها لحكم نفسها، الأمر الذي لا يوجد فيه الأقلية التي تستطيع بتلاحمها وتنظيمها قيادة الأغلبية وذلك لكونها تتمتع بصفة الأقلية التي تسهل تنظيمها إضافة إلى تمتعها بمميزات السلطة والقوة والنفوذ، ويكون وجود النخبة وفقاً لذلك مظهراً تشترك فيه معظم المجتمعات والنظم السياسية. 

    وانطلاقاً مـن الحقيقـة القائلـة بانقسـام المجتمـع إلـى مجموعة من المجالات الحياتية المجسدة للنشاط البشري اقتصادياً، ثقافياً، اجتماعياً، سياسياً، وغيرها من المجالات، فإن من المُسلم به وجود نخبة مؤهلة بأفضل العناصر التي تمكنها من صياغة التفاعلات المتعلقة في إطار هذه المجالات، وبغض النظر عن سلبية أو إيجابية هذه النخبة في تحقيق أهدف الفئة المحكومة، فإن جماهير هذه الفئة من المجتمع ليس أمامها سوى الخضوع لهذه النخب الأكثر فاعلية وقدرة على إدارة وصياغة التفاعلات الحاصلة في إطار المجتمع ككل في مجالاته المختلفة، سواء أكانت اقتصادية، اجتماعية، سياسية أو غيرها([9]). 

خصائص النخبة السياسية 

    تتسـم النخبـة السياسيـة بعـدة خصائص من أهمها أنها عبارة عن مجموعة قليلة من الأفراد، سواء اطلق عليها لفظ نخبة أو صفوة أو غيرها مـن الالفــاظ، كمـا أن النخــب السياسيـة ليـس بالضـــرورة أن تكــون من السياسيين، فهم صانعي القرارات الرئيسية في المجتمع التي لا تخضع سلطتهم لأي سلطة أو رقابة أو وجه اخرى في المجتمع أي أنها تضم ذوي التأثير السياسي، فهم الذي يؤثرون على عملية التخصيص السلطوي للقيم سواء كانت هذه النخبة تمارس هذه المهمة بطريقة شرعية أو غير شرعية. 

    وهذه المجموعة تمتلك القوة سواء تم تحديد هذه القوة على أنها مشاركة في صنع القرار، او تعني قدرة الشخص على التأثير في سلوك الأخرين في الاتجاه الذي يريده أو القدرة على جعل شخص أخر يقوم بعمل لم يقوم به قبل ذلك أي أنها أيضاً تدور حول القدرة في توزيع الاتجاه المستهدف. 

    أيضاً فأن النخبة السياسية قد تمارس القوة في شكل سلطة أي نتيجة لقبول مشروع ممنوح لفرد أو لجماعة وهنا تكون السلطة مرتبطة بمنصب أو بمركز معين، كما ان القوة هنا إما ترتبط بنص قانوني مما يثير مشروعية السلطة أو تكون مرتبطة بضمير وقيم الجماعة وتوقعاتها وإلى الرأي العام مما يثير ايضاً مشروعية السطلة. 

    وقـد يكـون للنخبـة السياسيـة وضـع مهيمن هذا الوضع يستند إلى مقومات معينة مثل: (احتكارها إلـى أدوات الاكـراه المـادي والمعنـوي، قدرتها التنظيميـة او خصائصها السلوكية، احتكارها للموارد الانتاجية الاستراتيجية في المجتمع، قد تكون المهيمنة ناتجة من قيم دينية أو اجتماعية ترتبط بتقاليد المجتمع)([10]). 

    كما تستنـد الهيمنة إلـى الانتخابات كمـا فـي المجتمعات الحديثة، أيضاً فإن من خصائص النخب السياسية نجد أنها تتسم بعدد من السمات الهامة مثل الانسجام من حيث السن، والوحدة فهي تشكل خاصية أساسية على اعتبار أن النخبة السياسية وبخاصة أن النخب السياسية دائماً ما تسعى إلى الحفاظ على مصالحها، بالإضافة إلى تميزها بالقلة وعدم الكثرة([11]). 

وظائف النخبة السياسية

    إنَّ القيــام بأعبــاء التخطيـط والقيـادة وإدارة السلـوك الإنساني على مستوى الدولة هو أمر بالغ الأهمية والخطورة لأنه يتعلق باستيعاب الماضي والتعامل مع الحاضر والعمل للمستقبل، وهو أمر يخص النخبة السياسية خصوصاً وجماهير المجتمع عموماً في إطار الدولة وتمثل علاقة أشبه بعلاقة الروح بالبدن، فإذا كانت جماهير الشعب تمثل البدن فإن النخبة السياسية تمثل الروح التي تعد سبباً لفاعليته واستمراره. 

    وبذلك تكون للنخبة السياسية وظائف مميزة وتتميز بها عن باقي النخب الأخرى، ويعود ذلك إلى أن هذه النخب الأخرى مثلها كمثل الجماهير لا تبالي بالسياسة ولا تستطيع تشكيل رأي سياسي حول موضوعات السياسة العامة مثلما تقوم به النخبة السياسية من عملية تشكيل لهذا الرأي داخل المجتمع، والذي تتأسس على إدراك هذه النخبة للأهداف والمشكلات التي تخص الدولة ومجتمعها، كما تقوم النخبة السياسية بوظيفة التنسيق والموائمة بين أنشطة المؤسسات والهياكل المختلفة داخل المجتمع في إطار الدولة وخارج هذا الإطار في بعض الأحيان، وذلك لغرض الوصول إلى أفضل صيغة مشتركة وموحدة للعمل في إطار المجتمع ومواجهة مشكلاته وأزماته المختلفة([12]). 

    وتقوم النخبة السياسية من أجل تحقيق أهدافها بمحاولة التأثير على جماهير المجتمع لتغيير الواقع الاجتماعي العام بما يحقق مصالها، بحيث إن التغيير قد يكون إيجاباً أو سلباً، محققاً لمصلحة الجماهير أو غير محقق لها عبر مجموعة من الوسائل المختلفة التي توفرها وظائف النخبة السياسية. 

    وفي إطار التأثير المتزايد لهذه النخبة في إحداث التغيير فإنها تقوم بوظيفة حفظ التوازن داخل المجتمع عن طريق اندماجها وتجددها الذي يكون التغيير محوره الأساس، وهي بتغيرها تقوم بقيادة عملية التغيير والتطور داخل المجتمع، وتُعد النخبة بذلك محوراً أساسياً من محاور عملية تمثل مبتغى ومطمح جماهير المجتمع وهياكل ومؤسسات الدولة، ألا وهي عملية التنمية الشاملة، ويظهر ذلك جلياً في مجتمعات الدول النامية إذ تمثل التنمية فيها محور الحياة واختصاراً لأهدافها خصوصاً في الجانب السياسي منها والذي يتمثل في التنمية السياسية([13]). 

دور النخبة في التنمية السياسية 

    يتحدد دور النخبة من خلال درجة اندماجها في المجتمع الذي تكون فيه، ويُمثل الاندماج والتكامل المجتمعي الجزء الأكبر من الدور التنموي للنخبة بشكل عام والسياسية منها بشكل خاص، إذ تقوم النخبة السياسية بأداء وظيفة تحقيق التكامل والاندماج بين الآراء السياسية والاتجاهات لمعظم القوى داخل المجتمع، بمختلف أنماطها وتأثيراتها، بهدف تحقيق استقرار المجتمع وثبات استمرارية أنماط العلاقات البينية بين مؤسساته المختلفة، ويتوقف مستوى نجاح النخبة السياسية في أداء هذا الجزء من الدور على مستوى اندماجها بذاتها مع مؤسسات وبنى المجتمع الأخرى([14]). 

    ويتجسد كذلك الدور التنموي للنخبة من خلال مساهمتها في التخطيط ورسم الأهداف العامة، باعتبارها المؤسسة الأكثر درايةً وخبرةً في أدارة شؤون المجتمع، بما تمتلكه من إمكانات ذاتية لا تتوفر في غيرها من طبقات المجتمع الأخرى، إذ تحتوي النخب أكفأ الطاقات البشرية المؤثرة في مجال عملها الحرفي، وهو ما يجعلها معنية بصورة رئيسة في رسم الأهداف العامة للمجتمع، والتنموية منها على وجه الخصوص، بالإضافة إلى إدارة عملية تنفيذ هذه الأهداف وتقييمها، وهو ما يتضح جلياً في المراحل الكبرى لعملية التنمية الشاملة للدولة، وبذلك يكون دور النخبة في التنمية السياسية ممثلاً بأدائها لوظائف التعبئة والتخطيط والتنفيذ والرقابة، وتذليل العقبات والمشكلات التي تقف في طريقها، وذلك يعكس تدخل النخبة في جميع مراحل التنمية، مما يظهر دوراً بارزاً في هذه العملية، الذي يكون محكوماً بمجموعة من العوامل التي تتحكم بزيادة فاعليته أو ضعفها([15]). 

أهداف نظرية النخبة 

    تهدف نظرية النخبة إلى وصف علاقات القوة في المجتمع وتفسيرها، وتشير إلى أن المجتمع ينقسم إلى قسمين؛ العامَّة أي جمهور الشعب، والأقليَّـة الحامة التـي تتركــز بيــدها السلطـات السياسيـة، وعمليـة اتخـاذ القـرارات وفرضـها علـى كامـل المجتمـع، والهدف الأساسي من هذه النظرية هي إيجاد تفسير علمي لحقيقة أنه بغض النظر عن المكان والزمان، ففي كل المجتمعات تتركز غالبية الموارد في أيدي مجموعة صغيرة من الأفراد، الذين يوظفونها لممارسة السلطة على بقية السكان. 

    وتشكل هذه النظرية الإطار النظري الذي يركز على عاملين أو فكرتين رئيستين؛ الأولى هي التعامل مع شؤون المجتمع بشكل أفضل من خلال مجموعة فرعية صغيرة من أعضائه، والثانية: لا مفر من مثل هذا الترتيب في المجتمعات الحديثة. 

    وقد طُورت هذه النظرية من قبل علماء وباحثين إيطاليين في المدة، بين نهاية القرن التاسع عشـر وبداية القرن العشـرين، واكتسبت أهمية كبيرة سريعاً في العلوم السياسية بعد الحرب العالمية الثانية وتوسعت لتشمل الفئة النافذة التي تحكم من خارج المظاهر الرسمية، أو المؤسسات الدستورية والتي تُعدُّ في هذا السياق أقلية صغيرة حيث تتكون من أعضاء النخبة الاقتصادية وشبكات رسم السياسات العامة وهي تمتلك أكبر قدر من السلطة وهذه السلطة مستقلة عن عملية الانتخابات الديمقراطية في الدولة، ويستطيع أعضاء هذه النخبة على ممارسة سلطة كبيرة على القرارات السياسية والشركات والحكومات من خلال المناصب التي يشغلونها في الشركات أو مجالس إدارتها أو الدعم المالي للمؤسسات الكبيرة أو المناصب التي يتبؤونها في مراكز الفكر أو مجموعات مناقشة السياسة([16]). 

خصائص النخب السياسيـة

    تتميز النخبـة أو الصفـوة مقارنة بالجماهيـر العامة بمجموعة من الصفات والخصائص والتي يمكن تحديدها فيما يلي([17]): 

  1. أقلية من أفراد المجتمع تحكم البلاد وفق عامل وراثي (الجاه او الانتماء إلى طبقة الأعيان أو النبلاء)، أو وفق عامل الاستحقاق الشخصي (العلم والذكاء والحصول على شهادات عليا). 

  2. فئة تمتلك القوة والنفوذ والهيمنة والسيطرة على السلطة السياسية، كما تمتلك صنع القرار والتأثير في الأخرين. 

  3. تمثل أقلية بالنسبة للمجتمع وتمتلك من الثروات والقدرات والمواهب ما يجعلها تتميز عن باقي الطبقات الاجتماعية الأخرى. 

  4. تحتل النخبة السياسية مواقع الصدارة والمناصب الكبرى في المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية. 

  5. تمتلك النخبة قوة مهمة في التأثير في القرارات السياسية المحلية والتوجيه والوطنية والدولية. 

  6. أفراد النخبة السياسية غير مؤبدين في مواقعهم، وأي تحول في البناء الاجتماعي وفي علاقات القوة داخل المجتمع يؤثر على تكوين النخبة. 

    وتتمثـل عناصـر النخبـة بتماسكها الداخلي ووجود درجـة مـن التماسـك الايديولوجي والقدرة على التفاعل مع الجماهير ومع النخب الأخرى لكسب ولائها، بالإضافة إلى قدرتها على التكيف مع المستجدات والقدرة على التجديد وتقوية المؤسسات التي تمارس النخبة نفوذها من خلالها، ودرجة تمثيلها للجماهير([18]). 

ويستند منهج النخبة إلى مجموعة من المسلمات التي تتمثل في([19]): 

  1. ان كل المجتمعات تنتظم حول قيم معينة منها الثروة أو القوة والهيبة والمكانة وان كانت تختلف من مجتمع إلى أخر ومن فرد إلى فرد في المجتمع الواحد، كما أن توزيع القيم يختلف من مجتمع إلى أخر ومن فرد إلى أخر في المجتمع الواحد. 

  2. كل النظم السياسية تنقسم إلى شريحتين حاكمين ومحكومين، حيث أن النخبة أكثر أهمية وانه من خلال تحليلها يمكن فهم النظام السياسي. 

  3. كل مجتمع به مجموعة محددة من النخب وليس نخبة واحدة حيث ان كانت واحدة فهي نهاية الحرية ووجود نخب متنوعة مشتتة يعني نهاية الدولة. 

  4. النخب السياسية متماسكة ولديها هوية مشتركة. 

  5. النخب السياسية مستقلة. 

الخاتمة: 

    يتضح أن للنخبة السياسية الدور الأبرز في عملية التنمية السياسية من خلال دورها في مؤسسات الدولة وخارجها في إطار المجتمع، إذ تعد هذه النخبة المحرك الأساس لعمل النظام السياسي وحركة القوى السياسية المختلفة داخل المجتمع الذي يجسد بيئة هذا النظام. 

    فالنخب احتلت دورا مهما في الهرم السياسي فهي دائما تلعب دور المقرر في مجالات مهمة عدة، إنها تصنع التاريخ وتصنع الحاضر كما أنها تخطط للمستقبل، وتعتبر اقتراب النخبة واحدة من نظريات المرحلة الانتقالية في تطور السياسة المقارنة بين التقليدية والسلوكية التي حافظت على حيويتها المنهجية واقتدارها التحليلي طوال المرحلة السلوكية وما بعدها، وذلك لما تتميز به من قدرة على فهم النظم العلمية وتحليلها، وتعد منهجاً جيداً في دراسة النظم السياسية المقارنة، لما تنطوي عليه الاقتراب من مقولات وافتراضات يمكن تطبيقها في كافة المجتمعات، فلا يوجد مجتمع دون نخبة، بل تتعدى دراسة النخب السياسية إلى دراسة كافة انماط النخب الأخرى من نخبة اقتصادية، نخبة فنية، نخبة ثقافية، نخبة رياضية…إلخ، الأمر الذى يعطى مدلولا بما لا يدع مجال للشك على أهمية منهج النخبة كإطار لدراسة النظم السياسية المقارنة. 

النتائج: 

  1. ينقسم المجتمع إلى فئة حاكمة وفئة محكومة تسمى الفئة الحاكمة منها بالنخبة التي تمتلك من العناصر والمؤهلات التي تمكنها من السيطرة على شؤون المجتمع والدولة وإدارته والتحكم بموارده المختلفة، ولا يستطيع حتى الحاكم الفرد من ممارسة السلطة بمفرده دون مشاركة النخب له في ممارسة هذه السلطة. 

  2. تخضع النخبة بشكل عام إلى قوانين التبدل والتغيير حسب المتغيرات داخل البيئة الاجتماعية العامة التي تتواجد فيها وتختلف هذه النخب حسب طبيعة الدور الذي تمارسه وطبيعتها التكوينية، وتُعد النخب السياسية هي النخبة المسيطرة والمتحكمة بشكل كبير نسبياً في حركة النخب الأخرى والجماهير عموماً بسبب سيطرتها على النظام السياسي الذي تمثل قمة الهرم فيه عادةً. 

  3. يُشار إلى النخبة السياسية عادةً بدلالة الفئة الحاكمة التي تحفظ توازن المجتمع وتمسك بزمام الأمور فيه وتحقق عملية التوازن الاجتماعي داخل المجتمع عن طريق ما تمتلكه من وسائل التأثير والضغط على مختلف القوى والشرائح الاجتماعية وتمارس في الوقت ذاته مجموعة من الوظائف التي تعبر عن اهداف المجتمع. 

  4. يستند نجاح أو فشل النخبة السياسية في أداء وظيفتها أو دورها التنموي على مجموعة من العوامل، أهمها درجة النضوج السياسي لهذه النخبة وتماسكها وادراكها لأهمية دورها في تحقيق التنمية من خلال توحيد الرؤى السياسية داخل المجتمع باتجاه تبني موقف محدد، ويستند هذا الدور على قوة الدولة ذاتها وإمكاناتها واستغلال هذه الامكانات لتحقيق التنمية مثل التماسك القومي والوحدة الوطنية، ويرتبط الدور كذلك بعامل المرونة التي تبديها النخبة السياسية في الانفتاح والتعامل مع انماط النخب الأخرى. 

المراجع:

  • مركز أبن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية (2022). نافذة مركز أبن خلدون على السياسة، قطر. 

  • عبد الكريم، أسعد (2017). محاضرات الفكر السياسي الغربي المعاصر. 

  • شطب، محمد (2013). النخبة السياسية وأثرها في التنمية السياسية. مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية والسياسية، ع4. 

  • محمد، عبد الغفار (1978). دور النخبة في التنمية السياسية: دراسة نظرية مع محاولة للتطبيق على الدول النامية النموذج المصري. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة. 

  • مصطفى، أميرة (2019). مفهوم وخصائص النخبة السياسية. المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية، الاقتصادية والسياسية، على الرابط: https://democraticac.de/?p=61677. 

  • بوروني، زكريا (2010). النخب السياسية وإشكاليات الانتقال الديمقراطي: دراسة حالة الجزائر. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة قسنطينة، الجزائر. 

  • حمود، محمد والسعيدي، سعد (2013). تطبيقات نظرية النخبة ونظرية الدومينو في بلدان الربيع العربي. مقالات الباحث العلمي. 

  • سعد، اسماعيل (1999). علم الاجتماع السياسي بين الاجتماع والسياسية. دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية. 

  • سعدون، حسام (2016). دور النخب السياسية في تحقيق الحكم الراشد. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة العربي بن مهيدي، الجزائر. 

  • المجمعي، محمد (2009). النخب السياسية وأثرها في التنمية السياسية. مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية والسياسية، ع4. 

  • بركات، سليم (2001). علم الاجتماع السياسي. منشورات جامعة دمشق. 

  • زايد، أحمد والزبير، عروس (2005). النخب السياسية والاجتماعية: حالة الجزائر ومصر، مكتبة مدبولي، القاهرة. 

  • محمد، محمود (2014). اقتراب النخبة في دراسة النظم السياسية المقارنة. المركز الديمقراطي العربي، على الرابط https://democraticac.de/?p=550. 

  • بيومي، علي (2004). دور الصفوة في اتخاذ القرار السياسي. دار الكتاب الحديث، القاهرة. 

  • ([1]) سعدون، حسام (2016). دور النخب السياسية في تحقيق الحكم الراشد. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة العربي بن مهيدي، الجزائر. 

  • ([2]) حمود، محمد والسعيدي، سعد (2013). تطبيقات نظرية النخبة ونظرية الدومينو في بلدان الربيع العربي. مجلة 

  • ([3]) سعد، اسماعيل (1999). علم الاجتماع السياسي بين الاجتماع والسياسية. دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية. 

  • ([4]) المجمعي، محمد (2009). النخب السياسية وأثرها في التنمية السياسية. مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية والسياسية، ع4. 

  • ([5]) بيومي، علي (2004). دور الصفوة في اتخاذ القرار السياسي. دار الكتاب الحديث، القاهرة. 

  • ([6]) المجمعي، محمد (2009). النخب السياسية وأثرها في التنمية السياسية. مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية والسياسية، ع4. 

  • ([7]) عبد الكريم، أسعد (2017). محاضرات الفكر السياسي الغربي المعاصر. 

  • ([8]) شطب، محمد (2013). النخبة السياسية وأثرها في التنمية السياسية. مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية والسياسية، ع4. 

  • ([9]) المجمعي، محمد (2009). النخب السياسية وأثرها في التنمية السياسية. مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية والسياسية، ع4. 

  • ([10]) محمد، عبد الغفار (1978). دور النخبة في التنمية السياسية: دراسة نظرية مع محاولة للتطبيق على الدول النامية النموذج المصري. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة. 

  • ([11]) مصطفى، أميرة (2019). مفهوم وخصائص النخبة السياسية. المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية، الاقتصادية والسياسية، على الرابط: https://democraticac.de/?p=61677. 

  • ([12]) المجمعي، محمد (2009). النخب السياسية وأثرها في التنمية السياسية. مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية والسياسية، ع4. 

  • ([13]) محمد، محمود (2014). اقتراب النخبة في دراسة النظم السياسية المقارنة. المركز الديمقراطي العربي، على الرابط https://democraticac.de/?p=550. 

  • ([14]) بركات، سليم (2001). علم الاجتماع السياسي. منشورات جامعة دمشق. 

  • ([15]) زايد، أحمد والزبير، عروس (2005). النخب السياسية والاجتماعية: حالة الجزائر ومصر، مكتبة مدبولي، القاهرة. 

  • ([16]) مركز أبن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية (2022). نافذة مركز أبن خلدون على السياسة، قطر. 

  • ([17]) بوروني، زكريا (2010). النخب السياسية وإشكاليات الانتقال الديمقراطي: دراسة حالة الجزائر. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة قسنطينة، الجزائر. 

  • ([18]) محمد، محمود (2014). اقتراب النخبة في دراسة النظم السياسية المقارنة. المركز الديمقراطي العربي، على الرابط https://democraticac.de/?p=550. 

  • ([19]) محمد، محمود (2014). اقتراب النخبة في دراسة النظم السياسية المقارنة. المركز الديمقراطي العربي، على الرابط https://democraticac.de/?p=550.

whatsApp.Icon-01.png
bottom of page